رئاسيات تونس.. المشهد السياسي بعد صعود سعيّد والقروي

رئاسيات تونس.. المشهد السياسي بعد صعود سعيّد والقروي
الثلاثاء ١٧ سبتمبر ٢٠١٩ - ١٢:٣٠ بتوقيت غرينتش

أظهرت النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية في تونس، صعود المرشحين قيس سعيّد، ونبيل القروي إلى الدورة الثانية، بعد احتساب 80% من أصوات المقترعين. النتائج الاولية التي كانت غير مسبوقة وصفها مراقبون بـ"العقاب الجماعي" للسياسيين التونسيين، نظرا لابتعاد التوانسة من التصويت لمرشحي النظام. وقالت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إن الإعلان النهائي للنتائج سيكون اليوم بعد فرز جميع الأصوات.

العالم - تقارير

أظهرت نتائج رسمية جمعتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، مساء الاثنين، تواصل تقدم المرشحين بالانتخابات الرئاسية قيس سعيّد ونبيل القروي وعبد الفتاح مورو على الترتيب بعد فرز 80% من الأصوات إلى حدود الساعة الثامنة والنصف مساء بالتوقيت المحلي (السابعة والنصف بتوقيت غرينتش).

وأظهرت النتائج التي نشرتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك أن المرشح المستقل سعيّد حصل على 18.9% من الأصوات، يليه القروي مرشح حزب قلب تونس بـ15.5%، ثم مورو مرشح حركة النهضة بـ12.9%.

وحل وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي في المركز الرابع بـ 10.4% وخلفه رئيس الحكومة يوسف الشاهد بـ7.3%، ثم أحمد الصافي سعيد (مستقل) 7.3% من الأصوات بناء على النتائج الأولية.

وتعد هذه النتائج متوافقة حتى اللحظة مع ما نشرته وكالة "سيغما كونساي" لسبر الآراء (خاصة) من نتائج غير رسمية للانتخابات استنادا إلى استطلاع خروج المواطنين من اللجان.

وأظهرت إحصاءات سيغما كونساي إجراء جولة إعادة بين المرشحين قيس سعيّد ونبيل القروي، في حين حلّ عبد الفتاح مورو في المركز الثالث.

ومن المقرر أن تعلن هيئة الانتخابات اليوم الثلاثاء النتائج النهائية الرسمية للدورة الأولى للانتخابات الرئاسية المبكرة بعد استكمال عمليات الفرز لبقية الأصوات.

النتائج الاولية التي تظهر تقدم المرشح المستقل الأكاديمي قيس سعيد، ورجل الأعمال والإعلام مرشح حزب قلب تونس نبيل القروي، القابع حالياً في السجن على خلفية تهم "فساد وتبييض أموال"، كانت غير مسبوقة حيث يعتبر المرشحان من خارج مؤسسة الحكم في تونس، الأمر الذي اعتبره مراقبون بمثابة رسائل عديدة من جمهور الناخبين التوانسة.

ومن الرسائل التي تتضمنها تلك النتائج بحسب مراقبين، أن الثورة لا تزال تجذب الشعب، وأن الناخب التونسي أراد معاقبة مؤسسة الحكم لعجزها عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تونس ولم تستطع الحملات الدعاية المكثفة في الطبقة السياسية الحاكمة اغراءه بتاتا.

ويرى الباحث السياسي حمزة المدب، أنّ هذا مؤشر إلى "استياء عميق ضدّ طبقة سياسيّة لم تحقّق المطالب الاقتصادية والاجتماعية"، مضيفا: "يبدو أن الاشمئزاز من الطبقة السياسية يترجم بالتصويت لمرشحين غير متوقعين".

من جهتها، توضح صوفي بسيّس، أن العزوف يبرر بأن التونسيين "لا يعتبرون أن السياسيين سيتمكنون من حل مشاكلهم العميقة". كما يقول المحلل السياسي "صلاح الدين الجورشي" إن "التونسيين نفضوا أيديهم من السياسيين".

ويقول الكاتب الصحافي زياد كريشان، إن "العدد الكبير من المسجلين الجدد (حوالي 1,5 مليون ناخب) لم يترجم في الواقع بالانتخاب"، وهذا "تواصل لرفض مستمر منذ 2011".

ومنذ أشهر عدة، أظهرت نتائج لتقصي الآراء، تقدم قيس سعيّد الذي اتخذ من شعار "الشعب يريد"، رمزاً لحملته الانتخابية، وهو أبرز شعارات ثورة يناير 2011 التي أطاحت بنظام الدكتاتور زين العابدين بن علي.

واعتبر هذا الاكاديمي المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس بعد جولتها الاولى التي تصدر نتائجها، ان الناخبين قاموا ب "ثورة شرعية".

وقال: "وجه الناخبون رسالة واضحة وجديدة تماما. لقد قاموا بثورة في نطاق الشرعية، ثورة في اطار الدستور. يريدون شيئا جديدا. نحتاج فكرا سياسيا جديدا. وأنا اليوم في المرتبة الاولى لاني لم أقم بحملة انتخابية تقليدية، قمت بحملة تفسيرية تتمحور حول الوسائل القانونية (الدستورية) التي تتيح للشبان تحقيق أحلامهم وتطلعاتهم، وأن يكونوا أفرادا يمارسون سيادتهم كل يوم".

بينما يقول "نبيل القروي"، فائز السباق الثاني، إن الصناديق أنصفته رغم عدم مباشرته لحملته الدعائية بعد إيقافه قضائيا بتهم تتعلق بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال.

