قضية خاشقجي.. صدمة بعد تبرئة القحطاني والعسيري

قضية خاشقجي.. صدمة بعد تبرئة القحطاني والعسيري
الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠١٩ - ٠٤:٠٠ بتوقيت غرينتش

أصيبت الأوساط العالمية بصدمة بعد إصدار القضاء السعودي حكماً بتبرئة اثنين من كبار مساعدي ولي العهد محمد بن سلمان في قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، في وقت تشير جميع التقارير الاستخباراتية والتحقيقات الأممية الى تورطهما في الجريمة من خلال تدبير عملية الاغتيال.

العالم - تقارير

أصدرت النيابة العامة السعودية، أمس الاثنين، أحكاماً أولية باعدام خمسة أشخاص في قضية مقتل الصحافي السعودي المغدور جمال خاشقجي، الذي قتل بطريقة مروعة في قنصلية بلاده في اسطنبول في اكتوبر/ تشرين الاول عام 2018.

واللافت أن النيابة العامة لم تكشف هويات الأشخاص الخمسة الذين صدرت بحقهم أحكام الإعدام، وبررت ذلك بالقول إن "المادة 68 من نظام الإجراءات الجزائية تحظر إعلان الأسماء كون الأحكام لا زالت ابتدائية وحينما تكون قطعية فسيتم ذلك".

وحكمت النيابة العامة بالسجن على ثلاثة آخرين "لتسترهم على الجريمة ومخالفة الانظمة" بأحكام سجن متفاوتة تبلغ في مجملها 24 عاماً دون تفاصيل أكثر.

والمفاجأة، أن النيابة حكمت في القضية التي هزت الرأي العام العالمي وأثارت ردود فعل دولية مندّدة، بتبرئة اثنين من كبار مساعدي ولي العهد محمد بن سلمان وهما سعود القحطاني، المستشار في الديوان الملكي، وأحمد العسيري، نائب رئيس الاستخبارات السعودي السابق فيما قضت المحكمة بالإفراج عن القنصل السعودي السابق في اسطنبول محمد العتيبي.

ووفقا لهذه الأحكام فإن القحطاني الذي كان من كبار المتهمين والعقل المدبر لجريمة اغتيال خاشقجي، "تم التحقيق معه لكن لم توجّه له أي تهم". واما العسيري الذي كان قد كشف المدعي العام السعودي سابقا أنه قد أمر بإعادة خاشقجي الى تركيا وتجهيز فريق الاغتيال، فقد أفرج عنه "لعدم كفاية الادلة". وأما العتيبي الذي كان متواجداً في القنصلية السعودية بإسطنبول أثناء وقوع الجريمة بحسب شهود اتراك يعملون في القنصلية وتقارير استخباراتية تركية، فقد ادعت النيابة العامة أنه "أثبت تواجده في مكان آخر وقت مقتل خاشقجي"!.

وادعت النيابة العامة السعودية، أن "التحقيقات أثبتت عدم وجود عداوة بين المدانين وخاشقجي"، معتبرة أن الجريمة المروعة، التي تخلّلها تقطيع جسد الضحية، "لم تتم بنية مسبقة، بل كانت وليدة اللحظة"!.

وحضر العسيري جلسات المحاكمة، بينما لم يظهر القحطاني علنا منذ الجريمة.

ورجّحت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن يكون ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يتمتع بنفوذ واسع في دوائر صنع القرار في الحكومة السعودية، أمر بتنفيذ عملية القتل، وهو ما نفته السلطات. كما حمّلته مقرّرة الأمم المتحدة أنييس كالامار التي حقّقت في القضية، مسؤولية الجريمة.

ورأى اتش ايه هالير الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة أنه "إذا كان الهدف من الحكم الصادر إنهاء قضية خاشقجي، فإن هذا الأمر لن يحدث على الأرجح"، مضيفا "هناك شعور عارم في المجتمع الدولي بأنّ المؤسسة السعودية الحاكمة تقف خلف قتل خاشقجي".

رغم ان السلطات لم تعلن أسماء الذين صدرت بحقهم أحكام الاعدام والسجن، لكن المعروف أن ماهر المطرب، المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات والذي كان يرافق ولي العهد في رحلاته الخارجية، هو واحد من المتهمين الـ11. وقد ورد اسمه على لائحتي عقوبات أمريكيتين عرّفتا عنه بأنه يعمل تحت إمرة القحطاني.

