المشاورات اليمنية السعودية السرية... ماذا وراء تصريحات الحوثي؟

المشاورات اليمنية السعودية السرية... ماذا وراء تصريحات الحوثي؟
الأربعاء ١٨ ديسمبر ٢٠١٩ - ٠٥:٠٨ بتوقيت غرينتش

منذ 20 سبتمبر الماضي وإعلان رئيس المجلس السياسي الأعلى في العاصمة صنعاء مهدي المشاط مبادرة وقف استهداف العمق السعودي، فتح تواصل غير مباشر وسري بين صنعاء والرياض في العاصمة العمانية مسقط؛ بدافع التوصل على الأقل إلى تغيير شكل الصراع وإنهاء الاعتماد على القوة العسكرية بين الطرفين.

نحن نقول ذلك لأمرين: الأول– القناعة السعودية بين تحقيق الانتصار العسكري وإعادة عبد ربه منصور هادي على ظهر الدبابات إلى القصر الرئاسي في العاصمة صنعاء لم يعد ممكنا.

الثاني– قناعة أنصار الله وحلفائهم في المجلس السياسي الأعلى الحاكم أن العمل العسكري من جانبهم قد أوصلهم إلى فرض معادلة عسكرية وسياسية تمكنهم من إلغاء الشروط السعودية بشكل مجْملٍ بما في ذلك المطالبة بسحب السلاح.

هذه القناعات لدى الطرفين لم تنضجْ بدرجةٍ كافيةٍ ولا تزال الثقة غير موجودة، وبالتالي فإن الاحتياطاتِ للمستقبل هي المهيمنة وهي التي تفسِد التوصل إلى مبادئ للاتفاق والانتقال إلى التنفيذ؛ ولذلك تتوقف المشاورات السرية وغير المباشرة عند نقطتين تتعلقان بالمستقبل وتتعلقان بشكل أكبر، بشكلِ وهـوِيةِ الخروجِ من هذه الحرب التي فشلت سعوديا.

النقطة الأولى: أن تغادر السعودية مهزومة عسكريا بعد حرب 5 سنوات، ستغادر بلدا تعودت أن تكون وصية عليه طوال الـ40 العام الماضية ويتشكل الآن بطريقة تنظر إليها على أنها تهديدٌ مستقبلي لوجودها وعلى حدودها الجنوبية وحليف لإيران ”العدو” الإقليمي لها، وبهـوِية دينية وفكرية حاربتها قريب من 100 عام، وتغلب على حرب عنيفة ولديه استراتيجية تسليحية لا تخضع للفيتو الأمريكي كما كان في السابق، بلد بهذه المواصفات هو بلدٌ مخيفٌ بالنسبة للسعودية.

النقطة الثانية: أن اليمن الجديد لا يريد أن يفرِط في هذا الانتصار الذي حققه، لا يريد العودة للماضي، الثورة التي قادها أنصار الله الحوثيون وحلفاؤهم في 2014 أسقطت منظومة متكاملة كانت مرتبطة بالسعودية ومرتبطة بالمحور الأمريكي، وبالتالي هناك تشبثٌ بهذا الإنجاز والبناء عليه للمستقبل، خاصة أن اليمن في عهد الوصاية السعودية بلدٌ فقيرٌ لم يستفِد من جيرانه بل كان متضررا على الدوام.

الورقة السعودية المطروحة في المشاورات السرية وغير المباشرة بين صنعاء والرياض في مسقط تتلخص في التالي:

– تتوقف العمليات العسكرية السعودية، بما في ذلك الغارات في تهدئة مفتوحة مقابل توقف استهداف الأراضي السعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

– إبقاء هذا الاتفاق سريا ولا يعلن من أي طرف.

– تذهب الأطراف اليمنية إلى مشاورات برعاية الأمم المتحدة.

