عطوان يجيب: ماذا يقصد الملك عبدالله بـ"الصدام الكبير" إن ضم الاحتلال غور الأردن؟

عطوان يجيب: ماذا يقصد الملك عبدالله بـ
الأحد ١٧ مايو ٢٠٢٠ - ٠٤:٥٦ بتوقيت غرينتش

عندما يعلن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال قبيل أداء حكومته القسم الدستوري أمام الكنيست عصر اليوم "إن الوقت قد حان لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وإن على كل من يؤمن بحقنا في أرض إسرائيل أن يؤيد هذه الخطوة وحكومتنا التي ستنفذها"، فإن هذا يعني حل السلطة الفلسطينية عمليا، وإلغاء معاهدات أوسلو وحل الدولتين، والتمهيد لترحيل مئات الآلاف، وربما الملايين من الفلسطينيين في المدن الكبرى إلى الأردن الذي يعتبر الوطن البديل في نظر اليمين الإسرائيلي، وتهديد الأمن القومي الأردني أيضا.

العالم مقالات وتحليلات

لا نسأل ماذا سيفعل العرب في مواجهة هذا القرار بالضم الذي يعتبر العمود الفقري لبرنامج الحكومة الائتلافية التي يقودها نتنياهو بالشراكة مع الجنرال بني غانتس، وسيبدأ التنفيذ في أوائل تموز (يوليو) المقبل، وإنما ماذا ستفعل السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، وماذا ستفعل السلطات الأردنية التي ستكون أبرز المتضررين أيضا.

***

لا نعول كثيرا على الرئيس محمود عباس وتهديداته بحل السلطة، وإلغاء اتفاقات أوسلو، وإنهاء كل ما تفرع عنها من إجراءات بما في ذلك التنسيق الأمني "في حال ضم إسرائيل سنتيمترا واحدا من الضفة او غور الأردن" مثلما هدد في آخر تصريحاته، لسبب بسيط لأنه يقول ولا يفعل، وسمعنا هذه التهديدات أكثر من مرة وسيظل في قصره في رام الله حتى يأتيه أجله، أو تأتي مجندة إسرائيلية مراهقة تقوده إلى خارج الحدود.

ولكننا نعول كثيرا على الشعبين الأردني والفلسطيني بالتلاحم والتصدي بقوة لهذه المؤامرة بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة، التي يمكن الحصول عليها فورا من محور المقاومة، إذا لم يتم التحرك رسميا لإحباط هذا المخطط العدواني المدعوم أميركيا، رغم أننا نستبعد هذا التحرك لأسباب سنشرحها لاحقا.

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يدرك جيدا أن اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يقوده نتنياهو يؤيد ضم الضفة وغور الأردن، ويشجعه، ويريد إسقاط العرش الهاشمي، لتنفيذ استراتيجيته بجعل الأردن الدولة الفلسطينية "المزورة" فالضم يشكل تهديدا مباشرا للأردن، ويقطع صلة التواصل بينه والأراضي الفلسطينية، وسيتلوه حتما عملية "تسفير" الفلسطينيين إلى الأردن، وهذا ما يفسر تصريح الملك عبد الله الذي أدلى به إلى مجلة "دير شبيغل" الألمانية وحذر فيه صراحة إسرائيل من ضم الضفة والغور مهددا بأن "هذه الخطوة ستودي لصدام كبير وندرس كل الاحتمالات والإمكانيات".

إلتقيت العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أكثر من مرة كان آخرها في تشرين أول (أكتوبر) قبل الماضي، وكان أكثر ما يقلقه موضوع الضم الإسرائيلي للضفة والأغوار، وقال بالحرف الواحد "إن أي عملية تهجير للفلسطينيين من المدن الكبرى قبل أو بعد أو أثناء عملية الضم هذه، هي بمثابة "إعلان حرب" على الأردن لن نقف مكتوفي الأيدي تجاهها وسنرد بكل قوة، ومهما كانت النتائج".

تذكرت هذا الكلام وأنا اقرأ نص مقابلة العاهل الأردني مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية يوم امس، خاصة الفقرة التي استخدم فيها "الصدام الكبير" كرد مباشر على أي عملية ضم للضفة الغربية وغور الأردن الذي تصاعدت احتمالات تطبيقه أثناء زيارة مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي للقدس المحتلة قبل أيام حاملا الدعم الأميركي لهذا القرار.