وبين المتهمين الذين جرت محاكمتهم أيضا خبير الأدلة الجنائية صلاح الطبيقي، والعضو في الحرس الملكي فهد البلوي.

من أمر بقتل خاشقجي؟

وكتبت أنييس كالامار، المحامية التي قادت التحقيق المستقل الذي أطلقته الأمم المتحدة في القضية، على "تويتر" إنه "بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، كان مقتل خاشقجي بمثابة إعدام خارج نطاق القضاء تتحمل دولة السعودية المسؤولية عنه. لكن المحكمة لم تشر في أي وقت من الأوقات إلى مسؤولية الدولة".

وأضافت أن "اغتيال خاشقجي يتطلب إجراء تحقيق على مستوى القيادات للتعرف على العقول المدبرة والمحرضين على القتل والذين سمحوا به أو غضوا الطرف عن اغتياله، مثل ولي العهد"، مشيرة إلى أن هذا لم يشمله التحقيق.

وسخرت كالامار من استخلاص نتائج تحقيقات القاضي إلى أن اغتيال خاشقجي وتقطيعه كان بمثابة "حادث لم تسبقه نية للقتل" مضيفة "الاقتراح بأن القتلة قرروا فجأة في لحظة خاطفة تقطيع جسده أمر سخيف للغاية، فتقطيع الأوصال يتطلب حدا أدنى من التخطيط".

وبناء عليه فإذا كانت نية القتل غير موجودة مثلما ادعت المحكمة، فلماذا تم إرسال فريق مكون من 19 شخصا الى تركيا لتنفيذ جريمة قتل خاشقجي، ولماذا كان من بينهم صلاح الطبيقي الطبيب الشرعي، وبصحبته المنشار الكهربائي الذي استخدمه في تقطيع الجثة، والذي قال ساخرا، حسب التسجيلات التركية، إنه حتى الجزارين لا يقطعون الجثث على الأرض، وهذه هي المرة الأولى التي أقطع فيها جثة ساخنة. وبعد عملية الاغتيال نقلت قطع جثة خاشقجي إلى منزل القنصل العتيبي، حيث تم حرقها في مصهر خاص، حسب التسريبات التركية.

ووصفت كالامار حكم القضاء السعودي بالمهزلة، قائلة: "الحصيلة هي: المنفذون مذنبون حكم عليهم بالإعدام. الرؤوس المدبّرة ليست حرّة فحسب، بل لم تتأثر تقريباً بالتحقيق والمحكمة. هذا هو نقيض العدالة. إنها مهزلة».

الرواية السعودية تخالف الادلة

بدوره قال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي، آدم شيف، إن أحكام قضية مقتل خاشقجي "محاولة لإبعاد القيادة السعودية وعلى رأسها ولي العهد محمد بن سلمان عن جريمة القتل الوحشية".

وأوضح شيف أن "الرواية السعودية التي تنص على أن العملية تمت عبر عناصر مارقة تخالف الأدلة والتفكير البديهي".

وقال إنه "طلب من مدير الاستخبارات القومية الأمريكية أن يزود الكونغرس بتقرير خلال 30 يوما، حول المسؤولين الحاليين والسابقين الذين شاركوا أو كانوا على علم مسبق بعملية قتل خاشقجي"، مؤكدا أن "المجلس سيصر على متابعة هذا التقرير وسيواصل المحاربة من أجل تحميل منفذي عملية القتل ومن أمر بتنفيذها المسؤولية".

وشدد شيف على أن "المجلس سيواصل العمل على ضمان عدم إسكات المصلحين الحقيقيين في السعودية من قبل السلطات السعودية المدعومة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب".

"حكم فاضح" أصدره القضاء السعودي

واما الجانب التركي، فقد وصف المتحدث باسم الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، الأحكام القضائية التي أعلنت عنها النيابة العامة السعودية، في مقتل خاشقجي بـ"الفاضحة".

وقال ألتون في تغريدة نشرها عبر صفحته على موقع تويتر: "أصدر القضاء السعودي حكما فاضحا اليوم بعد أشهر من جلسات الاستماع السرية في اغتيال جمال خاشقجي".

وتابع قائلا: "أولئك الذين أرسلوا فريق الاغتيال إلى إسطنبول عبر طائرة خاصة، وقعوا على ضمانة قتل خاشقجي وأخفوا جثة الصحفي وسعوا إلى طمس أثار العملية تحت الغطاء الذي مُنح الحصانة".

