بعد التصعيد التركي مع اليونان.. ماذا عن ادلب؟

بعد التصعيد التركي مع اليونان.. ماذا عن ادلب؟
الخميس ١٠ سبتمبر ٢٠٢٠ - ٠٤:٢٣ بتوقيت غرينتش

مع الاهتمام الإقليمي والأوروبي والأميركي بالتوتر التركي مع اليونان، والذي لا يمكن فصله عن سياسات أنقرة في سوريا وليبيا وشرق الأبيض المتوسط عموماً، نجح رجب طيب إردوغان في إبعاد الأنظار عن قضية إدلب والتواجد التركي عموماً في سوريا.

العالم - مقالات وتحليلات

فلم يعد أحد يتحدث عن إدلب أو التواجد التركي شرق الفرات وغربه، مع استمرار التعزيزات العسكرية التركية في كل المناطق وبشكل خاص في إدلب وجوارها، وكأن أنقرة لن تغادرها أبداً.

كما نجح إردوغان في ترسيخ التواجد العسكري والإستخباري والشعبي في ليبيا عبر الآليات التي أقامتها أنقرة هناك خلال السنوات الأخيرة، وبشكل خاص بعد التوقيع مع فايز السراج على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين.

ويفسر ذلك اعتراض أنقرة على موافقة السراج المفاجئة على الاقتراح الأميركي – الألماني لوقف إطلاق النار في ٢١ اب/أغسطس الماضي والتخطيط لانتخابات عامة في اذار/مارس المقبل. وأدى ذلك إلى توتر جدّي بين السراج ووزير داخليته فتحي باش آغا المحسوب على أنقرة، باعتبار أنه من أصول تركية ومدعوم من أهم الفصائل المتطرفة وغير المتطرفة التي تتبناها تركيا، وأهمها مجموعة عبد الحكيم بلحاج الذراع التركية في ليبيا.

وزاد في الطين بلة قبول السراج دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون لزيارة باريس، في الوقت الذي اتهم فيه وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو فرنسا بالوقوف خلف كل المؤامرات التي تستهدف تركيا في المنطقة.

هذا الأمر قد يكون صحيحاً بعد أن كلّف ماكرون رئيس استخباراته “برنارد ايميه” بالملف اللبناني بما له من ارتباطات معقدة بالملفين السوري والعربي عموماً، حيث سبق لايميه أن عمل سفيراً في بيروت وبعدها في أنقرة، وهو يتكلم التركية وكان مسؤولاً عن إدارة شمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية، وهي المنطقة التي يوليها إردوغان أهمية خاصة لما لها من علاقة متشابكة بحساباته العقائدية، ومن خلالها الاستراتيجية التي تحمل في طياتها ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية.

وإلا لما تحدّث إردوغان عن مليون ليبي من بقايا الحكم العثماني، وقال إنهم سيستمرون في تقديم الدعم لهم بشتى الوسائل وفي جميع المجالات. وتتحدث المعلومات باستمرار عن تبني أنقرة لتعليم وتدريب وتأهيل الالاف من الليبيين في الجامعات التركية وجميع المؤسسات والمرافق والأجهزة التركية، بما فيها الجيش والاستخبارات والأمن وغيرها. وتريد أنقرة لهؤلاء أن يكونوا الآن ومستقبلاً ذراع تركيا الطويلة في ليبيا، وعبرها في الشمال الأفريقي عموماً وهو ما تفعله في سوريا أيضاً.

فقد قدّمت وتقدّم أنقرة كافة الخدمات والتسهيلات المجانية للاجئين السوريين وعددهم نحو 3.5 مليون شخص، كما منحت الكثيرين منهم الجنسية التركية بعد أن قامت بتوظيف وتسليح وتدريب وتمويل الالاف من السوريين الذين جمعت فصائلهم تحت راية ما يسمى “الجيش الوطني” الذي يشرف عليه جنرالات أتراك كما يشرف مسؤولون أمنيون وإداريون على كل الفعاليات التركية في الشمال السوري شرق الفرات وغربه.

واعتبر البعض من الجنرالات الأتراك المتقاعدين هذه المعطيات إشارات واضحة إلى نية ورغبة وعزم إردوغان على البقاء في سوريا وليبيا كما هو الحال في الشمال العراقي، حيث أقام الجيش التركي خلال الشهرين الماضيين نحو عشر قواعد بعد توغّله في المنطقة بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وهم الآن أساساً في شمال شرق سوريا بدعم من الرئيس ترامب الذي قال عنهم إنهم حلفاء أميركا، ويقدّم لهم كافة أنواع الدعم السياسي والمالي والعسكري.

