عبد الباري عطوان: قسد تفتح أبواب جهنم!

عبد الباري عطوان: قسد تفتح أبواب جهنم!
الأربعاء ٠٥ أغسطس ٢٠٢٠ - ٠٦:١٣ بتوقيت غرينتش

الاتفاق الذي أبرمته ما تسمى بالإدارة الذاتية في شمال شرق سورية مع شركة أميركية (ديلتا كرسنت إنرجي) بشأن تطوير واستثمار حقول النفط السورية، بمباركة إدارة الرئيس دونالد ترامب، وترحيب واحتفال إسرائيلي، طعنة مسمومة في الظهر، ليس للحكومة والشعب السوريين، وإنما للأمة العربية بأسرها سيكون لها انعكاساتها السلبية على العلاقات العربية الكردية، وستشكل إحراجا لبعض القوى التي تتعاطف مع المظالم التاريخية للشعوب الكردية في المنطقة.

العالم - مقالات وتحليلات

هذا الاتفاق الذي جاء في إطار قانون "قيصر" التجويعي التفتيتي لسورية، يؤكد أن معظم القيادات الكردية لا تكن أي ود للعرب، ولا تتعلم من أخطاء الماضي ودروسها القاسية المذلة، وأبرزها الخذلان الأميركي الإسرائيلي المزدوج لهم، وتتحول دائما إلى أدوات في خدمة مؤامرات هذا الثنائي على الأمتين العربية والإسلامية.

***

لم تقدم أي دولة في المنطقة ما قدمته الدولة السورية للأكراد من دعم ومساندة طوال السنوات الخمسين الماضية تقريبا، والغالبية الساحقة منهم الذين يتآمرون حاليا على وحدة الأراضي السورية، وجدوا فيها الحاضنة الحنون عندما لجأوا إليها هربا من الاضطهاد التركي، وكان آخر حلقات هذا الدعم منح 300 ألف منهم الجنسية السورية قبل عشر سنوات فقط، وكان رد الجميل التعاون مع المؤامرة الأميركية الإسرائيلية واستغلال انشغال الجيش العربي السوري في الدفاع عن سيادة بلاده، واستعادة أراضيه، لسرقة النفط والثروات السورية والانخراط في هذه المؤامرة الخطيرة.

مظلوم عبدي قائد قوات سورية الديمقراطية (قسد) الذي وقع هذا الاتفاق بتحريض إسرائيلي وحماية أميركية، لم يقرأ التاريخ جيدا، وفصوله الأخيرة في العراق وأفغانستان على وجه التحديد، فقاعدة الشدادي الأميركية التي تضم 500 جندي التي تحمي الحقول النفطية السورية المسروقة، لن يكون مصيرها أفضل من نظيراتها في العراق التي تقلصت من 13 قاعدة إلى أقل من ثلاث، وباتت القوات الأميركية تهرب منها هلعا ورعبا من صواريخ وهجمات قوات المقاومة العراقية.

أميركا لا تملك حقول النفط السورية حتى تمنحها لعملائها في الإدارة الذاتية الكردية، وإذا كانت أولويات الجيش العربي السوري منشغلة حاليا في كيفية استعادة السيادة السورية على إدلب، فإن هذا لا يعني السماح لمؤامرة سرقة الثروات السورية وأراضيها الخصبة شرق الفرات بالمرور، ومثلما استعادت حلب وحماة ودير الزور والغوطة الشرقية وتدمر ستستعيدها حتما، فالمسألة مسألة أولويات، والتمسك بسياسة النفس الطويل، وتجنب فتح جبهات جديدة.

السيد مظلوم عبدي وزملاؤه في القيادة، يحتاج إلى من يذكره بأن المقاومة العراقية التي هزمت أكثر من مئة ألف جندي في العراق تدربت وتسلحت في معظمها من الدولة السورية، وتكونت من أبناء القبائل العربية الأصيلة، لن تعجز نظيرتها السورية التي ستتأسس قريبا جدا عن هزيمة 500 جندي أميركي في قاعدة الشدادي جنوب الحسكة.

القيادات الكردية في منطقة الحكم الذاتي ربما تنسى في ذروة احتفالها بالحماية الأميركية الإسرائيلية، والكعكة النفطية المغشوشة، أنها بمثل هذه الخطوة تستعدي قوى عظمى وإقليمية مثل روسيا التي كانت تقف دائما في خندق الأكراد، وتركيا الدولة الإقليمية الكبرى التي لا يمكن أن تقبل بكيان كردي في سورية، أو حتى في المريخ، وإيران زعيمة محور المقاومة إلى جانب القبائل العربية السورية التي تجسد الأكثرية في المنطقة النفطية المسروقة.

لا نستغرب، ولا نستبعد، أن تؤدي هذه المؤامرة الأميركية إلى عودة التنسيق السوري التركي لمحاربة هذه النزعات الانفصالية الكردية ليس في سورية وإنما في تركيا والعراق وإيران أيضا، والعداوات ليست دائمة، والمصالح المشتركة تتقدم على ما عداها في معظم الأحوال، وما دائم إلا وجه الله سبحانه وتعالى.

***

أراضي شرق الفرات وثرواتها النفطية هي ملك للشعب السوري، وليس للدولة أو الحكومة السورية فقط، وهذا الشعب العربي الأصيل لن يفرط بثرواته وقوت أبنائه وسيقاوم الاحتلال الأميركي ومن يستظلون بمظلته مثلما قاوم الاحتلالين التركي والفرنسي ويقاوم حاليا العدوان الإسرائيلي.

نعم.. لصوص تسرق، ولصوص تشتري، وسيأتي يوم قريب سيدفع فيه الجميع ثمن جرائمهم، وستعود المسروقات كاملة إلى أصحابها، مثلما عادت مثيلاتها في القارات الإفريقية والآسيوية والأميركية الجنوبية، "فالعظمة" الأميركية تتآكل، والغطرسة الإسرائيلية تتحول إلى حالة من الرعب والهلع بسبب صواريخ المقاومة ورجالها.. وستعود سورية عزيزة مهابة بعد هزيمة المؤامرة.. والأيام بيننا.

* عبد الباري عطوان