لبنان في دائرة صراع الدول الكبرى

لبنان في دائرة صراع الدول الكبرى
السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠١٩ - ١٢:٥٢ بتوقيت غرينتش

"لبنان، مكان للمنافسة الاستراتيجية العالمية، وإذا تنازلنا عن الأرض، فسيملأ الآخرون الفراغ بسعادة".

العالم - لبنان

هذا ما أكده السفير الأميركي السابق في لبنان، جيفري فيلتمان، في إفادة قدمها أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والإرهاب الدولي (أحد فروع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، في جلسة بعنوان "ما هو التالي للبنان؟ دراسة الآثار المترتّبة على الاحتجاجات القائمة".

فما يحدث في لبنان مرتبط بالمصالح الأميركية. ونتيجة ما يجري، راهناً، ستؤثّر في مصالح واشنطن، إن كان إيجاباً أو سلبا، واضعاً تحذيراً بالخط العريض من خطورة وقوع لبنان في أحضان روسيا والصين. فكيف يبدو الدور الروسي في لبنان؟

لم يُظهر الروس يوماً أنهم يتدخّلون بالشؤون اللبنانية. كان سفيرهم النشيط في بيروت الكسندر زاسيبكن كعادته، ينفتح على كل القوى السياسية في لبنان، ويعبّر عن توجهات بلاده بدقّة. أساساً، تميّز السفير المذكور بأنه بات شخصية معروفة عند كل اللبنانيين. لم يتذمّر منه أي فريق على الإطلاق، رغم الموقف الذي اتخذته موسكو في السنوات الماضية بشأن سوريا، والذي استوجب من زاسيبكن حينها أن يُدافع عن موقف الاتحاد الروسي في بلد يعج بالتناقضات السياسية، وتعدّد الانتماءات والارتباطات الإقليمية. وقتها لعب السفير المذكور دورًا رياديّا.

لم تغيّر موسكو نهجها إزاء لبنان. جمعتها علاقات سياسية واقتصادية مميزة مع مختلف القوى اللبنانية، لكنها لم تستثمر تلك العلاقات لتصبّ في مصلحتها. بقيت تردد علنا: نحن على مسافة واحدة من كل الأفرقاء اللبنانيين. علما أن الروس يعرفون جيداً أن الأميركيين لا يريدون لهم أن يتابعوا خطواتهم "التمدديّة" من سوريا إلى لبنان. هذا ما أظهرته مطالعة المسؤول الأميركي جيفري فيلتمان أمام الكونغرس بشأن إقدام محتمل للصين وروسيا لملء الفراغ في لبنان، في حال انكفأ الأميركيون، لكن موقف فيلتمان لا يعبّر حُكماً عن البيت الأبيض، باعتبار أن السياسة الاستراتيجيّة للولايات المتحدة مقسومة بين رأيين بشأن العلاقة مع الاتحاد الروسي وأدوار موسكو في العالم.

ترغب روسيا بالتمدد إلى لبنان، لأنّ وجودها في سوريا يفرض أن يكون لبنان مستقرا وغير مشاكس لسياساتها، كي لا يتحول إلى خاصرة رخوة في زمن السلم أو الحرب. لا بل إن اهتمام روسيا بلبنان يزداد تدريجا، لأسباب اقتصاديّة وجيوسياسيّة، خصوصاً بموضوع الثروات الطبيعية التي تهتم بها روسيا. تبلغ نسبة احتياطي الغاز المقدّرة في سوريا ولبنان 11% تقريبا. سبق لموسكو أن أقدمت على استثمار العمل في مرفأ طرابلس من قبل شركة "روز نفط". ومن هنا ينبع اهتمام الروس والصينيين بأوضاع لبنان وسوريا بشكل أساسي بعد رصد توجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتخلي عن هذه المنطقة للروس، لا للصينيين. لكن "المؤسّسة العميقة" في الولايات المتحدة ترفض التخلّي لمصلحة روسيا، وفي هذا السياق يندرج تحذير فيلتمان للكونغرس من تولّي موسكو وطهران وبكّين أمر لبنان.

منذ انطلاق الحراك الشعبي في لبنان، رصدت روسيا ما يجري في بيروت. تكمن مصلحة الاتحاد الروسي بفرض الإستقرار اللبناني. هي تعرف أن تأليف حكومة لبنانيّة هو المنطلق. لكنها لم تُعلن بعد أيّ خارطة طريق لمؤازرة اللبنانيين. بالإنتظار، هل تُطلق روسيا مبادرة؟ وهل تتفرج واشنطن من دون تدخل؟ لا تزال الأسئلة من دون أجوبة حتى الساعة، لكن المؤكد أنّ الروس لن يتركوا لبنان يقع في أزمات، أو تعج به الفوضى.