ما هي رسالة صاروخ شهاب 3 لترامب وحلفائه الإسرائيليين والعرب؟

ما هي رسالة صاروخ شهاب 3 لترامب وحلفائه الإسرائيليين والعرب؟
السبت ٢٧ يوليو ٢٠١٩ - ٠٥:١١ بتوقيت غرينتش

زيارتان على درجة كبيرة من الأهمية يمكن أن تحددا طبيعة التطورات المقبلة في الأزمة الإيرانية الأمريكية ونتيجة السباق المتسارع بين خياري الحرب والسلام في منطقة الخليج (الفارسي)، وربما في منطقة الشرق الأوسط برمتها.

العالم- مقالات وتحليلات

الأولى: تلك التي قام بها اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إلى منطقة البوكمال في ريف دير الزور على الحدود السورية العراقية، ولقائه مع قادة ميدانيين، ودعوته لهم بالاستعداد لحرب محتملة ضد الولايات المتحدة وحلفائها، كرد أولي على تدريب أمريكا لوحدات في "الجيش الحر" مجددا في الأردن.

الثانية: وصول السيد يوسف ين علوي، وزير الخارجية العماني، إلى طهران صباح السبت ولقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين على رأسهم نظيره محمد جواد ظريف، في مهمة دبلوماسية، بتكليف مزدوج من بريطانيا وأمريكا لبحث عن مخارج سلسة للأزمة، كما كشفت تسريبات لموقع “نادي المراسلين الشباب” التابع للتلفزيون الإيراني.

الأسابيع الأخيرة من عمر الأزمة عكست مزاجا “استشهاديا” إيرانيا، وتصميما أكيدا على تعزيز استراتيجية الردع العسكري الإيرانية، التي باتت تميل أكثر إلى ترجيح احتمالات المواجهة العسكرية، وانعكست في تصريحات منسوبة للمستشار العسكري للسيد علي الخامئني، قائد الثورة الاسلامية، التي تؤكد على رفض أي مفاوضات مع الولايات المتحدة في الوقت الراهن في زمن إدارة الرئيس دونالد ترامب، وهذا ما يفسر تنفيذ تهديدات القائد باحتجاز السفينة البريطانية كرد على احتجاز ناقلة إيرانية دون تأخير، وتصوير عملية الاحتجاز بالصوت والصورة، ونوعية تقنية عالية تتقدم على أفلام هوليود، وإسقاط طائرة مسيرة أمريكية على ارتفاع 20 كيلومترا اخترقت الأجواء الإيرانية، بينما ما زلنا ننتظر الفيديو الذي وعدنا به ترامب، يوثق إسقاط طائرة مسيرة إيرانية.

مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، عندما أراق دماء وجهه، وتقدم بعرض علني عن استعداده لزيارة طهران ولقاء القادة الإيرانيين وجها لوجه على طريقة الرئيس السادات، للتوصل إلى تسوية سلمية، كشف عن حالة اليأس وسوء التقدير التي تعيشها إدارته ورئيسها، ولكن مبادرته البهلوانية هذه لن تجد آذانا صاغية، لأن الأولويات الإيرانية تتغير بسرعة، والعودة لمرحلة ما بعد الاتفاق باتت الأكثر ترجيحا، وعلى أساس مقولة “بركة يا جامع” المتداولة.

الحلول العسكرية “المحدودة” و”المحسوبة” بدقة التي أقدمت عليها قوات الحرس الثوري الإيراني، سواء بإسقاط الطائرة المسيرة، أو احتجاز السفينة البريطانية، أو حتى إعطاب 6 ناقلات نفط في خليج عمان، إذا صحت الاتهامات الأمريكية في هذا الصدد، أعطت ثمارها سريعا في إرباك المعسكر الأمريكي، وكشفت سقوط رهاناته على “إرهاب” الطرف الإيراني ولعل عدم تجرئه على الرد تحسبا للمخاطر، والهرولة إلى الوسطاء بحثا عن الحلول، أحد الأدلة في هذا الصدد.

إقدام السلطة الإيرانية على تنفيذ تهديداتها بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم بمعدلات مرتفعة أكثر من السقف المتفق عليه في الاتفاق النووي، وإعادة العمل في مفاعل آراك المحصن، وزيادة وحدات الطرد المركزي فيه، وإحياء مشروع بناء منشأة “بو شهر 2″ النووية على ساحل الخليج (الفارسي)، كلها مؤشرات لا تعكس الرغبة في امتلاك المزيد من أوراق الضغط وتحسين الموقف التفاوضي في حال اللجوء إليه، وإنما لوجود استراتيجية متفق عليها بالعودة إلى الخيار النووي السلمي”.

