عطوان غير مقتنع بأحكام الإعدام والتبرئة بجريمة خاشقجي

عطوان غير مقتنع بأحكام الإعدام والتبرئة بجريمة خاشقجي
الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠١٩ - ٠٥:٤٢ بتوقيت غرينتش

أحكام الإعدام والتبرئة في جريمة اغتيال خاشقجي غير مقنعة وتثير العديد من التساؤلات.. لماذا إعلانها الآن؟ وهل ستنفذ فعلا؟ ومن هم الخمسة الذين سيعدمون بحد السيف ومتى؟ وهل عسيري والقحطاني أبرياء؟

العالم - السعودية

لم تجانب السيدة أنييس كالامار مقررة الأمم المتحدة الحقيقة عندما وصفت الأحكام التي أصدرتها محكمة سعودية بإعدام خمسة أشخاص وسجن ثلاثة وتبرئة ثلاثة في جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي بأنها مثيرة للسخرية، وخاصة الشق الذي يقول بأن الجريمة لم تتم بنية مسبقة وأنها كانت وليدة اللحظة.

السيدة كالامار اطلعت على تفاصيل تنفيذ الجريمة من خلال استماعها لتسجيلات موثقة قدمتها الحكومة التركية لها، وكذلك لجين هاسبل، رئيسة جهاز المخابرات المركزية الأمريكية، التي قدمت شهادتها إلى الكونغرس في جلسة استماع رجحت فيها مسؤولية الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، عن الجريمة، وإصداره تعليمات بتنفيذها.

المفاجأة الكبرى جاءت عندما برأت المحكمة المشرفين الرئيسيين الاثنين عن تنفيذ الجريمة، وهما اللواء أحمد العسيري، نائب رئيس الاستخبارات، وسعود القحطاني، مستشار ولي العهد السعودي، خاصة أن دبلوماسيين غربيين حضروا جلسات المحكمة الأولى أكدوا أن بعض المتهمين اتهموا الرجلين، وتحديدا اللواء عسيري بأنه هو الذي جهز فريق الاغتيال وأصدر توجيهاته بقتل الضحية.

فإذا كانت نية القتل غير موجودة مثلما قالت المحكمة، فلماذا إرسال هذا العدد من المنفذين (19 شخصا)، ولماذا كان من بينهم صلاح الطبيقي الطبيب الشرعي، وبصحبته المنشار الكهربائي الذي استخدمه في تقطيع الجثة، وقال ساخرا، وحسب التسجيلات، إنه حتى الجزارين لا يقطعون الجثث على الأرض، وهذه هي المرة الأولى التي أقطع فيها جثة ساخنة.

ولعل المفاجآة الأكبر هي تلك التي تمثلت في تبرئة القنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي بحجة غيابه وقت تنفيذ الجريمة في إجازة رسمية، حيث أكد شهود أتراك يعملون في القنصلية حضوره، ونقل قطع الجثمان إلى منزله، ثم حرقها في مصهر خاص، حسب التسريبات التركية.

المحكمة حتى هذه اللحظة لم تعلن أسماء المتهمين الخمسة الذين صدرت أحكام بالإعدام في حقهم، وما إذا كانت هذه الأحكام ستنفذ أم لا، ومتى، والسؤال الآخر الأهم هو عما إذا كان المتهمان الرئيسيان اللواء عسيري والمستشار القحطاني سيعودان إلى وظيفتيهما أم لا، وإن كان هناك بعض التسريبات التي تقول بأنهما استمرا في العمل دون انقطاع بحكم علاقاتهما الوثيقة مع ولي العهد السعودي.

اختيار إعلان هذه الأحكام مع بدء عطلات أعياد الميلاد المجيدة ورأس السنة في العالم الغربي، حيث موسم العطلات الرسمية، وإغلاق معظم الدوائر كان مقصودا، ومحسوبا بعناية لإحداث أقل قدر ممكن من الضجة السياسية والإعلامية، ولا جدال في أنه اختيار صحيح، ولكن من الصعب القول إن هذه الخطوة ستعطي ثمارها في دفن هذه القضية، وربما يحدث العكس تماما، وهناك من يعتقد أنه كان من الأفضل عدم الإعلان عن هذه الأحكام في الحاضر والمستقبل لأنها لن تقنع أحدا بمصداقيتها، سواء داخل المملكة أو خارجها.

جريمة اغتيال الخاشقجي لن تختف بسهولة، والقضاء السعودي، وأحكامه مثل كل مؤسسات القضاء العربية لا يتمتع بالحد الأدنى من النزاهة والاستقلالية والشفافية، ولهذا ستظل “محفوظة” بكل تفاصيلها وتسجيلاتها وشهود عيانها إلى حين صدور القرار بالعودة إليها في المستقبل المنظور، وملاحقة كل من تورطوا فيها قضائيا لنيل العقاب الذي يستحقونه.. والله أعلم.

عبد الباري عطوان