حكومة الوحدة الوطنية في لبنان؛ خطوة تراجعية أم مرونة واقعية؟

حكومة الوحدة الوطنية في لبنان؛ خطوة تراجعية أم مرونة واقعية؟
الإثنين ١٠ أغسطس ٢٠٢٠ - ٠٨:٤٤ بتوقيت غرينتش

لقد أوجد انفجار المرفأ تغيرات سياسية ملحوظة في الواقع السياسي اللبناني تمثلت في الانفتاح والتضامن الدولي مع لبنان، لا سيّما الغربي منه، مع توقع راجح لتخفيف إجراءات الحرب الاقتصادية الأمريكية عليه، وفي دعوة الرئيس الفرنسي الى ميثاق سياسي جديد في لبنان، مقترنة بدعوة رئيس الحكومة اللبنانية السيد حسان دياب الى انتخابات نيابية مبكرة وتحديد مهلة شهرين للقوى السياسية من أجل التوصل الى اتفاق سياسي.

العالم - لبنان

وكثرت التحليلات وتعددت المواقف التي تطالب بولادة حكومة وحدة وطنية، كسبيل للخروج من الأزمة الاقتصادية في لبنان، معتقدة بتحلي المقاومة بالقدر الكافي من المرونة لتستجيب لذلك، حفاظاً على السلم الأهلي وتخفيفاً للحظر الاقتصادي الأمريكي عليه، وتركيزاً لإنجاز النصر على الساحة الإقليمية الذي ستكون له إسقاطاته الإيجابية على الساحة المحلية.

وإذا ما استقرأنا بشكل موجز الظروف البيئية المحيطة بلبنان لوجدنا ضيق الوقت لدى الأمريكي للتفرغ لأزماته الثلاثة الصحية والعنصرية والانتخابات الرئاسية، مشفوعاً بضعف الأوروبي وضرورة تركيز جهوده نحو أزمته الصحية التي تحولت الى أزمة كيانية له وأزمة اقتصادية.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار القرار الاستراتيجي الأمريكي بالانسحاب، أو تقليل تخصيص الموارد الأمريكية للمنطقة من أجل التفرغ لمواجهة الصين في شرق آسيا، إضافة الى الهزيمة العسكرية التي مني بها التحالف الأمريكي بعد فشله في تحقيق أهدافه في العراق واليمن وسوريا، وعدم قدرته على استعادة زمام الحكم في لبنان مع انكشاف أدواته الغارقة في الفساد، وعجزه عن إيقاف تطور المقاومة كماً ونوعاً أو تغيير معادلة الردع التي أرستها مع العدو الصهيوني.

لرأينا أنه من الأفضل اعتماد سياسة الحزم من قبل محور المقاومة وما تدعو اليه من المضي قدماً في محاربة الفساد في لبنان، وإخراج الأمريكي من العراق، وإيجاد السياسات البديلة التي تنفتح على الشرق، وتواجه قانون قيصر على سوريا والحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا على دول المحور، وعدم استشعار الضعف أمام صراخها الإعلامي وادعاءاتها الفارغة.

فحكومة الوحدة الوطنية في لبنان تعدّ خطوة تراجعية الى الخلف، لأنها تعني إعادة الكرة مع الفاسدين التابعين للأمريكي الذين أرهقوا البلد بالدّين ليضعف وتُتّهم المقاومة بإضعافه، بعد أن يكونوا قد ضربوا حاضنتها بالجوع ليسهل عليهم تطويقها.

فالمرونة في ظل هذه الظروف البيئية المؤاتية غير محبذة، بل الحزم والجرأة والسرعة والمبادرة للسير بخيارات تكسر القيد الاقتصادي الأمريكي، فالموقف لا يتطلب انحناء أمام عاصفة، إذ أن العاصفة هي في جزء أساسي منها إعلامية تبالغ كثيراً في تصوير التهديدات الاقتصادية والأمنية التي شرعنا في مواجهتها بعزم وإرادة وحسن تخطيط، والأمر يتطلب القليل من الصبر، والفرصة مؤاتية ونقاط القوة حاضرة.

وما الحكومة بوظائفها ووزرائها إلا وسيلة للوصول الى الأهداف الكبرى للدولة، فإن ذهبت حكومة بالاستقالة، يجب أن تأتي أخرى محلّها محافظة على النهج المرسوم سابقاً للوصول الى الأهداف نفسها.

فهل نشهد قريباً خيبة أخرى للتحالف الأمريكي في الميدان الاقتصادي والسياسي، وتنفيذاً عملياً لخيارات التوجه شرقاً، ومحاربة الفساد في لبنان، وتحويلاً مثمراً للتهديد الاقتصادي الأمريكي الى فرص اقتصادية وسياسية لمحور المقاومة في لبنان والمنطقة.

* علي حكمت شعيب
أستاذ جامعي