خيارات الأردن عديدة وموجعة لدولة الاحتلال إذا حدث "الصدام" أبرزها على الصعيد المدني إلغاء اتفاقية وادي عربة، وكل ما تمخض عنها من علاقات تطبيعية، وتنسيق أمني، وتعاون اقتصادي، وتبادل سفراء واتفاقات تجارية وخاصة صفقة استيراد الغاز الفلسطيني المسروق المعيبة واللاوطنية.

في اللقاء الأخير مع العاهل الأردني كان القلق باديا على وجهه، لعدة أسباب، أبرزها خذلان بعض الدول الخليجية للأردن ووقف مساعداتها المالية، وقفز هذا "البعض" عن الدور الأردني وفتح قنوات اتصال مباشرة مع الإسرائيليين، وانحياز إدارة ترامب الكامل لسياسات حكومة نتنياهو وسياساتها الاستيطانية المتغولة، والحراك الشعبي الذي كان في ذروته في حينها.

الأردن في الوقت الراهن، يبدو أكثر قوة من أي وقت مضى، وأسباب هذه القوة في رأينا تعود إلى متانة العلاقة بين العاهل الأردني وشعبه، والوحدة الوطنية بين أبناء هذا الشعب، والتقائهم بصورة جماعية على أرضية التصدي للخطر التهديدي الإسرائيلي، رغم كل الصعوبات الاقتصادية والعقوق العربي الخليجي، وتهديدات فيروس الكورونا.

يمكن أن نضيف مصدر قوة آخر وهو وجود 600 كيلومتر من الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة لن تستطيع "الدولة" العبرية، ومهما امتلكت من أسلحة وأجهزة استخبارات وطائرات عمودية أو مسيّرة أو ثابتة الأجنحة السيطرة عليها، أو تأمينها إذا اندلعت شرارة الحرب بأشكالها كافة.

في هذا الإطار يمكن القول إن فتح قنوات التحالف مع محور المقاومة هو أحد الخيارات التي لا يجب تجاهلها من قبل العاهل الأردني وأركان قيادته، وكنا نتمنى لجوئه إلى هذه الورقة مبكرا لقناعتنا أن إدارة الرئيس ترامب التي تخلت عن حليفها السعودي، وسحبت صواريخها ومسيّراتها، ومعداتها من أراضيه لأنه لم يعد قادرا على الدفع المالي لانهيار أسعار النفط، ستفعل الشيء نفسه، وربما ما هو أخطر مع الأردن "الفقير" ماليا، الغني وطنيا وعقائديا، وبسب بيع رئيسها ترامب نفسه للوبي اليهودي أملا في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، فلم تبقى له إلا الورقة اليهودية الإسرائيلية بعد فشله في مواجهة الكورونا والانهيار الاقتصادي الذي ترتب عليها وصعود المارد الصيني.

***

الأردن القوي بشعبه وجيشه، ومكانته الجغرافية، ووحدته الوطنية، يملك الكثير من أوراق القوة، ومثلما رفض تجديد معاهدة تأجير أراضي الباقورة والغمر رغم الضغوط الأميركية، نأمل أن يرفض وبقوة، كل قرارات الضم الإسرائيلية ويتصدى لهما حتى لو كان الثمن المواجهة العسكرية، ونقول لكل اللذين يتحدثون عن الفارق الكبير في موازين القوى، إن نتنياهو لم يستطع التقدم مترا واحدا في قطاع غزة أو جنوب لبنان، ومات رعبا من ثلاث فجوات في السلك الحدودي مع لبنان، فكيف سيكون الحال لو انطلقت أسود الأردن من عقالها، ومن مختلف المنابت، واتجهت نحو الحدود، مسلحة بالإيمان بالنصر، لتحرير المقدسات الإسلامية والمسيحية، وفك أسر اشقائهم في الأراضي المحتلة، كرد على أي خطوة عدوانية إسرائيلية؟

الأردن يتغير، ومنسوب الوطنية، والاستعداد للتضحية في أوساط شعبه وجيشه وقيادته بلغ ذروته، ولعل خطوة الضم أذا تجرأ وأقدم عليها نتنياهو، ستكون بداية النهاية للغطرسة والعنصرية الإسرائيلية.. والأيام بيننا.

* عبد الباري عطوان