التعديلات الدستورية تقسم الساسة في الجزائر

التعديلات الدستورية تقسم الساسة في الجزائر
الأحد ١٠ مايو ٢٠٢٠ - ٠٨:٤٣ بتوقيت غرينتش

تباينت آراء الأحزاب السياسية في الجزائر، بشأن حزمة التعديلات الدستورية التي عرضتها الرئاسة على التشاور الافتراضي وطلبت مقترحات لإثرائها، تحسّبًا لتقديمها إلى الاستفتاء الشعبي مثلما وعد به الرئيس عبد المجيد تبون.

العالم- الجزائر

وتضمنت مسودة المشروع مقترحات موزعة على ستة محاور أساسية، أهمها إقرار مبدأ التصريح (عوض الترخيص) لممارسة حرية الاجتماع والتظاهر، وكذلك إنشاء الجمعيات وعدم حلها إلا بقرار قضائي، كما أنه لا يمكن للقانون أن يتضمن أحكاما تعيق بطبيعتها حرية إنشاء الأحزاب السياسية.

ونصت المسودة على عدم ممارسة أكثر من عهدتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين، وتحديد العهدة البرلمانية بعهدتين فقط، مع إمكانية تعيين رئيس الجمهورية نائبا له.

كما عادت الوثيقة إلى تعزيز مركز رئيس الحكومة وتوسيع صلاحياته بدلا من اعتماد منصب الوزير الأول كمنسق شكلي للفريق الوزاري، ناهيك عن إلغاء حق الرئيس في التشريع بأوامر خلال العطل البرلمانية.

وبرز إلى العلن فريقان متناقضان يعتقد الأول أنها لم تلبّ مطالب الحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير 2019، ويرى الثاني أنها كفيلة بتجسيد طموحات الجزائريين ومعبرة عن إرادة صادقة للرئيس الجديد.

وعلاوةً على مضامين المشروع التمهيدي للدستور، ثمة أيضًا اختلاف حول توقيت عرضه على المشاورات بسبب الانشغال العام بمواجهة أزمة كورونا العالمية، وتداعياتها على الوضع الصحي في البلاد.

ويعتقد مراقبون أن الانقسام الجليّ بين الطبقة السياسية، يعكس تنوّع التيارات في بلد يحصي نحو 44 مليون نسمة، ومن شأنه أن يثري النقاش العام حول ماهية الدستور الجديد ويجعله مرتكزًا لإعادة بناء الدولة، التي ترهّلت مؤسساتها خلال عقدين من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وقال تكتل قوى البديل الديمقراطي في بيان، إن "الخطوة جاءت ضد إرادة غالبية الجزائريين، حيث قررت الحكومة نشر خارطة الطريق الخاصة بها في وضع استثنائي لاستبعاد الشعب الجزائري مرة أخرى من اختيار مستقبله".

ويعتقد التكتل أن ما يصفها "التنورات الدستورية الانفرادية الجارية، تؤكد مرة أخرى ثقافة الفكر الأحادي الاستبدادي لمصادرة الدولة، والذين تسببوا في كارثة وطنية منذ الاستقلال".

ورأت قوى عقد البديل الديمقراطي، التي تدافع عن السيادة الشعبية، أن "أزمة الشرعية التي ضربت النظام منذ الاستقلال الوطني عام 1962، لا يمكن حلها عن طريق إجراءات ترقيعية، كما يعتقده سادة السلطة القدامى والجدد".

واعتبر التكتل الذي يضم قوى سياسية ومدنية معارضة، أن "الإجماع حول التحول المؤسساتي والدستوري لتكريس الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن ينجح دون نقاش شعبي واسع وعام يتوج بمسار تأسيسي ذي سيادة".

بدورها، قالت حركة مجتمع السلم (أكبر حزب معارض في البرلمان)، إن حزمة التعديلات الدستورية "بعيدة عن الطموحات المرجوة، لا سيما ما عبرت عنه أطياف الشعب الجزائري من خلال الحراك الشعبي، ومطالب التغيير المجمع عليها".

وأوضح الحزب في بيان، أن بعض التدابير "جاءت في المسودة بصيغة مبهمة وغامضة، وقد تأخذ منحى بعديّا سيئا، ومن المفروض أنها تتطلب نقاشًا مجتمعيًّا واسعًا".

ورأى الحزب الإسلامي المعارض أنه "على مستوى الحريات يمثل التقييد بالإحالة للقوانين والتنظيم، تهديدًا حقيقيًّا مجرّبًا للمكاسب المتعلقة بتأسيس الجمعيات وحرية الإعلام بمختلف أنواعه، مع عدم توفير أي ضمانات دستورية في المشروع لنزاهة الانتخابات، وعدم تجريم الوثيقة المقترحة للتزوير وعدم اتخاذها أي تدابير ردعية ضده".

على نقيض من ذلك، رأى حزبان بارزان في منظومة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أن المشروع التمهيدي للدستور يعكس تطلعات الجزائريين، ويستجيب لانشغالاتهم، ويأتي استجابة لمطالب الحراك الشعبي.

ونوّه حزب جبهة التحرير الوطني بـ"التزام الرئيس عبد المجيد تبون، بجعل مشروع قانون تعديل الدستور يحمل طابعًا توافقيًا، وفق مقاربة شاملة أساسها الاستشارة الواسعة"، بحسب بيان.

ورأى حزب الغالبية النيابية أن "هذه الاستشارة من قبل الرئيس تعتبر خطوة إيجابية في إطار تعزيز النهج الديمقراطي في إطار المشاورات"، مبينًا أن تبون يحوز "إرادة سياسية لتمكين البلاد من دستور ديمقراطي توافقي، والتجاوب مع مطالب الشعب والذهاب نحو مجتمع مؤسس على المبادئ الديمقراطية".

بدوره، سجّل حزب التجمع الوطني الديمقراطي (قاده لسنوات رئيس الحكومة الموقوف أحمد أويحيى)، "رغبة رئيس الجمهورية في إعطاء نفس جديد لمؤسسات الدولة، وتعزيز الحريات وإزالة اللبس فيما يتعلق بالفصل بين السلطات، وهو ما يعتبر لبنة أساسية في بناء الجزائر الجديدة التي يأملها الجميع".

وأكد التجمع أنّ "مشروع تعديل الدستور يأتي في ظروف مميّزة تفرض تجنّد الجميع من أجل الوصول إلى إقرار دستور يحوز إجماعا وطنيا واعترافا دوليا، أخذًا بعين الاعتبار مطالب الحراك الشعبي على الصعيد الداخلي، وكذا التطور الحاصل في المنظومة الدستورية العالمية".

واتفق الحزبان اللذان يهيمنان على غالبية البرلمان بغرفتيه، على أن المشروع التمهيدي للدستور يعتبر "قفزة نوعية بجميع المقاييس، بل إنها تعدّت المطالب المعبّر عنها في عديد المناسبات من طرف فاعلين سياسيين واجتماعيين، مثل إقرار المحكمة الدستورية وتوسيع منظومة الحقوق والحريات وتعزيز مركز رئيس الحكومة وضمان التداول الديمقراطي على المناصب الانتخابية، وتحرير النشاط الجمعوي، وتعزيز استقلالية القضاء، والمحافظة على الهوية الوطنية".

تصنيف :