كورونا يضع الرئيس البرازيلي أمام مأزق صعب

 كورونا يضع الرئيس البرازيلي أمام مأزق صعب
الأحد ٠٧ يونيو ٢٠٢٠ - ٠٩:١٠ بتوقيت غرينتش

تواصل البرازيل تسجيل أعداد متزايدة من الإصابات والوفيات من جراء وباء (كورونا) العالمي، لتصبح ثاني دولة عالميا من حيث عدد الإصابات والثالثة على مستوى الوفيات، وتصبح البؤرة الرئيسية للوباء في أميركا اللاتينية.

العالم - الاميركيتان

تواصل البرازيل تسجيل أعداد متزايدة من الإصابات والوفيات من جراء وباء (كورونا) العالمي، لتصبح ثاني دولة عالميا من حيث عدد الإصابات والثالثة على مستوى الوفيات، وتصبح البؤرة الرئيسية للوباء في أميركا اللاتينية.

في هذا السياق، هدد الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، في تصريحات له أول أمس، بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية على غرار ما فعله نظيره الأمريكي دونالد ترامب، متهما إياها "بالانحياز العقائدي"..قائلا: "إننا لسنا بحاجة إلى أشخاص من الخارج ليعبروا عن شعورهم بالوضع الصحي هنا"..

مضيفا أن عقار هيدروكسي كلوروكوين "عاد بعد سحب دراسات "زائفة" بشأن فعاليته، وهذا التراجع قد دفع منظمة الصحة العالمية إلى استئناف التجارب السريرية للجزيئة، وكان بولسونارو، على غرار ترامب، يؤيد استخدام هذا العقار لعلاج فيروس كورونا، رغم وجود خلاف بين العلماء حول كفاءته.

وجاءت تصريحات بولسونارو في الوقت الذي تراجعت فيه منظمة الصحة العالمية عن نصائحها بشأن الكمامات والأقنعة الواقية قائلة إنه "في ضوء أدلة حديثة"، يتعين وضع الكمامات في أماكن ينتشر فيها الفيروس بشكل واسع ويصعب التقيد فيها بالتباعد الجسدي، وهو ما أثار حالة من التشكيك حول مصداقية المنظمة الدولية.

ومنذ بدء تفشي جائحة كورونا، يتبنى الرئيس بولسونارو سياسة مثيرة للجدل بشأن هذا الوباء، حيث كان يتعمد التقليل من أهميته واصفا إياه بأنه مجرد (أنفلونزا محدودة) ونصح شعبه ببعض الأدوية البسيطة والوصفات التقليدية لمواجهتها، منتقدا إجراءات الحظر والعزل التي فرضها حكام الأقاليم البرازيلية لأنها مضرة بالاقتصاد.

كما أثار بولسونارو الجدل بسبب اختراقه الدائم لإرشادات التباعد الاجتماعي ومشاركته في مسيرات في الشوارع دون ارتداء الكمامة واستضافة حفلات في أوج انتشار الوباء، فضلا عن قراره بإعادة فتح المتاجر الأساسية واستئناف أنشطة الأندية الصحية ومحلات التجميل.

وعلى الرغم أن بلاده تعتبر البؤرة الجديدة لــ "كورونا" في أمريكا اللاتينية، أعرب الرئيس البرازيلي عن رغبته في عودة رياضة كرة القدم، ذات الشعبية الهائلة في البرازيل والتي توقفت منذ منتصف مارس الماضي، موضحا أن الدافع الرئيسي وراء رغبته هذه هو الحد من نسبة البطالة وما قد ينتج عنها من مشكلات، مشيرا إلى أن "على اللاعبين أن يعيشوا بطريقة أو بأخرى". غير أن قرار استئناف النشاطات الرياضية لايقع ضمن صلاحيات بولسونارو، بل يعود للسلطات المحلية للولايات والبلديات.

ووفقا للمراقبين، فإن تهوين بولسونارو من خطورة الفيروس لم يساعد البرازيل، بل وضع البلاد في معاناة شديدة وساهم بدرجة أو بأخرى في تفاقم الأوضاع، وكان بولسونارو دائما يبث رسائل طمأنة لعامة الشعب بأن الفيروس لن يفعل بالبرازيل.

كما فعل في الولايات المتحدة، لأن الشعب البرازيلي يمتلك مناعةً قويةً لا يملكها الأمريكيون، على حد وصفه.

ومع ذلك يؤكد المراقبون أن عدد الإصابات الحقيقية في البرازيل أعلى بكثير من الأعداد المسجلة رسميا وذلك نتيجة عدم إجراء فحوص كافية.

وبات لافتا أن النظام الصحي بلغ طاقته القصوى في العديد من الولايات البرازيلية، حيث أصبحت وحدات العناية المركزة في المستشفيات مكتظة، أو تقترب من حالة الاكتظاظ.

إضافة لذلك، تم إقالة وزيرين للصحة في البلاد منذ بدء أزمة كورونا نتيجة خلافات مع الرئيس حول إدارة الأزمة والأدوية المستخدمة لمواجهة هذا الوباء، واستقال أيضا عدد من خبراء الصحة العامة البارزين، وهو ما أثار حالة من الذعر بين المواطنين.

في هذا السياق، كشفت أحدث استطلاعات الرأي، تراجعا كبيرا في شعبية الرئيس البرازيلي، حيث يحظى بتأييد 33% فقط من المستطلعة أرائهم بينما يرى نحو 43% أن إدارة بولسونارو للأزمة "سيئة" أو "سيئة جدا"، بزيادة 5% عن نسبة هؤلاء قبل شهر فقط.

ويرى المراقبون أن السياسة التي يتبناها بولسونارو ترجع بدرجة كبيرة إلى أنه يولي أهمية أولية للاقتصاد، حيث أن السبب الرئيسي في نجاحه كرئيس للبلاد في انتخابات عام 2018 كانت وعوده بتحقيق حياة اقتصادية أفضل للمواطنين، ولكنه لم يتمكن من الوفاء بوعوده خلال العام الماضي، وجاء الوباء ليقضي على أي احتمالية في تحقيق ذلك.

وكغيره من اقتصادات العالم، تأثر اقتصاد البرازيل كثيرا بتداعيات فيروس "كورونا"، حيث شهد انكماشاً بنسبة 1.5% خلال الفصل الأول من العام الجاري، في الوقت الذي فقد فيه أكثر من مليون شخص وظائفهم خلال الشهور الماضية في قطاعات متعددة شملت الزراعة والبناء والصناعات التحويلية والخدمات، فضلا عن معاناة عدة مناطق من نقص حاد في المواد الغذائية.

كما تم إغلاق والأماكن العامة والشوارع السياحية والشركات والمدارس نتيجة القرارات الاحترازية المفروضة من حكام الولايات.

في ضوء ما سبق يبدو المشهد قاتما في البرازيل، حيث تزداد الأوضاع سوءا يوما تلو الأخر، بعد أن تحولت البلاد إلى نقطة ساخنة لانتشار الفيروس وتسارعت وتيرة التفشي ولا توجد أي بوادر تشير بقرب انتهاء هذا الوضع، وهو ما يضع الرئيس أمام مأزق صعب خاصة في ظل تراجع شعبيته في الشارع البرازيلي وتزايد الهجوم عليه من مختلف فئات الشعب لاستهوانه بالأزمة وحرصه فقط على حماية الاقتصاد، وهو ما قد يؤثر سلبا على مكانته خلال السنوات المتبقية من حكمه.