من المؤكد أن الوزير العماني السيد بن علوي يحمل رسائل أمريكية وبريطانية إلى القيادة الإيرانية، في إطار البحث عن حلول دبلوماسية، ولكن أكثر ما يمكن أن تنجح الوساطة العمانية في إنجازه في الوقت الراهن على الأقل، البدء في القضايا الأسهل، والتوصل إلى اتفاق بتبادل الإفراج عن الناقلات بين إيران وبريطانيا، لأن الأخيرة تواجه أزمة داخلية، وانتقال حكومي محفوف بالمتاعب والخلافات، وأجواء غير مسبوقة من الانقسامات على كل المستويات، أي أن “صداع المواجهة” مع إيران هو آخر ما يحتاجه بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني الجديد.

إدارة الرئيس ترامب انسحبت من الاتفاق النووي ليس لأنه كان مجحفا في حق أمريكا، وإنما لأنه أطلق يد إيران، وأذرعها العسكرية في المنطقة، وتطوير صناعاتها العسكرية، والصاروخية منها تحديدا، الأمر الذي بات يشكل تهديدا وجوديا للدولة العبرية، وجعل لها حدودا مشتركة، ومباشرة، مع إيران عبر حلفائها في لبنان وسورية وقطاع غزة، وما الزيارة التي قام بها وفد حركة “حماس” إلى طهران قبل يومين ولقائه مع السيد علي الخامنئي، وحديث بعض التسريبات عن اتفاق بين الحركة و”حزب الله” على خوض أي حرب قادمة ضد إسرائيل معا في جبهة موحدة، إلا أحد التحضيرات لحرب قادمة، وهذا أكثر ما يثير رعب الإسرائيليين، أي هطول الصواريخ من الشمال والجنوب في آن واحد.

الغارات الصاروخية الإسرائيلية على أهداف سورية وإيرانية طوال السنوات الثلاث الماضية لم يقلص من الوجود العسكري الإيراني في سورية، بل زاده قوة، كما أن الهجمات التي استهدفت مخازن وقوافل صواريخ إيرانية قيل إنها كانت في طريقها إلى “حزب الله” أعطت نتائج عكسية، فهي لم تضعف قوة الحزب وقدراته القتالية، من ناحية، ودفعته إلى اللجوء إلى خيار التصنيع المحلي في قلب جبال جنوب لبنان، المشرفة على الجليل الأعلى المحتل مباشرة.

عندما تتعمد القيادة الإيرانية تجربة صاروخ “شهاب 3” الذي يبلغ مداه ألف كيلومتر، وفي ذروة أزمة الناقلات، وقبل يوم من وصول الوسيط العماني، فهذه رسالة تحد واضحة لأمريكا وحلفائها الإسرائيليين والعرب تقول إن مدنكم وقواعدكم العسكرية باتت في مرمى صواريخنا.

جميع أساطيل العالم وفرقاطاته البحرية لن تستطيع تأمين سلامة الملاحة في مضيق هرمز وجواره، لثلاثة أسباب: الأول، أن وجود هذه الأساطيل والسفن هي أحد أسباب التوتر، والثاني، أنها ستكون هدفا محتملا لاستهدافها في أي حرب بالزوارق الانتحارية الصغيرة، والثالث، أن التهديد الإيراني الحقيقي لا يأتي من البحر وإنما من البر أيضا، فالطائرات الأمريكية المسيرة لم يتم إسقاطها من البوارج البحرية وصواريخها، وإنما من الصواريخ المنصوبة في قواعد على الشاطئ المقابل، وجنبت القيادة العسكرية الأمريكية من الإقدام على أي ضربة عسكرية لتدميرها، تخوفا من الانتقام، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تطورات.

الرئيس ترامب ربما هو الذي سيصرخ أولا، لأنه كبر عصاه، في مواجهة الطرف الخطأ، وفي التوقيت الخطأ، واستنادا إلى الحلفاء الخطأ الذي لا يمكن الاعتماد عليهم، ويشكلون عبئا عليه وإدارته، ويخامرنا إحساس بأنه ونظامه هو الذي سيتغير أولا وقبل أن يحقق تهديداته بإسقاط النظام الإيراني، سواء لجأ إلى خيار الحرب أو السلام.. هل يدلنا أحد على خوان غوايدو، قائد انقلاب فنزويلا الذي هندسه جون بولتون، وما هو موقعه من الآعراب حاليا؟ ثم أين نيكولاس مادورو، رئيس فنزويلا؟ ألم يزدد قوة؟ ولا ننسى كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، الذي واصل تجاربه الصاروخية.

بنيامين نتنياهو هو الذي ورط ترامب في هذا المأزق، وزين له التصعيد ضد إيران مقللا من قوتها الحقيقية، مستخدما تابعيه كوشنر وبولتون في إحكام المصيدة لهذا الغبي المتهور، وبات يواجه مثل صديقه ترامب ليس خسارة الرئاسة فقط، وإنما الانتهاء خلف القضبان أيضا، ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا.. والأيام بيننا.

راي اليوم /عبد الباري عطوان