ورأى ألتون أن الادعاء بأن ضباط استخبارات نفذوا هذه العملية يهدف إلى "يسخر" من ذكاء العالم على أقل تقدير.

من جانبها أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، أن العدالة ستظل غائبة عن قضية اغتيال الكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي طالما لم يتم الإعلان عن من أصدر الأمر بقتله.

وأشار المدير التنفيذي للمنظمة كينيث روث، إلى أن الحكم على 5 من المتهمين، وفق الحكم الابتدائي، ربما استهدف مزيد من التعتيم على تفاصيل الجريمة عبر إعدام هؤلاء الذين يعرفون الكثير عنها.

أما مديرة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية لين معلوف، فقالت إن الأحكام الصادرة في قضية خاشقجي "تستخدم للتبييض ولا تحقق العدالة للراحل وأقاربه"، مشيرة إلى أن المحاكمة التي جرت في السعودية غير عادلة.

العدالة لم تحترم في قضية خاشقجي

كما اعتبر الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" كريستوف دولوار، أن "العدالة لم تحترم" في قضية خاشقجي، بينما قالت منظمة العفو الدولية إن الحكم عبارة عن "تبرئة لا تحقق العدالة ولا تظهر الحقيقة".

وأعلنت مؤسسة "القسط" لحقوق الإنسان السعودية، بدورها رفضها لنتائج المحاكمات واتهمت السلطات القضائية في السعودية بعدم الاستقلالية، وطالبت بمحاكمة دولية.

كما انتقد تجمع حقوقي في السعودية، تبرئة المسؤولين البارزين من الاتهام في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.

جاء ذلك في تغريدة لحساب "معتقلي الرأي" عبر "تويتر"، حيث غرد: "قبل عام تمامًا نشرت الاستخبارات الأمريكية تقريرًا يكشف وجود مراسلات بين سعود القحطاني ومحمد بن سلمان قبل وأثناء وبعد عملية اغتيال خاشقجي".

وأضاف: طاليوم يزعم القضاء السعودي أن الجريمة تمت من دون تخطيط مسبق ويبرئ سعود القحطاني! أي قضاء مستقل هذا؟!".

وانتقد الحساب السعودي المعارض مسار محاكمة قتلة الصحافي السعودي جمال خاشقجي، قائلًا: "النيابة العامة تعيد ملف خاشقجي إلى المُربع الأول متجاهلة جميع التقارير الدولية والتسجيلات المتعلقة بالجريمة".

وتابع مستنكرًا: "النيابة تعلن أن قتل خاشقجي لم يكن بنية مسبقة، وتبرئ كلا من سعود القحطاني، وأحمد العسيري، ومحمد العتيبي".

وأعاد كثير من المغردين ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، نقلا عن تقرير للمخابرات المركزية الأمريكية، أن ولي العهد السعودي أرسل 11 رسالة هاتفية لمستشاره سعود القحطاني في الساعات التي سبقت ولحقت اغتيال خاشقجي.

وكان خاشقجي كاتبا لمقالات رأي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية انتقد فيها سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وقتل خاشقجي في القنصلية في الثاني من أكتوبر 2018، بعد نحو سنة من مغادرته المملكة في خضم حملة اعتقالات طالت كتابا ودعاة.

وقال دبلوماسيون حضروا جلسات المحاكمة في قتل الصحفي، إن المتهمين قالوا خلال الجلسات إن العسيري، الذي أعفي من منصبه بعد أيام من وقوع الجريمة، هو الذي أصدر الأوامر.

وورد اسم العسيري واسم القحطاني في لائحتي العقوبات اللتين أصدرتهما واشنطن بحق مشتبه بتورطهم في قضية الصحفي.

ووفقا لبيان سابق من مكتب المدعي العام السعودي، فإن القحطاني المعروف بأسلوبه الهجومي على وسائل التواصل الاجتماعي، التقى المجموعة التي نفذت عملية الاغتيال قبل سفرها إلى تركيا بهدف مشاركتها بمعلومات متصلة بالمهمة.

وأطلق سراح العسيري بحسب السلطات السعودية، لكن على ما يبدو أن القحطاني كان حرا طليقا خلال مدة المحاكمات والتحقيقات، وفق تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال".

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين حينها أن القحطاني كان لا يزال يواصل ممارسة مهامه مستشارا في الديوان الملكي ولكن بصيغة غير رسمية، وإن ولي العهد محمد بن سلمان كان يستعين بمشورته.