"الماسة الزرقاء".. قصة أكبر عملية سرقة بتاريخ السعودية

الجمعة ٠٧ يونيو ٢٠١٩ - ١٢:٣٤ بتوقيت غرينتش

قبل 30 عاماً من يونيو 2019، اندلعت أزمة حرب سياسية واقتصادية بين السعودية وتايلاند تسببت بمقتل 18 شخصاً، بينهم أربعة مواطنين سعوديين، في القضية التي عُرفت باسم "الماسة الزرقاء".

العالم - السعودية

وأعادت شبكة "بي بي سي" البريطانية، اليوم الجمعة، تسليط الضوء على القصة التي حدثت في العام 1989، بينما كان البستاني التايلاندي، كرنكراي تيشمونغ، يعمل في قصر الأمير فيصل بن فهد، ووقعت عيناه على كمية هائلة من المجوهرات التي كانت بحوزة الأمير، فخطط لسرقة بعضها ظناً منه أن الأمير لن يلحظ ذلك.

وأضافت الشبكة؛ بدأ البستاني بالسرقة على دفعات بينما كان الأمير وأسرته في إجازة، وعند عودتهم اكتشفوا اختفاء المجوهرات، وعلموا أن البستاني هو من قام بذلك.

وقالت الشبكة إنّ البستاني حينها استطاع التسلل إلى غرف النوم عند غياب أصحابها ليسرق المجوهرات على دفعات كبيرة، ووصل مجموع ما سرقه إلى 90 كيلوغراماً من القلادات والخواتم والأساور المصنوعة من الأحجار الكريمة والذهب، وساعات مرصعة بالياقوت والألماس.

في حين كان من بين المجوهرات الثمينة التي سرقها ماسة زرقاء باهظة الثمن ونادرة تتجاوز قيمتها 20 مليون دولار، إلى جانب كميات من الياقوت والزمُرّد.

البستاني أرسل المسروقات على دفعات إلى بلده قبل أن يأخذ الدفعة الأخيرة معه ويفر بها من السعودية، في حين لم يمضِ وقت طويل حتى علم الأمير وعائلته بفقدان بعض مجوهراتهم، فتواصلوا مع السلطات التايلاندية التي وعدت بحل القضية بأقصى سرعة وإعادة المجوهرات إلى الأمير.

وفعلاً بعد فترة ألقت السلطات القبض على البستاني واسترجعت منه المجوهرات وأعيدت للأمير، وزُجَّ باللص في السجن لمدة خمس سنوات.

وبينت الشبكة أن 20% فقط من المجوهرات التي أعيدت إلى الأمير السعودي كانت حقيقية، أما البقية فمزيفة.

وحاولت تايلاند على مدار عامين الحفاظ على علاقات حسنة مع السعودية، فاستمرت في البحث بالقضية، واتُّهم مسؤول بارز باختلاس بعض المجوهرات، وتم استردادها منه وأعيدت للأمير عام 1991، إلا أن الكمية كانت صغيرة، ولم تكن الماسة الزرقاء من بين المجوهرات المستردة.

مع مرور الزمن تعقدت القضية أكثر، وتم تهديد وخطف تاجر المجوهرات الذي اشترى المجوهرات المسروقة من البستاني، وعُثر عليه لاحقاً مقتولاً مع زوجته وابنه داخل سيارتهم.

وسُجلت الجريمة ضد مجهول، إلا أن خبراء رجّحوا أن يكون وراء ذلك مسؤولون كبار في السلطة.

وأوضحت "بي بي سي" أنّ رجل أعمال سعودياً قُتل لاحقاً كان يجري تحقيقا خاصاً في القضية، فأرسلت السعودية أربعة دبلوماسيين سعوديين إلى تايلاند للكشف عن حقيقة المجوهرات المزيفة التي أُرسلت إليها، لكنهم لم يستطيعوا فك اللغز.