بالتالي: يبقى الحصار مفروضا على اليمن، ويمكن للسعودية العودة إلى العمليات العسكرية متى شاءت إذا لم تتوصل الأطراف اليمنية إلى حـل شامل، هذا الحل بلا شكل يتضمن الكثير من الشروط السعودية، لا حديث هنا أيْـضا عن الوجود العسكري السعودي في المحافظات الجنوبية اليمينة وحتى مستقبل هذه المحافظات.

الورقة اليمنية المقدمة في المشاورات تتلخص في التالي:

– تتوقف العمليات العسكرية السعودية بشكل كامل.

– يرفع الحصار الجوي والبري والبحري عن اليمن.

– توضع جداول لخروج القـوات الأجنبية من جنوب اليمن.

– تذهب الأطراف اليمنية إلى مشاورات يمنية يمنية برعايةِ الأمم المتحدة مع إبعاد أيِ دور سعودي أو تأثير أو شروط على المفاوضات التي ستشرف عليها الأمم المتحدة..، مقابل وقف استهداف السعودية بأيِ نوع من السلاح وإجراء ترتيبات عسكرية معينة في الحدود اليمنية السعودية.

الواضح أن هناك تباعدا كبيرا بين الرؤيتين السعودية واليمنية، مع حاجة الطرفين إلى وقف الحربِ وإجراء اتفاق سلام لصالح البلدين، من الواضح أن السعودية لا تريد الاعتراف بهذه المعادلة، على الرغم أنها أصبحت واقعا الآن تعيشه شاءت أم أبت، تغيير هذه المعادلة يعني البقاء في الحرب العدوانية، البقاء أيْـضا ليس دون رد فعل عسكرية معاكس، وبالتالي لا ضمانات بعدم استهداف العمق السعودي.

التذرع بإيران مسألةٌ غير مفيدة مع وجود متغيراتٍ كثيرة، من بينها العجز السعودي عن حماية منشئاتها الحيوية، حتى بالاستناد على الوعود الأمريكية بالحماية.

هذه المعطيات هي جزء من التفكير السعودي، وجزء من الهواجس المقلقة، وخاصة مع تضاعف الخسائر المالية وبقاء المملكة خارج دائرة الاستقرار وما تستدعيه هذه الحالة من تداعيات على الاقتصاد.

العامل الآخر والذي يشكل ضغطا إضافيا أن الرياض بحاجة أن تنتظر نتائج الانتخابات الأمريكية، قد تسفر النتائج عن سقوطِ ترامب وبالتالي مجيء الديمقراطيين الذين يعيشون أزمة مع السعودية ولن يكونوا مساعدين جيدين لها في استمرار الحرب على اليمن، إن لم يذهبوا إلى معاقبتها جراء هذه الحرب، وتهديدات المرشح الديمقراطي البارز جو بايدن مأخوذةٌ سعوديا على محمل الجد، تتعلق هذه التهديدات بحربها على اليمن وقضية خاشقجي.

الشيء الوحيد الذي يسمح للسعودية بالمناورة حاليا هو أن الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الدول التي تعتبرها حليفة لإيران ولا تسير في الركب الأمريكي تتجه نحو تذكيةِ ما يحصل اليوم في العراق ولبنان، وهو ما قالته المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة، كيلي كرافت، مع ذلك هذه الاستراتيجية ليست محسومة وقد تكون استراتيجية أخيرة إنِ انتصرت البلدان التي تواجه هذا المخطط ستخرج أقوى مما كانت، سيكون هناك تغيير كامل في الشرق الأوسط يعزِز غرق السعودية.

بالعودةِ إلى المشاورات اليمنية السعودية، فإن ما قاله عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي خلال مقابلة صحفية مع صحيفة الثورة اليمنية بشأن هذه المشاورات هو واحدٌ من المؤشرات على تعثر إجراء اتفاق سلام بين اليمن والسعودية، ومؤشرٌ على احتمال عودة التصعيد العسكري بعد هدوءٍ نسبي منذ الهجوم على محطتي النفط السعودي في أبقيق وخريص منتصف سبتمبر الماضي.

‏موقع أنصار الله / طالب الحسني