رئيس مجلس السيادة السوداني: استخرت الله قبل لقاء نتنياهو!

رئيس مجلس السيادة السوداني: استخرت الله قبل لقاء نتنياهو!
الأحد ٠٩ فبراير ٢٠٢٠ - ٠٨:٣٨ بتوقيت غرينتش

كشف رئيس مجلس السيادة في السودان، عبد الفتاح البرهان، تفاصيل عن اللقاء الذي جمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الإثنين الماضي.

العالم -مقالات وتحليلات

وأبرز ما قاله “لقد استخرت الله قبل السفر بفترةٍ.. أدعو الله في كل صلاةٍ اللهم إذا كان لنا في هذا الأمر خير يسره لنا.. وإن لم يكن فيه خير إصرفه عنا”، وختم كلامه بالقول “إن خطوته ستحمل الخير للسودان، نحن شايفين غيرنا حتى أصحاب القضية مستفيدون”.

كلام الفريق البرهان الذي لم يشعر بأي “رهبة” عند مصافحته لنتنياهو وتناول طعام الغداء معه، يذكرنا بالرئيس"المؤمن" أنور السادات الذي استخدم التبريرات نفسها عندما زار القدس المحتلة، وألقى خطابا في برلمانها، ووقع اتفاقات كامب ديفيد، ولم تستفد مصر من “استخاراته” هذه غير الهوان والتبعية وخسارة دورها العربي والإسلامي، والغرق في الديون، حتى سيناء التي استعادتها تحولت إلى كابوسٍ ومصدر عدم استقرار ونزيف بشري ومالي لمصر.

لا نعرف كيف سيكون هذا اللقاء بين الفريق البرهان ونتنياهو مصدر “خيرٍ” للسودان وشعبه الطيب الوطني حتى النخاع، فجميع الدول التي طبعت علاقاتها مع دولة الاحتلال، مثل الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية لم تتحسن أحوالها بل ازدادت سوءا، فالدين العام الأردني وصل إلى 42 مليار دولار، أما الدين العام المصري فتجاوز حاجز الـ250 مليار دولار، وأصبح سد النهضة الذي وفرت له "إسرائيل" التمويل عبر شركات غربية، والحماية بمنظومات صواريخها، يشكل تهديدا وجوديا للشعب المصري وأمنه المائي ولقمة عيشه.

من أغرب التبريرات التي يسوقها الفريق البرهان وكل المبشرين بسياسة التطبيع مثله، سواء في الخليج الفارسي أو في المغرب، القول بأنهم لا “يريدون أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم”، حتى أن الفريق البرهان قال في الحديث نفسه “إن الفلسطينيين أصحاب القضية مستفيدون”.

جميع “استخارات” الفريق البرهان السابقة، ومنها إرسال 15 ألف جندي سوداني للقتال في الحرب على اليمن، وقبلها التضحية بثلث أراضي السودان لحركة جون قرنق الانفصالية، استجابة لتوصيات أمريكية، جاءت بالكوارث للشعب السوداني الشقيق، ولم تزده إلا فقرا، وحاجة مما أدى إلى نزول مئات الآلاف من السودانيين إلى الشوارع طلبا للتغيير وإطاحة الحكم العسكري الفاسد، ولا نعتقد أن “استخارته” الأخيرة التطبيعية ستكون أفضل حالا.

مشكلة السودان لم تكن مطلقا محصورة في عدم التطبيع مع دولة الاحتلال وإنما في فساد حكم العسكر وسوء إدارته للبلاد على مدى عقود، ولا نرى في الأفق السوداني أي تغيير لهذه العقلية الديكتاتورية التي تنفرد بالحكم واتخاذ القرارات الاستراتيجية المصيرية، المتناقضة مع موقف الغالبية الساحقة من الشعب السوداني، والقفز على مبادئ وقيم ثورته الأخيرة، واتفاق الشراكة دون أي احترام للاتفاقات الموقعة والمعمدة بالدم.

إقدام الإسرائيليين على نبش أرشيفهم ونشر صورة تجمع بين الرئيس الراحل جعفر النميري والجنرال الصهيوني إرييل شارون أثناء توريط الأول للسودان وتحويله إلى ممر لهجرة الفلاشا بعد ساعاتٍ معدودةٍ من لقاء البرهان ونتنياهو هي صفعة لرئيس مجلس السيادة السوداني ومدرسته العسكرية التطبيعية، تحمل رسالة تقول “هذا اللقاء بين شارون والنميري لم يقد السودان إلى الرخاء، ولم يبق النميري في الحكم، ولم يحفظ وحدة البلاد.

“اللواء” جعفر النميري ذهب إلى واشنطن ليقبض ثمن عمالته لدولة الاحتلال ودوره في ترحيل “الفلاشا”، ولم يعد إلى السودان رئيسا، بل مريضا ذليلا ينتظر الموت، فهل يواجه الفريق البرهان المصير نفسه، خاصة أنه تلقى دعوة لزيارة واشنطن من مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، لقبض ثمن لقائه مع نتنياهو رفعا للعقوبات الاقتصادية وإخراج بلاده من قائمة الإرهاب.

لا نملك إجابة على هذا السؤال، ولكن ما نعرفه أن الشعب السوداني الشقيق التي تحمل جيناته كل قيم الوطنية والشرف والانتمائين العربي والإسلامي لن يقبل بهذه السياسات الانهزامية للفريق البرهان ورهطه، رغم معاناته الشديدة، وسيقف في خندق المرابطين في القدس المحتلة الذين يقاومون احتلال نتنياهو ويقدمون يوميا الشهداء انتصارا لكرامة الأمة والعقيدة.

نجد لزاما علينا التذكير بأن الشعب السوداني قدم الكثير للقضية الفلسطينية، ومعظم الصواريخ والأسلحة التي تستخدمها فصائل المقاومة في قطاع غزة مرت عبر أراضيه المباركة، الأمر الذي يكشف معدن هذا الشعب وتضحياته الضخمة من أجل عزة أمته وكرامتها، ولو أعاد التاريخ فصوله لفعل الشيء نفسه دون تردد.

كنا، وما زلنا، نتمنى أن يقرأ الفريق البرهان دروس التاريخ القريب، وتجربة الرئيس النميري مع الإسرائيليين والتعاون معهم، حتى لا يواجه النهاية نفسها، أو يتعظ بدروس تجربة “معلمه” عمر البشير الذي يقبع حاليا خلف القضبان متهما بالرشوة وخيانة الأمانة، ولكننا لا نعتقد أنه سيراجع بعد أن قرر الوقوف في خندق التطبيع الذي يزدحم هذه الأيام بالكثير من المريدين من قادة دول خليجية مثل الإمارات وقطر وسلطنة عمان والبحرين، ولا ننسى مصر والأردن والسلطة الفلسطينية.

إنها مرحلة وستمر مثلما مرت مثيلاتها في تاريخ الأمة، ولن تطول حتما، والتاريخ لن يرحم.

رأي اليوم