العالم تجري لقاء بالقاضي الذي 'اسكت' السفيرة الاميركية

الإثنين ٢٩ يونيو ٢٠٢٠ - ١٠:٠٩ بتوقيت غرينتش

قرار قضائي فاق الجرأة في زمانه ومكانه في وقت باتت التهويلات الاميركية سمة المشهد اليومي لما يحمل من استعراضات للمسؤولين الاميركيين ضد لبنان. البعض وصفه بالسابقة الوطنية وآخرون قالوا كان لبنان بغنى عن خضات جديدة.

العالم - ضيف وحوار

قاضي الامور المستعجلة في صور الاستاذ محمد مازح اصدر قراره وقضى بمنع الوسائل الإعلامي اللبنانية والاجنبية العاملة على الاراضي اللبنانية من اجراء مقابلات مع السفيرة الاميركية في بيروت ولمدة سنة، بعد تصريحاتها الاخيرة والتي اعتبرها القرار القضائي مسا بالسلم الاهلي وتحريضا للفتنة بين اللبنانيين.

قناة العالم الاخبارية اجرت مقابلة خاصة مع القاضي الاستاذ محمد مازح ضمن برنامج "ضيف وحوار"، للحديث عن حيثيات هذا القرار وابعاده وعن المسلمات القضائية والقانونية التي انطلق من خلالها، وهذا نص المقابلة:

س: على ماذا استند القاضي مازح في هذا القرار القضائي بحق السفيرة الاميركية؟

القاضي مازح: من خلال مشاهدتي لحديث سعادة السفيرة الاميركية على قناة الحدث والعربية، والحديث الذي هو يعرض السلم الاهلي للخطر ويحرض فئات الشعب اللبناني على بعضها بطريقة او بأخرى، ويسيء الى مشاعر شريحة كبيرة من اللبنانيين، فاستندت الى الفقرة الثانية من المادة 579 من اصول المحاكمات المدنية، التي اعتبرت فيها ان اساءتها من جهة لمشاعر شريحة من اللبنانيين، هذا تعدي على حقوقهم المعنوية والنفسية، لانه سبب لهم الحزن او الالم او الغضب، والسند القانوني الثاني الذي استندت عليه هو المادة 589 من اصول المحاكمات المدنية التي تجيز للقاضي اتخاذ التدابير المؤقتة والاحتياطية التي هدفها حفظ الحقوق ومنع الضرر، وانا اعتبرت انه ليس منع السفيرة الاميركية عن الإدلاء، وانما منع وسائل الإعلام من اجراء مقابلات مع السفيرة الاميركية، لانه من الممكن ان يسبب هذا الحديث الضرر لشريحة من اللبنانية وللسلم الأهلي بلبنان، فهذان هما السندان القانونيان اللذان استندت لهما بقراري.

س: البعض يقول ان قراركم اليوم أحدث شرخا وتداخل بالصلاحيات بين القضاء وبين الإعلام، هل ممكن توضيح هذه المسألة بالتحديد؟

القاضي مازح: بالنسبة للإعلام انا احترم واقدس حرية التعبير والإعلام.. ولكن هل هناك شيء مطلق؟ انا أسال المجلس الوطني للإعلام ووزارة الإعلام، هل هناك شيء مطلق بالإعلام؟ هل يستطيع اي ضيف ان يظهر على وسيلة إعلامية ويقول ما يريده دون أن يتم سؤاله؟ لا.. اكيد لا، لان هناك امور كثيرة تقع تحت طائلة قانون العقوبات، يعني اذا كان هناك ذم وقدح وتعريض السلم الأهلي للخطر هذا يعرض صاحب الكلام للمسؤولية الجزائية، فأنا بالنسبة لي لا يوجد شيء مطلق، يعني أنا كقاضي استطيع أن اعمل ما اريد؟ لا... فأنا مقيد بالقانون، وللمفارقة نحن دائما نقول ان الجميع تحت سقف القانون، ولذلك فهل حرية الإعلام ليست تحت سقف القانون؟ فعندما يكون الحديث قد يؤدي لقدح وذم على مستوى شخص فممكن ان يسأل الضيف عن هذه المسألة ولا تسأل الوسيلة الإعلامية، ولكن بأمر يتعلق بواقع لبنان وامكانية حدوث فتنة في لبنان، وانا لا اريد ان أهول، لماذا نقلل من أهمية الكلمة، فالإمام علي عليه السلام يقول رب كلمة جلبت نقمة وسلبت نعمة..