وأثارت القضية سخط الرياض، فاتخذت إجراءات دبلوماسية ضد تايلاند؛ منها خفض مستوى بعثتها الدبلوماسية إلى أقل مستوى، وفقد مئات الآلاف من العمال التايلانديين وظائفهم في السعودية، وعادوا إلى بلدهم، وأوقف لفترة منح تأشيرات دخول للتايلانديين إلى المملكة.

وفي الوقت الذي كان السعوديون ما زالوا يبحثون عن مجوهراتهم المفقودة ظهرت زوجات كبار المسؤولين التايلانديين في مناسبات رسمية وهن يرتدين بعض المجوهرات الجديدة التي كانت تشبه كثيراً مجوهرات الأمير فيصل، وفق الشبكة.

في ذلك الوقت أصبحت العاصمة التايلاندية "بانكوك" أشبه بمصيدة موت لكل من ساهم في البحث عن الحقيقة، إذ قُتل في ظروف غامضة كل من حاول الوصول إلى الحقيقة والكشف عن المستفيدين الحقيقيين من المجوهرات المسروقة.

وأفاد السعوديون بأن ضباطاً تايلانديين كباراً لهم علاقة بالسرقة وعمليات القتل المتلاحقة للمحققين، في الوقت الذي تضاربت به الآراء حول المشتبه بهم في عمليات القتل، فقد أشارت برقية أمريكية عام 2010 إلى أن حزب الله اللبناني وراء عمليات القتل في تايلاند، إلا أن التحقيقات لم تحسم الأمر، وبقي اللصوص والقتلة مجهولين.

بدوره صرح محمد سعيد خوجة (دبلوماسي سعودي بارز كان يعيش في تايلاند)، لصحيفة نيويورك تايمز، في عام 1994: "الشرطة هنا أكبر من الحكومة نفسها، أشعر أنني كمسلم يجب أن أحارب الشياطين هنا".

وفي عام 2015، اتهمت السعودية خمسة من كبار الضباط التايلانديين بالتورط في عملية السرقة، ولكن لم تتم إدانتهم بسبب عدم كفاية الأدلة.

كما أُدرج اسم رئيس الشرطة التايلاندية، سواسدي أمورنويوات، في قائمة المتهمين، واتهم بحرف مجرى التحقيق وعرقلته من خلال الضغط على تاجر مجوهرات اعترف في وقت سابق بأن "الكثير من ضباط الشرطة الذين يرتدون الزي الرسمي هم في الواقع لصوص".

وعندما ظهرت زوجة سواسدي في إحدى المناسبات مرتدية عقداً من الألماس بدا مألوفاً جداً للأمير السعودي، ونفى سواسدي أن يكون ذلك العقد هو نفسه العقد المفقود.

وعلق سواسدي قائلاً: "إنّ اللصوص الحقيقيين عبثوا بالصورة بهدف التضليل".

تسببت الحادثة بخسارة تايلاند لنحو 10 مليارات دولار سنوياً على مدار 20 عاماً؛ بسبب منع المملكة للعمالة التايلاندية، وتراجع السياحة السعودية في تايلاند، ورغم كل ذلك ما زال مصير الماسة الزرقاء مجهولاً حتى الآن.

بعد ثلاث سنوات سجن من أصل خمس أُفرج عن البستاني اللص عقب صدور عفو عنه لحسن سلوكه في محبسه.

وقال وقتها نادماً: "أنا واثق من أن جميع مصائبي سببها لعنة مجوهرات الأمير فيصل التي سرقتها، لذلك قررت أن أصبح راهباً بوذياً بقية حياتي علّني أكفِّرُ عن ذنبي".

وبعد إطلاق سراحه بات يحمل اسماً جديداً معناه "صاحب العلم بالماس".

يشار إلى أنه بعد 10 سنوات من الحادثة أصيب الأمير فيصل بنوبة قلبية توفي على أثرها، قبل أن يحصل على كافة مجوهراته.