اللعب على شفا حفرة من 'الإنهيار الاقتصادي' في لبنان

اللعب على شفا حفرة من 'الإنهيار الاقتصادي' في لبنان
الأحد ٠٨ ديسمبر ٢٠١٩ - ١٠:٣٣ بتوقيت غرينتش

تكثر في هذه الأيام القراءات المأساوية غير الواقعية للوضع المحلي اللبناني التي تدعو الى القلق والإحباط وتعظيم الأمور وتعرض الأفق المستقبلي بصورة سوداء قاتمة تحيط بها الويلات والثبور.

العالم - لبنان

واليوم بعد مضي أكثر من شهر ونصف على بداية الحراك يستطيع المراقب القول: إن الأمر قد أُسقِط في أيدي الحراك المسيس الذي يتصرف اليوم بشيء من الإرباك أمام قواعده وأسياده بعد فشله من أن يحقق بالصدمة الأولى، وخلال الأسبوعين الأولين من انطلاقته، انتخابات نيابية مبكرة وتغييراً حكومياً منشوداً، وبعد انكشاف أهدافه التي ترمي الى إنجاز مطالب سياسية تتخذ آلام الناس ومعاناتهم مطيّة، وقد عبّر عنها منذ يومين سيدهم وزير الخارجية الأمريكي بقوله: "إن الناس في لبنان والعراق يريدون إخراج حزب الله وإيران منهما لأنهما سبب مآسيهم"!

فالهدف عند الحراك المسيّس هو خدمة أجندة الخارج الذي يضع عينه على الإقليم قبل الإنسحاب منه والتوجه شرقاً لمواجهة أحد أبرز التهديدات الوجودية للهيمنة الأمريكية الاقتصادية المتمثل بالصين مع اعتماد سياسة التهدئة النسبية للملفات الدولية والإقليمية من أجل التحضير الجيد للمعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية القادمة.

والهدف الآخر عنده هو محاولة تحويل التهديد إلى فرصة فمكافحة الفساد تهديد وجودي له.

لذلك حاول الحراك المسيّس الانسحاب من السلطة التنفيذية ليتموضع خارجها، متهماً المقاومة بحماية الفساد والفاسدين، كمحاولة منه لتحويل التهديد الموجه له الى فرصة للانقضاض على أعدائه، متبعاً نهج الثورة الملونة والفوضى الخلاقة لإعادة تشكيل السلطات في البلد، فتتعطل معها عملية الإصلاح ومكافحة الفساد وما تستلزمه من معاقبة الفاسدين والمفسدين، التي ستطال عمق كياناته الطائفية والحزبية التي كانت ترتع وتلعب بأموال الناس ومقدرات البلد تحت ظل المنظومة السياسية الطائفية التي لم يفلح اتفاق الطائف في إلغائها بعد هذه التجربة الطويلة له.

فهؤلاء بعد أن تعرّوا أمام كل صاحب بصيرة تراهم يجهدون في إبتداع أنشطة ليستنهضوا قواعدهم ويثبتوا ديمومتهم في ثورتهم الملونة المتمحورة على الفوضى الخلاقة، مع قلة تجاوب واندفاع ويأس وإحباط قد ضرب تلك القواعد.

أما الحراك غير المسيس والذي يعبر عن آلام الناس فقد حقق تأسيس كيان له في الواقع السياسي ينبغي له تعزيزه ليبقى ممارساً لعملية الرقابة على الأداء السياسي والاقتصادي والإنمائي العام للدولة.

أمام هذا السيناريو الحالي المتمثل في التأرجح بين بقاء حكومة تصريف الأعمال ومحاولات تكليف رئيس حكومة جديد فإن الصبر ومعالجة الأمور بهدوء يصب في صالح الشعب اللبناني ومحور المقاومة الذي لم يستخدم الكثير من نقاط قوته، والذي بإمكانه مع قواعده التكيّف مع واقع اقتصادي ضيق بشكل أفضل من المحور المعادي وقواعده، لا سيما أن حلفاء محور المقاومة قد أبدوا استعدادهم لمساعدة لبنان في الخروج من المأزق الاقتصادي الأمريكي.

إن التدقيق في الواقع يفيد أن الإنهيار لا يصب في مصلحة الأوروبيين الذين يتخوفون من هجرة اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين في لبنان قبل النازحين السوريين إليهم، وعليه فلقد بادروا إلى طرح حلول من ضمن مظلة دعم دولية سيعملون على توفيرها للبنان في المقبل من الأيام.

فاللعب على شفا حفرة من الانهيار من قبل الأمريكيين والأوروبيين يُخشى معه سقوط اللاعبين الذين يدعمونهم فيها ليُعاد تشكيل البلد على أسس اقتصادية مبنية على التوجه شرقاً لا غرباً، ليُفتح حينها الباب على إعادة النظر بالبنية السياسية للنظام من خلال مؤتمر تأسيسي يقيّم تجربة الطائف فإما تعديلاً وإما الخروج بنظام سياسي جديد.

وهذا خيار مطروح في حال استمرت عملية المكابرة وتعطيل البلد وتضخيم العضلات بمواد صناعية غير طبيعية عند من خسر أسياده مباراة المصارعة على الوزن الثقيل في الإقليم.

* علي حكمت شعيب

أستاذ جامعي