س: يعني اعتبرتم ان كلام السفيرة الاميركية هو تجاوز للأعراف الدبلوماسية وتعاطت في شؤون لا تعنيها وبالتالي كان يمكن أو انها تعمل بطريقة او بأخرى على بث الفتنة والفرقة بين اللبنانيين، خاصة وان شريحة كبرى كما قلت تأثرت بهذا الكلام واعتبرته كلام يؤذي مشاعرها ويؤذي بذات الوقت الانتماء الوطني لها؟

القاضي مازح: هذا بعد للقرار، بعد التعدي على حقوق فئة او شريحة من اللبنانيين، اما البعد الثاني فهو الضرر الذي ممكن ان يحصل هو الحديث على الوقاع اللبناني، فالقصد ان المسألة لها علاقة بقراري ليس بمنع السفيرة وانما وسائل الإعلام ان تتحمل مسؤولية اي خبر ممكن ان يؤدي لأمر خطير بلبنان، وهذه كانت منطلقاتي لهذه المسألة، والقاضي يحق له التدابير الاكراهية، التدبير بالاقفال كونه نوع من الردع لتنفيذ القرار او الغرامة الاكراهية، وانسجاما مع صحة توجهاتي، ان وزارة الخارجية استعدت السفيرة، لأنه ليس من شأني ولم اتوجه للسفيرة..

س: لماذا اعتبرت السفيرة ان هذا الكلام موجه ضدها تماما وقالت اننا لن نصمت؟ يعني انها خرقت القرار وبعض وسائل الإعلام اللبنانية عادت واستضافت من خلال حديث السفيرة الاميركية وقالت بأنها لا يعنيها هذا القرار وبالتالي اميركا لن تصمت بتعبير اصح؟

القاضي مازح: دعني اكمل بعدها اجيبك.. تصديقا لصحة توجهاتي فإن وزارة الخارجية استدعت السفيرة لتقول لها انك تخالفين اتفاقية فيينا التي تمنع التدخل بالشؤون اللبنانية، اذن قراري في محله، وزارة الخارجية تقوم بعملها وانا لا اتدخل به، قراري بمحله لناحية الخشية والابعاد، يعني ان وزارة الخارجية ايضا شعرت بخطر احاديث السفيرة ولذلك استدعتها، واعتبرت الامر خروجا عن الاعراف والمعاهدات الدولية واتفاقية فيينا التي تمنع على اي سفير ان يتدخل بشكل سلبي، فأن يتدخل سفير للتوفيق بين الناس او الاطراف اللبنانية او يرأب الصدع، فهذا امر جيد، ولكن فيما يخص تصريحات السفيرة فالامر واضح امام كل الناس.
انا لم ألزم السفيرة بشيء، وانما كلفت رئيس القلم أن يبلغ نسخة عن القرار الى وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام لتعميمه على وسائل الإعلام، وهذا لم يحصل بعد، وفرضا انه تم تبليغهم ومع ذلك استمروا، فأنا ايضا لن اتحرك من تلقاء نفسي، لست نيابة عامة، ولكن اذا جاء شخص وقدم شكوى في الامر فممكن ان اتخذ قرارا انسجاما مع قراري.

س: بشكل صريح اريد ان تجيبني على سؤالي.. هذا القرار برأيك أثلج قلوب السواد الأعظم من اللبنانيين أم أحرج البعض من اللبنانيين؟ كونه قرارا موجه ضد مسؤولة دبلوماسية اميركية تتعاطى مع لبنان بسياسة العداء والفرقة والحض على الفتنة..

القاضي مازح: صدقا انا عندما أخذت قراري، انا حقيقة لا اريد ان اسوق حالي كبطل، انا اخذت قراري ليس انطلاقا حتى من دوافع وطنية، انطلاقا من دوافع قانونية. فرضا انا لدي دوافع وطنية لكن الوقائع التي امامي ليس لها سند في القانون لكي أتخذ قراري، فلن اتخذ قرارا حتى وان كان لدي دوافع وطنية، وسأعتبر ان القانون لا يجيز لي، وانا الحمد لله رب العالمين الناس تعرفني بأني افهم بالقانون..

س: ولكن هناك حرص وطني على ان لا تصل الامور الى ما لا يحمد عقباه بسبب هذا القرار..

القاضي مازح: وهذا ما اقوله لكي اميز بين صفتي الشخصية وصفتي القضائية، بصفتي القضائية القانون يعطيني الوظيفة بأن اتخذ هذا القرار، فرضا ان هناك تجمعا مرخصا من وزارة الداخلية وجاء احد الاشخاص شكى وقال إن هذا التجمع ممكن ان يسيء الى السلم الأهلي، حتى بالرغم من ان التجمع لديه ترخيص من الداخلية ولكن يستطيع قاضي الامور المستعجلة أن يأخذ قرارا بوقف هذا التجمع.

