شنشراح بريف ادلب.. ما بين آثار مسلوبة وبقايا حرب

السبت ٢١ مارس ٢٠٢٠ - ٠٥:٥٦ بتوقيت غرينتش

الطريق بين حماة ومعرة النعمان حمل معه الطمأننية الكافية للوصول الى جبل الزاوية، انتشار كثيف للجيش السوري، بعد مرور ايام على وقف اطلاق النار، حالَ وصول فريق قناة العالم الى مدينة معرة النعمان، كانت وجهتنا جبل الزواية،

العالم - کشکول

المرور بهذه المدينة هو اجباري للانتقال الى جهتها الغربية نحو بلدة كفر رومة البوابة للقرى حاس وكفر نبل ومنها نحو حزارين، خطوط الاشتباك التي تبدو هادئة، كانت تحمل رائحة البارود، يستغل بعض جنود الجيش القليل من الوقت للاستراحة، اشجار الزيتون المنتشرة في المنطقة تتمسك بغبار المعارك التي دارت هناك، قبل الوصول الى بلدة حاس مقصدنا، لم يغب عنا مشهد الجنود الذي يعدون مواقعهم بشكل حصين في هذه القرى، دخلنا البلدة واستوقفنا احد الجنود، وسألناه عن الانفاق التي اشتهرت بها البلدة علنا نحصل على خبر جديد عن تحصينات المجموعات المسلحة، ارشدنا الى الضابط المسؤول هناك، وعند وصولنا له، بابتسامته العريضة، اخبرنا اننا سنذهب الى بلدة شنشراح الاثرية.

بلدة شنشراح الاثرية
انطلقنا نحو بلدة شنشراح بمرافقة جنود الجيش السوري، في الطريق يرفع الرائد جهاز اللاسلكي نحو الاعلى، ويشير بيده نحو التلال القريبة، هناك في ذلك المرتفع تقع بلدة شنشراح الاثرية، فوق الطريق المتعرج تسير السيارات لتمر بعدة منازل متناثرة وتلال، قبل مئات الامتار من وصولنا، ثبتت على الطريق شاخصة كتب عليها " ممنوع اقتراب المدنيين"، ليطل علينا بعدها مشهد مدخل اثري وتلوح بالافق مباني اثرية مرتفعة، الذهول والصمت خيم لدقائق، والفريق كله يتفقد بنظره المكان، انها مدينة اثرية متكاملة، لكن ما لفت انتباهنا في البداية كان حقل التدريب الدائري في وسطها، حلقات نار وساحة للتدريب الفردي على فنون القتال، وبدأنا نستكشف المكان، هنا في هذا المكان كانت جبهة النصرة والمئات من المسلحين الاجانب قبل ايام من وصولنا، معسكر تدريب كبير حولت فيه الاثار الى مقرات للمسلحين ومستودعات ذخيرة، ونقلت الحجارة من المباني الاثرية لتحويلها الى غرف، بالاضافة الى ابنية من البيتون المسلح اضيفت للمكان، وحفر التنقيب غير الشرعي عن الاثار واضحة في كل مكان، وعلى بعد مئات الامتار منه حفر في الصخر مقر قيادة وتحكم تحت الارض، انه التخريب الكامل للمكان.

بلدة شنشراح الاثرية
في هذه البقعة الجغرافية القريبة من بلدة البارة، يتصل السهل الفسيح الغني ببلدات حاس وكفر نبل، هنا تتساوى الحقول، ينهشها العشب البري المرتفع، اما في محيط الموقع الاثري، والذي كان مقصدا للسياحة والباحثيين الاثريين، قبل دخول المسلحين من الأوزبك والطاجيك والقوقازيين والإيغور وباقي صنوف الإرهابيين التابعين لفيلق الشام ومن بعدها جبهة النصرة، عابثين بموقع اثري يعتبر احد مدن الكتلة الكلسية التي تمتد من النبي هوري( قورش ) شمالا وحتى أفاميا جنوبا ويرجع تاريخ بداية الوجود الانساني فيه إلى القرن الرابع الميلادي، وقد بلغت أوج ازدهارها في القرنين الخامس والسادس الميلادي، وتدريجيا بدأ دورها بالاضمحلال بدأ من القرن السابع الميلادي بفعل عدة عوامل منها تغير الطقس وشح المياه وانتشار الأوبئة، ومن اهمية هذا المكان ان مبانيه وأوابده مازالت قائمة حتى الوقت الحالي ومشادة من مداميك حجرية منقولة ومنحوتة من مقاطع حجرية قريبة من الموقع.

بلدة شنشراح الاثرية
جميع الخبراء في الاثار اكدو ان هذه البلدة الاثرية كان لها اعتبارات خاص، لكن غازي علولو مدير الاثار في حماة، اكد ان " تشكل جزءا من التراث الانساني والموروث الحضاري للبشرية، وقامت المديرية العامة لللاثار والمتاحف بتسجيلها على قائمة التراث العالمي واعترف فيها وتم تسجيلها في عام ٢٠١١م كموقع عالمي" واضاف " تعرض هذا المواقع والمواقع الأخرى للتخريب والأذى وطالتها اليد الآثمة ونالت منها وأتت على زخارفها ورموزها سيما المسبحية منها حيث تم تحطيم الزخارف والنقوش التي تزين السواكف والابواب وواجهات المباني والمدافن ويظهر عليها رمز الصليب واحرف (أ....و ....ي ) الفا واوميغا التي تشير الى السيد المسيح كريستوس وبداية الخلق ونهايته، لقد تم حفر الكثير من الانفاق والمقرات لاستخدامها كمقرات للاحتماء بها وملاذات للمسلحين وعائلاتهم سيما المدافن التي تم تعزيلها وتأهيلها وتوظيفها كملاجئ لهم"، يستفيض علولو بالشرح ليؤكد ان "في ادلب حوالي ألف موقع مسجلة على لائحة التراث الوطني" ما يعني اننا في مواجهة اضرار وتخريب من المرجح انه طال معظم هذه المواقع،

بلدة شنشراح الاثرية

واشار في سياق الحديث ان هناك "خطة إسعافية انقاذية سريعة لأماكن الضرر التي تعرضت لها هذه المواقع ومن ثم البدء بإعداد الدراسات الهندسية لترميم ما تخرب وتصدع ووضع خطة التأهيل والتوظيف السياحي لهذه المدن "

بلدة شنشراح الاثرية
قبل حوالي خمس سنوات من دخول الجيش السوري الى جبل الزاوية، واكتشاف التخريب الذي حل بهذا المكان، وتحديداً في 12 شباط 2015 ارتفع معدل الارتياح بين علماء الاثار السوريين بعد تبني مجلس الأمن القرار رقم 2199 الذي تعهد حماية التراث الثقافي المهدد في سوريا والعراق، وكان ينص هذا القرار على تجفيف منابع الارهاب التي اصبحت الاثار السورية والعراقية مورد اساسي لتمويلها، الا ان دول الجوار السوري لم تضبط حدودها او تلتزم مطلقاً بهذا القرار، الا لبنان الذي تعاون واعاد عدة قطع اثرية سورية، ضبطت مع تجار اثار وبعض الارهابيين، ما يعني ان هذا الملف لن يغلق في المدى المنظور، وانه يحتاج الى وقت طويل كي تستعيد البلاد اثارها المسروقة طيلة فترة الحرب.