عطوان يوضح..

كيف أوقع كوشنر المنامة في المصيدة مبكرا؟

كيف أوقع كوشنر المنامة في المصيدة مبكرا؟
الإثنين ١٤ سبتمبر ٢٠٢٠ - ٠٤:٢٢ بتوقيت غرينتش

في أواخر عام 2006 و2007 نشرت وكالة ويكيليكس آلاف الوثائق الأمريكية، كان من ضمنها وثيقة، تقول إن السفير الأمريكي في المنامة آدم آرني التقى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ليقدم له الشكر على جهود نجله ولي العهد في الانفتاح على "إسرائيل"، وكتابة مقال في أحد صحفها يشرح فيه مبادرة السلام العربية ويحث الإسرائيليين على دعمها.

العالم- البحرين

الملك حمد رد على السفير قائلا: “هل طالعت مقال عبد الباري عطوان الذي انتقدنا على هذه الخطوة، وما جلبت علينا من انتقادات عربية أخرى وجدت صدى لدى الشعب البحريني”.

العديد من الجهات، من بينها السلطة الفلسطينية المطبعة مع دولة الاحتلال وقعت في مصيدة المسؤولين الغربيين، من بينهم توني بلير، المبعوث الدولي للشرق الأوسط وعراب اتفاقات التطبيع الحالية، الذين طالبوا العرب بالكتابة في الصحافة الإسرائيلية للوصول إلى الرأي العام الإسرائيلي مباشرة، بعيدا عن حكومته اليمينية المتشددة، وقد نشرت أطراف عديدة ترجمات للمبادرة المذكورة في معظم الصحف الإسرائيلية في إعلانات مدفوعة وبأرقام مالية فلكية، وتبين لاحقا أن الهدف من هذه الحملة الإعلانية هو بداية التطبيع الإعلامي والسياسي والتخلي عن هذه المبادرة.

ها هي السلطات البحرينية التي استضافت اجتماع تشريع صفقة القرن على أراضيها برئاسة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي تقدم على أكبر عملية تطبيع مجانية، وتتحدى شعبها ومؤسساتها الدستورية، وتفك ارتباطها مع القضية الفلسطينية، وربما مع العروبة والإسلام، وتقف في الخندق الإسرائيلي، وتستعد لكي تكون الدولة الثانية إلى جانب الإمارات التي ستوقع “اتفاق سلام” مع دولة الاحتلال في البيت الأبيض الثلاثاء المقبل.

إنه ليس اتفاق سلام، وإنما “سلام مقابل الحماية”، والدخول في تحالف عسكري وأمني استراتيجي يتوج نتنياهو زعيما على الخليج "الفارسي" والجزيرة العربية، وإدارة الظهر بالكامل لثوابت الأمتين العربية والإسلامية.

حكومة البحرين التي اختارت أن تقف في الخندق الإسرائيلي دون مقابل، لم تطعن القضية الفلسطينية بخنجر مسموم آخر فقط، وإنما طعنت شعبها أيضا، هذا الشعب الوطني الأصيل الوفي لعروبته وقضايا أمته، عندما خدعته قبل أقل من أسبوع وادعت تمسكها بمبادرة السلام وقيام الدولة الفلسطينية عاصمتها القدس في تعليقها على الاتفاق الإماراتي، لنكتشف بعدها أنها عقدت العزم على توقيع اتفاق سلام مماثل، والأكثر إهانة أن جميع الشعب البحريني سمع بموقف حكومته الخياني من واشنطن وتل أبيب، وعلى لسان ترامب وليس من حكام بلاده.

تخطئ الأسرة الحاكمة في البحرين، وكل الأسر الحاكمة الأخرى في الخليج "الفارسي"إذا اعتقدت أنها ستكون أكثر أمنا بعد توقيع هذا الاتفاق، بل ما يمكن أن يحدث هو العكس تماما، لأن إسرائيل لن تستطيع حماية نفسها حتى توفر لهم الحماية، ولا بد من التذكير أنها، أي إسرائيل، خرجت مهزومة من جنوب لبنان، ومن قطاع غزة، وتخلت عن جميع عملائها الذين تعاونوا معها، وسعيد الحظ منهم من فتح مطعما للفول والفلافل في أزقة تل أبيب.

فإذا كانت هذه الأسرة تخشى من إيران، بسبب سقوطها في مصيدة الشيطنة الإسرائيلية والأمريكية، فإن الخطر الإيراني إذا كان موجودا، سيزداد لأنها قدمت الذخيرة التي لم تحلم بها طهران بعد إقدامها على هذه الخطوة، بالإضافة إلى إضفاء مصداقية أكثر على مطالب المعارضة البحرينية العادلة بالديمقراطية والعدالة، والشراكة في الحكم.

لا نفهم كيف تقدم حكومات خليجية على هذه الاتفاقات الخطيرة، وتتحول إلى أدوات في خدمة مخططات الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وتجعل من أراضيها ميدانا لحروب مستقبلية، ضد إيران وغيرها دون أن يكون لها فيها ناقة أو جمل.

دخول هذه الحكومات في التحالف الجديد سيجعلها وكل بناها التحتية هدفا لقصف إيراني في أي حرب قادمة، خاصة أن دولة مثل البحرين لا تبْعد إلا بضعة كيلومترات من اليابسة الإيرانية على الشاطئ الآخر من الخليج "الفارسي".

إنها مقامرة خطرة، تقدم كل هذه الهدايا التطبيعية لرئيس أمريكي نجاحه غير مضمون في الانتخابات الرئاسية بعد أقل من شهرين من الآن، ويتقدم عليه خصمه بأكثر من عشر نقاط.

والأهم من كل ذلك أن الشعب البحريني، بكل مذاهبه توحد في معظمه رفضا لهذا التطبيع، وأكد وقوفه في خندق أشقائه الفلسطينيين ونضالهم العادل من أجل استعادة أراضيهم المحتلة.

السلطات البحرينية ربما تكسب ترامب وصهره كوشنر وكبيرهم الذي علمهم السحر نتنياهو، ولكنها ستخسر الغالبية من شعبها العربي الأصيل الذي لا يمكن أن يخرج من جلده، وكذلك ستخسر احترام معظم الشعوب العربية والإسلامية.. والأيام بيننا.

عبد الباري عطوان

راي اليوم