س: مع احترامنا للقضاء اللبناني وللعديد من القضاة، هناك اكثر من إخبار واكثر من استدعاء تم تقديمه لأكثر من قاضي بحق مسؤولين أميركيين لم يجري اقلاضي المقتضى بهذا الامر، لكن القاضي محمد مازح تجاوز كل الأعراف المعمول بها على الأقل من ناحية "الهيبة الأميركية" التي تسقطها الادارة الاميركية على هذا الواقع وتجرأ وأخذ القرار..

القاضي مازح: انا أحترم ويفة اي زميل، وكل انسان مسؤول، لاتزر وازرة وزر اخرى، انا اعلم ما علي، انا في المساحة الموجودة بها في الدنيا اعمل قناعتي وضميري لآخر نفس، كل زميل مسؤول عن عمله، كل زميل له حرية تقدير الموقف والمعطيات التي لديه، فأنا لا اتجاوز على وظيفة غيري، اما بالنسبة لي فمن يعرف محمد مازح يعرف انه انا انظر الى الملف بصورة موضوعية، وانا عملت في الكثير من المناطق اللبنانية، وكافة الطوائف اللبنانية تكن لي كل الاحترام والتقدير لانهم لم يلمسوا يوما من الايام اني كنت غير موضوعي بأحكامي او اني انحازيت الى جهة، انا لا انحاز الا للحق، فأنا من هذا المنطلق لم اتطلع ان الطرف المقابل هي السفيرة الاميركية فاتخذت قراري، فمن تقدم باستدعاء ضدها لو رأيت انه لا توجد معطيات او سند قانوني فكنت سأرد الاستدعاء..

س: انا كان سؤالي اجبتني عليه انك استندت الى الثوابت والمنطلقات القانونية التي دفعتك لاتخاذ هذا القرار، ولكن انت شكلت بقرارك سابقة لم يجرؤ عليها كثيرة، وبالتالي كأنك تؤسس لمرحلة جديدة من التعاطي: على كل من يخطئ ان يتحمل المسؤولية لأن الظروف الراهنة بناء على تقييمك وقراءتك لا تحتمل اي فتنة او اي فوضى او اي اهتزاز للسلم الاهلي في لبنان.. هذا سؤالي.

القاضي مازح: كل انسان عنده شخصية.. القاضي صحيح انه يحكم استنادا للقوانين، لكنه ايضا لديه خلفية فكرية وثقافية او خلفية معينة لا يستطيع ان ينفصل عنها، انا في خلفيتي انني اريد ان اعمل الحق، اريد ان اذكر ما قاله علي الاكبر (ع) ابن الامام الحسين (ع) عندما قال له اننا مقبلين على الموت، قال له الست على حق، فقال له بلا، فقال اذن لن نبالي اذا وقعنا على الموت او وقع الموت علينا.. بالنسبة لي انا فعلت ما يمليه علي ضميري وقناعتي ورؤيتي للقانون، لأن الرؤية نسبية بالقانون، فمثلا هيئة متشكلة من ثلاث قضاة ممكن ان يكون قاضيين لهما موقف واحد وقاضي آخر يختلف عنهم، والقوانين تأتي كقواعد كلية، فممكن قاضي يفسر نص بطريقة وآخر يفسرها بطريقة أخرى، انا بالنسبة لي فعلت الحق ولست ابالي اوقعت علي العقوبات ام وقعت عليها.

س: برأيك وزارة الخارجية ستلاقي القاضي محمد مازح في منتصف الطريق من خلال استدعائها للسفيرة الاميركية ام سيكون هناك نوع من معالجة الامور بطريقة ما؟

القاضي مازح: كما ننادي بإستقلال القضاء فهذا الامر له وجهان، كما نحن لا نتدخل بعمل باقي السلطات، فوزارة الخارجية تابعة للحكومة وهم يقومون بعملهم وهذا شأنهم وانا اقوم بعملي.

