الجمهورية الاسلامية وموقفها من القضية الفلسطينية

الجمهورية الاسلامية وموقفها من القضية الفلسطينية
الخميس ٢١ مايو ٢٠٢٠ - ٠٨:٥٤ بتوقيت غرينتش

العالم الغربي الذي تجثم المنفعة على صدره في كل شيء ويعتمد في علاقاته على المصالح فقط، من حقه أن يستغرب من الموقف الايراني الثابت والمبدئي تجاه القضية الفلسطينية، فالغرب الذي اعتاد على أنه ليس هناك شيء يُبذل ويُمنح دون مقابل لا يفهم ولا يدرك ولا يستوعب السياسة الايرانية من فلسطين المحتلة، التي لا تعود بفوائد مادية على الجمهورية الاسلامية بل تكلفها أثمان باهظة تصل أحيانا الى التهديد بالحرب وتوجيه الضربات العسكرية، فضلا عن الحظر والضغط بكافة أشكاله وأنواعه.

العالم-ايران

بما أن فعاليات يوم القدس العالمي الذي تبنته الجمهورية الاسلامية في ايران ومؤسسها الراحل الامام الخميني (ره) تبلغ ذروتها في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، فان السؤال الذي يتردد على ألسنة الغربيين الذين لا يفهمون سوى لغة المصالح والأخذ والعطاء، هو لماذا تصر ايران على دعم القضية الفلسطينية باعتبارها القضية الاولى للعالم الاسلامي وتطالب بطرد الكيان الصهيوني المحتل سواء بالمقاومة أو بإجراء استفتاء يشارك فيه السكان الأصليون لفلسطين المحتلة؟

ويمكن القول ان هناك عدة عوامل تجعل ايران تستمر في دعمها للقضية الفلسطينية، ومن اهمها:

أولا: القضية الفلسطينية قضية عادلة وقضية شعب مظلوم ومضطهد ومغلوب على أمره، ولا ينبغي السكوت على جريمة احتلال فلسطين لمجرد أن مجموعة من الأقوياء قرروا يوما ما السماح باحتلال هذه الأرض، فاحتلال الكيان الصهيوني لفلسطين يكرس ويعزز بدعة عدم الاعتراض على كل الجرائم والانتهاكات التي يمارسها القوي ضد الضعيف، وهي بدعة رفضتها المجتمعات في العصور المظلمة فما بالك بالعصور الحالية؟ وبالتالي فان بقاء الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين يؤسس لبدعة كارثية من المؤكد أنها لن تقف عند حدود فلسطين، بل يمكن أن تتكرر في أية منطقة أخرى، وبالتالي فان السكوت على الاحتلال الصهيوني لفلسطين يدعو الى السكوت على اي احتلال آخر، وما دام المعيار متوفر وهو أن الأقوى يأكل الضعيف فلن يأمن أحد على نفسه وأهله وأرضه وماله.

السماح ببقاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين يعني السماح لأية قوة أخرى باحتلال أي بلد، ولنتصور ماذا سيكون مصير العالم وخاصة الدول الضعيفة في ظل أقوياء يفعلون ما يشاؤون، ألا تحل الفوضى الشاملة في العالم ولن يبقى حجر على حجر؟ ايران التي اندلعت ثورتها وتأسست جمهوريتها على أساس رفض الظلم والاستعباد والاحتلال ونهب الثروات و..و ترفض هذا المبدأ وكل ظاهرة تولد من رحمه، ويأتي في هذا الاطار دعمها للقضية الفلسطينية.

ثانيا: الكيان الصهيوني يقف وراء كل الأزمات والتوتر والمشاكل التي تعاني منها المنطقة، وأبرز دليل على ذلك هو موقفه من الاتفاق النووي فكان الوحيد الذي اعترض على الاتفاق رغم انه انتزع فتيل التوتر والفوضى والاضطراب في المنطقة، وكان الكيان الصهيوني أول من شجع وأيد ودعم قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في انسحابه من الاتفاق النووي وعودة التوتر الى المنطقة.

هذا مثال بسيط على الأزمات التي يقف وراءها الكيان الصهيوني، وأية أزمة تشهدها المنطقة حاليا يقف الكيان الصهيوني وراءها سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ليس هذا وحسب بل انه يدافع بكل قوة عن تخلف دول المنطقة ويعرقل أي تطور تسعى الى تحقيقه هذه الدول، عبر ابقائه على الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة فيها، وهناك علاقة تكاملية بين الانظمة الفاسدة والكيان الصهيوني فهي رهنت مصيرها وبقائها بموقف الكيان الصهيوني والداعم الرئيسي له وهي الولايات المتحدة، كما أن مصير الكيان الصهيوني يتوقف على وجود هذه الأنظمة التي ترفض مقاومته ومقاطعته وفرض العزلة عليه، بل تحارب كل من يتصدى له.

الكيان الصهيوني يرفض أي تغيير يقع في حكومات المنطقة لأنه يخشى مجيء حكومة تتصدى له وتدافع عن الفلسطينيين، ولن يسمح بأي تغيير ما لم يطمئن بأن الحكم القادم لن يختلف عن الحكم السابق في فساده، ولذلك فان ايران تدعم القضية الفلسطينية وتدعو الى رحيل الكيان الصهيوني لأنه يقف وراء أزمات المنطقة سواء هو الذي يفتعلها بشكل مباشر أو يحرض الولايات المتحدة أو أدواته هنا وهناك على افتعالها.

ثالثا: الدفاع عن القضية الفلسطينية يضمن استقلال القرار الايراني وعدم السماح لأحد بالضغط على الحكومة الايرانية لتغيير قراراتها خاصة تجاه القضايا الحاسمة في الأسرة الدولية، والتراجع قيد أنملة عن دعم القضية الفلسطينية ورحيل الكيان الصهيوني سيتبعه المزيد من التراجعات والتنازلات حتى تتحول ايران الى تابع بالكامل للصهاينة ومن يقف وراءهم، وايران لم تقدم كل هذه التضحيات والاثمان الباهضة لتكون تابعة للكيان الصهيوني أو غيره وانما لتكون سيدة نفسها.

رابعا: الدستور الايراني يلزم الحكومة بوجوب الدفاع عن المظلومين والمضطهدين في العالم، وأي مسؤول ايراني يرفض الدفاع عن القضية الفلسطينية فان البرلمان سيحاسبه وربما يزيله من منصبه، لذلك كانت القضية الفلسطينية في صلب أعمال السياسة الخارجية والتحركات الدبلوماسية الايرانية، وليس بوسع أي مسؤول ايران أن يحيد عن هذه السياسة.

صالح القزويني