من جرب المُجَرّب..

من جرب المُجَرّب..
الإثنين ١٨ نوفمبر ٢٠١٩ - ٠٨:١٨ بتوقيت غرينتش

القرار الذي اتخذته الحكومة الايرانية والقاضي برفع اسعار البنزين، هو قرار اقتصادي صرف عادة ما تلجأ اليه اي حكومة في العالم لمعالجة اوضاعها الاقتصادية، وان مبررات مثل هذا القرار ستكون اقوى في حال ايران التي تواجه حظرا امريكيا ظالما غير مسبوق يستهدف خنقها عبر تصفير صادراتها النفطية.

العالم - قضية اليوم

ردة فعل الشارع الايراني على القرار هي ردة فعل اي شارع في العالم، يعيش في ظل انظمة سياسية تكفل حرية التعبير للشعب ومن بينها حرية التظاهرات، عندما يستشعر ضغطا اقتصاديا، يرى في النزول الى الشارع بانه الوسيلة الاسرع لايصال صوته الى الحكومة.

ولكن كما كان متوقعا طفت كالعادة ثلاث ظواهر امريكية على مشهد الاحتجاج السلمي لبعض المواطنين الايرانيين، وهي ظواهر باتت عنوانا للتدخل الامريكي الفاضح في شؤون ايران، كما في شؤون اي بلد يناهض سياسة الهيمنة الامريكية:

الظاهرة الاولى هي ظاهرة انتشار الملثمين، وبشكل منسق وسريع ومحاولتهم جر المتظاهرين السلميين الى التصرف بعنف والعمل على إحراق وتخريب المنشآت العامة والهجوم على محطات البنزين والمصارف ومقرات الشرطة والجيش، لاحداث فتنة تحرق الاخضر واليابس.

سرعة ظهور الملثمين في توقيت واحد في كل المدن التي شهدت تظاهرات، واساليبهم الموحدة في التعرض للاهداف ذاتها، وإستعجالهم الفتنة، كشفت وبسرعة ايضا للجهات الامنية، ان الذي حدث لم يكن ردة فعل طبيعية لقرار رفع اسعار البنزين، وان ما جرى كان قد تم التخطيط له من قبل ذات الجهات التي وقفت وراء كل الاضطرابات واحداث الشغب التي تشهدها ايران منذ انتصار الثورة الاسلامية وحتى اليوم.

الظاهرة الثانية، وهي كالظاهرة الاولى ما تنفك تطفو على السطح مع كل حدث تشهده ايران، وهي ظاهرة الحرب النفسية التي تشن على الشعب الايراني من قبل الاخطبوط الاعلامي الذي يموله الاعلام الممول امريكيا وسعوديا وإسرائيليا، والذي عادة ما يمني النفس بحصول شرخ بين الشعب والنظام في ايران، عبر الكذب والتضليل والخداع ونشر الشائعات وفبركة الاخبار والصور، وعادة ما يتربع على عرش هذه الجوقة البائسة، قنوات مثل "بي بي سي" و "من وتو" و "صوت أمريكا" و "العربية" و"الحدث" و "إيران إنترناشيونال".

كان من الافضل للجهات التي تقف وراء اعمال الشغب كامريكا والسعودية و"اسرائيل" ان تنصح قنواتها بالكف عن تناول موضوع التظاهرات في ايران، فالايرانيون عادة ما ينظرون بريبة وشك لكل ما يترشح عن هذه القنوات من اخبار حول بلدهم، لمعرفتهم بالجهات التي تغذيها وتقف وراءها.

الظاهرة الثالثة، هي ظاهرة التدخل الامريكي ودموع التماسيح التي عادة ما يذرفها المسؤولون الامريكيون على الشعب الايراني، فهذه الدموع لم تنهمر على خدود وزير الخارجية مايك بومبيو، بل على خدود جميع موظفي البيت الابيض ورئيسهم ترامب، الذين اعلنوا تعاطفهم ومساندتهم ودعمهم ووقوفهم الى جانب الشعب الايراني، الشعب الذي وضع ترامب، تجويعه في سلم اولوياته منذ اليوم الاول الذي دخل فيه البيت الابيض، وهي بالمناسبة مواقف كان الاولى الا يقفوها لانها مثل تغطية قنوات الفتنة الامريكية السعودية الاسرائيلية، تعود بالضرر للمخطط الامريكي الصهيوني العربي الرجعي ضد ايران.

هذه الظواهر الثلاث ساهمت وبشكل لافت في انحسار حجم التظاهرات، حيث ترك اغلب المتظاهرين السلميين الشارع بعد ان شاهدوا ان هناك يدا تحاول العبث بأمنهم واستقرارهم، فلا يمكن ان يكون حرق المصارف ومحطات البنزين والمنشآت العامة ومحاولة الاعتداء على القوى الامنية ومراكز الشرطة، من فعل متظاهرين سلميين نزلوا الى الشارع للاحتجاج على قرار رفع سعر البنزين.

هذه ليست المرة الاولى التي تجرب فيها امريكا الشعب الايراني، اعتقادا منها انه يمكن تطبيق السيناريو الامريكي المعروف والقائم على فرض حظر قاس على شعب ما الى حد التجويع بهدف دفعه لمواجهة حكومته ونظامه، فكل تجارب امريكا مع الشعب الايراني على مدى اربعة عقود وصلت الى طريق مسدود، الا ان يأس الادارات الامريكية وخاصة الادارة الحالية تدفعها الى تجربة المجرب مرة اخرى، لانعدام اي وسيلة اخرى امامها للتعامل مع ايران، الامر الذي يجعلها مصداقا للمثل الشامي "من جرب المجرب عقله مخرب".

سعيد محمد / العالم