وسط المعلومات التي تتوقع لترامب أن يعلن الشهر المقبل عن مبادرة جديدة تحمل في طياتها الاعتراف رسمياً بـ “قسد” بشقيها العربي والكردي. وهو ما لن تستطيع أنقرة الاعتراض عليه حتى لا يكون ذلك استفزازاً لترامب الذي يستعد لاتخاذ مواقف أكثر عملية في التضامن مع قبرص واليونان، وذلك في إطار التنسيق والتعاون مع ماكرون.

ويتحدث بدوره وفق الأجندة الأميركية التي يريد لها ترامب أن تخدم المصالح الإسرائيلية حتى الرمق الأخير من حكمه. ويفسر ذلك المصالحة التي حققها ترامب بين “إسرائيل” والإمارات وبعدها بأسبوع بين كوسوفو وصربيا، وقررت الأولى إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب فيما قالت الثانية إنها ستنقل سفارتها إلى القدس قريباً.

ولكلتا الدولتين علاقات جيدة مع الرئيس إردوغان الذي يرى في الإمارات العدو الأكبر مع استمرار الحرب الإعلامية بين الطرفين. في الوقت الذي تتحدث فيه المعلومات عن مفاجأة محتملة قد يعلن عنها ترامب لإنهاء الأزمة الخليجية وتحقيق المصالحة بين كل من السعودية والإمارات والبحرين مع قطر حليفة تركيا الوحيد في المنطقة. فقد أرسلت أنقرة قواتها إلى الدوحة لحماية الأمير تميم من أي عدوان سعودي – إماراتي في حزيران/يونيو 2017 في الوقت الذي تموّل فيه قطر كل الفعاليات التركية العسكرية منها والاستخبارية ذات الطابع الإخواني الذي كان حكراً بيد آل سعود، إلى أن قررت واشنطن تسويق تجربه العدالة والتنمية في المنطقة العربية.

واعتبر الغرب هذا الحزب بعد استلامه للسلطة نهاية 2002 نموذجاً مثالياً في بلد إسلامي ديمقراطي علماني، ودعا الأحزاب الإسلامية للاستفادة منه بعد أن بايعت هذه الأحزاب الرئيس إردوغان الذي استنفر كل إمكاناته لدعم إسلاميي المنطقة، بعد ما يسمى الربيع العربي. واستغل إردوغان هذا الربيع وبدعم من جميع الدول العربية (بما فيها السعودية والإمارات وقطر) والدول الاوروبية وأميركا، فحقق لتركيا تفوقاً عسكرياً وعقائدياً ونفسياً في المنطقة العربية كما نجح في الاستفادة من تناقضاتها، التي أتاحت له الفرصة ليصبح صاحب الكلمة الأهم التي ستقرر مصير سوريا وليبيا والعراق والصومال، وربما دول عربية أخرى بشكل مباشر وغير مباشر.

ما يعني وسيعني أن إردوغان وإلى أن تقرر واشنطن عكس ذلك، لن يخرج من سوريا والعراق وليبيا طالما “أنه قام بكل ما قام به وخاصة تدخله في سوريا بناء على أوامر من واشنطن التي قالت له اذهب ودمر سوريا”، والقول هنا لزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار اوغلو (3-9-2020).

ويفسر ذلك تجاهل أميركا لكل ما قامت وتقوم به تركيا بشكل مباشر أو غير مباشر في سوريا والعراق وليبيا والصومال ودول المنطقة طالما هي عربية ومستهدفة من هذا الغرب حامي حمى الكيان الاسرائيلي. فيما لا ولن يسمح هذا الغرب لتركيا بالقيام بأي عمل عسكري مباشر ضدّ اليونان “مهد الحضارة الاغريقية والديمقراطية الغربية” إلا في الإطار الذي يخدم أجنداته، كما فعل عندما سمح لتركيا بالتدخل العسكري في قبرص في 24 تموز 1974، فيما بقيت القواعد البريطانية في الجزيرة لحماية المصالح الإمبريالية والصهيونية.

وتستمر القواعد في مهمتها هذه بالتنسيق والتعاون مع واشنطن المستفيد الأكبر من مجمل سياسات أنقرة في المنطقة، وتريد لها أن تؤدي لتقسيم سوريا والعراق وليبيا ومن خلالها جميعا تدمير لبنان ومصر وتونس وباقي الدول العربية. وتحوّلت جميعها ومعها إلى ضحية مشتركة لمؤامرة ما يسمى الربيع العربي، وما نتج منه من انهيارات خطيرة في الدول والمجتمعات العربية، مع استمرار الرئيس إردوغان في سياساته الحالية التي يقول هو إنه لن يتراجع عنها أبداً، طالما أنه يسعى لإحياء ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية والغرب يراقب!

الميادين– حسني محلي