ردود فعل شعبية تعبر عن سعادتها للنتائج

وتباينت ردود أفعال التونسيين على مواقع التواصل الإجتماعي بشأن النتائج الأولية للانتخابات، حيث عبر عدد كبير من مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي عن سعادة ورضا عن النتائج الأولية المعلنة، إذ رأوا في فوز قيس سعيّد تغييرا جذريا وانتصارا لأفراد لا إنتماء سياسيا لهم على الأحزاب والمرشحين المدعومين من أجهزة إعلامية وسياسية تقف خلفهم بكل ثقلها وبكل مواردها البشرية والمالية.

ورأى آخرون تصويت أغلبية الناخبين لسعيّد عقابا شعبيا للأحزاب والسياسيين والحكام الفعليين خاصة رئيس الحكومة يوسف الشاهد.

في المقابل، أعرب البعض عن عدم رضاهم عن النتائج المعلنة التي قد تأتي برجل أعمال تحوم حوله شبهات فساد على رأس الحكم أو رجل لا خبرة سياسية لديه؟! وأنحى البعض باللائمة على من قاطعوا الانتخابات من الشباب خاصة وبعضهم الآخر لام من انتخب مرشحين لم يكن لديهم أمل في الفوز بالرئاسة. بينما رأى آخرون أن المقاطعة موقف لا يقل وطنية عن أداء الواجب الانتخابي.

من هما المرشحان الأوفر حظا لرئاسة تونس؟

قيس سعيّد، إنه أستاذ القانون الدستوري المتقاعد (61 عاما) الذي عرفه التونسيون من خلال شاشات التلفزيون معلقا على الأوضاع السياسية والقانونية وشغل إسمه رواد مواقع التواصل الإجتماعي منذ ظهر لتميز طريقته في الكلام مسترسلا بلغة عربية فصحى لم يعهدها التونسيون في أغلب المحللين وضيوف البرامج الحوارية المحلية.

وحتى وقت قريب لم يكن سعيّد واردا في حسابات الائتلاف الحاكم كمنافس جدي في السباق الرئاسي أمام منافسين من العيار الثقيل مثل مرشح حزب حركة النهضة مورو ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي.

ولكن سعيّد الذي تقدم إلى السباق الرئاسي بعد جمعه تزكيات شعبية، حقق قفزات مذهلة في استطلاعات رأي خلال الفترة الانتخابية، ووجّه يوم الاقتراع الضربة القاضية لمنافسيه.

وكمرشّح للانتخابات الرئاسية، أشاد التونسيون بقلّة ما أنفقه سعيّد مقارنة بمرشحين آخرين بينما تناقل آخرون أبرز تصريحاته خلال المقابلات التلفزيونية والمناظرة التلفزيونية التي شارك فيها، والذي اتهم فيها مرشحين للرئاسة بتقديم وعود انتخابية "كوعود كافور الإخشيدي للمتنبّي".

نبيل القروي، رجل أعمال وقطب إعلامي، خاض السباق الرئاسي وهو مسجون بتهمة التهرب الضريبي وتبييض الأموال.

وقد اعتقل القروي قبل أيام من من انطلاق الحملة الانتخابية، الأمر الذي دفع بعضهم إلى اعتبار اعتقاله قرارا سياسيا من خصومه. واتهم مناصرو القروي رئيس الحكومة يوسف الشاهد، منافسه على منصب الرئاسة بتدبير اعتقاله. ويتهم كثيرون القروي باستغلال أنشطة خيرية كان يشرف عليها في حملته الانتخابية وهو الأمر الذي أثار جدلا منذ إعلان القروي نيته الترشح لرئاسة الجمهورية التونسية.

ويتسائل كثيرون ماذا لو بقي القروي موقوفا وتأكد مروره للدورة الثانية؟

ويُرتَقب أن يطفو على السطح جدل قانوني بخصوص استمرار توقيف القروي بتهمة تبييض أموال ومنعه من القيام بحملته.

ويشكل انتقال نبيل القروي إلى الدور الثاني إذا أثبتته النتائج النهائية التي ستعلنها الهيئة العليا للانتخابات الثلاثاء مأزقا قانونيا، إذ يقبع القروي في السجن متهما بالفساد ويستمر مرشحا متسابقا نحو الرئاسة ما لم يصدر في حقه حكم نهائي.

وتقول الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إنه في حال أدين القروي وخرج من السباق الرئاسي فإن مكانه سيمنح للثالث في الترتيب وهو حتى الآن مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو، الأمر الذي قد يلاقي رفضا من باقي المرشحين. بينما يطرح المراقبون إشكالية فوز نبيل القروي برئاسة الجمهورية وهو سجين.

ويقول مساعد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف "إبراهيم بوصلاح"، تعليقاً على إمكان فوز القروي "إنّها القضيّة الأولى من نوعها في تونس. يجب أن أقول هنا إنّنا سنكون أمام فراغ. في حال فوزه، سنكون في مأزق قانوني".

ومن المتوقع ممارسة ضغوط مضاعفة على القضاء مع مطالب بإطلاق سراحه لكن حتى وإن خرج من السجن فهذا لا يعني ضرورة أن الملاحقات القضائية انتهت في حقه.

ويوضح مساعد وكيل الجمهورية "إن بقي في السجن أو تمّ إطلاق سراحه، ستتواصل المشاكل. لم يحاكم والقضية لم تُختم. بالإضافة إلى أنه إذا وصل للرئاسة، فلن يتمتع بالحصانة الرئاسية لأنها ليست ذات مفعول رجعي".