س: سعادة القاضي دعنا نتكلم في المسار القضائي الذي ستشكله هذه القضية، كيف سيذهب هذا المسار وماذا تتوقعون من النتائج؟

القاضي مازح: طوال عمري اقول هذه العبارة انني اعمل بإحتراف، اي انني اصدر قراري، وعندما يتم الطعن بقراري أمام محكمة أعلى فهذا شأنهم، اي انني ليس لدي اي حساسية حتى لو فسخت محكمة الاستئناف قراري، مثل ما اني عملت واجبي، فمحكمة الاستئناف ترى ان هذا واجبها ورؤيتها للقانون، اما كيف سيسلك القرار طريقه، قراري صدر بصورة امر عريضة وهناك مجال للاعتراض عليه من قبل متضرر، السفيرة الاميركية ليس لديها الصفة لانني لم الزمها، من له صفة هي اي وسيلة اعلامية متضررة ممكن لها ان تقدم اعتراض امام محكمتي وبعد صدور القرار بنتيجة الاعتراض هناك مجال لاستئنافه وهناك مجال للطعن به تمييزا كمراجعة غير عادية.

س: بالنتيجة تتوقع وجود نتائج لهذا القرار، هل سنقف عند هذا القرار بمثابة انذار ام سنكمل باتجاه تحقيق او اعتماد السنة المذكورة بالقرار على كل المحطات ان لا تستقبل او لا تكون منبر لتصريحات هذه السفيرة؟

القاضي مازح: اجبت عن هذا السؤال بطريقة اخرى، تم تكليف رئيس القلم ان يبلغ وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام بأن يعمموا على وسائل الإعلام، ولحد الآن لم يتم تبليغهم، وننتظر الى يوم الثلاثاء بإعتبار اول يوم عمل، وبعد التبليغ انا ايضا لن اتحرك من تلقاء نفسي لان هذا القانون، المسألة ليس لها علاقة بالجرأة والشجاعة، القانون اذا احد متضرر بالقضايا المدنية خاصة، في القضايا المدنية الخصوم هم اسياد الدعوة وهم من يحركوها، بالقضاء الجزائي النيابة العامة هي التي تحرك الدعوة العامة، وهنا بما ان الدعوة تعتبر ضمن القضاء المني فأنا صدر قراري، واذا يتم مخالفة هذا القرار ولم يتم الاتزام به، فاي شخص يرى نفسه متضرر يمكنه مراجعتي، وان لم يراجع احد فليس بإمكاني اتخاذ اجراء آخر الا اذا راجعني أحد.

س: سأحاول ان انقل لك ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي او عبر بعض التصريحات لبعض القوات والمسؤولين في لبنان، البعض يقول بأن قرار القاضي محمد مازح هو قرار سياسي اكثر منه قرار قضائي، الى اي مدى صحيح هذا التوصيف؟

القاضي مازح: انا بالنسبة لي قرار قضائي قانوني، والآن الابعاد التي ممكن ان يأخذوها من يقولون هذا، فهذا شأنهم.. أنا بالنسبة لي القرار هو قضائي قانوني بإمتياز، ولكن هو واقعا له بعد سياسي لأنه يتعلق بسفير ولذلك فحتما سيأخذ ابعاد سياسية، وعندما يأخذون له الابعاد سياسية هنا سيؤخذ الموضوع الى الخلاف السياسي الموجود في البلد، الناس التي تجد نفسها ليست مع جهة السفيرة ستؤيد، والناس التي تجد نفسها مع السفيرة ستعارض وستندد، انا بالنسبة لي هذا لا يخصني، بالنسبة لي قراري قضائي قانوني بإمتياز مستند الى احكام القانون حسب رؤيتي انا لاحكام القانون، وعندما اخذت القرار لم اكن انظر للموضوع انه بسبب السفيرة الاميركية، انا نظرت الى الواقعة، عندما يقوم بها اي سفير فسأتخذ نفس القرار، وهي تعريض السلم الاهلي للخطر او اي مسائل تضر بمصلحة فريق من اللبنانيين فسأمنع الوسيلة التي تستضيفه، لا استطيع الزام السفير كما قلت وهذا ليس شأني ولا وظيفتي ولا اختصاصي، انا الزم الوسيلة الإعلامية بأن تمتنع عن اجراء مقابلة مع هذا السفير.

س: عبر شاشة قناة العالم اريدك ان توجه كلمة الى القضاء اولا والى الإعلام ثانيا وبالتالي القاضي محمد مازح سيستمر في هذا القرار الى ما لا نهاية ام ربما يتعرض لضغوطات وسيتراجع؟

القاضي مازح: كما قلت لكم، انا عملت قراري، وقراري ليس حبرا على وقع، (فيما يخص الانباء عن التهديد بتحويل القاضي الى التفتيش) لم يتصل بي احد من التفتيش لان يوم الاحد عطلة رسمية، واذا ما تم استدعائي بهذه القضية فانا اتشرف بأن اذهب الى التفتيش وهو مؤسسة قضائية، هناك عبارة اقولها بإستمرار الطعن بالقرار وليس بالقاضي، انا هذه رؤيتي للقضية.