عقد على 'انتفاضة البحرين': وصْفة آل خليفة لمأسسة القمع

عقد على 'انتفاضة البحرين': وصْفة آل خليفة لمأسسة القمع
الثلاثاء ١٦ فبراير ٢٠٢١ - ٠٢:٢٩ بتوقيت غرينتش

نشرت صحيفة «الأخبار» اللبنانيّة تقريرًا خاصًا حول مرور عشر سنوات على ثورة الرابع عشر من فبراير، عنوان «عقد على انتفاضة البحرين: وصفة آل خليفة لمأسسة القمع».

العالم- البحرين

وشارك في كتابة تقارير الملف عدة شخصيات بحرينية، النائب السابق عن كتلة الوفاق المعارضة «علي الأسود»، رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان «باقر درويش»، الناشط السياسي «يوسف ربيع»، والصحفي البحريني «حسن قمبر».

وقال النائب السابق «علي الأسود» في مقاله إن الآلاف من أبناء الشعب البحريني، خرجوا في الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011، وكانوا يأملون أن يعودوا إلى منازلهم وحلم «وطن للجميع» قد تحقق، ولم يتوقعوا أن ينتقل حلمهم هذا خارج الإطار الجغرافي لجزيرتهم، وعندما عادوا إلى بيوتهم، وجدوا أنه أصبح إقليميًا، ومن ثم دوليًا.

وأشار إلى أن دخول قوات «درع الجزيرة» إلى البحرين، كان لها دور رئيسي في سحق الحراك، بمعية عناصر قوة دفاع البحرين.

ولفت إلى أن البحث الخارجي في الشؤون المحلية الشعبية المطلبية، كان ناتجًا من قلق الزعماء العرب من انتقال حالة سقوط الزعامة، كما حدث في مصر، في حين لم تتوانَ المعارضة، بشقيها السياسي والحقوقي، عن إبراز قضية شعب البحرين ومطالبه المشروعة في المحافل الدولية، وكانت أبرز الملفات المناقَشة، توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.

وأكد أن المجتمع الدولي تفاعل مع ملف البحرين في السنوات الخمس الأولى التي تلت انطلاق الحراك الشعبي، قبل أن تعمل السلطات على تضليل الرأي العام، عبر الإعلام الرسمي والخارجي، من خلال إيهامه بوجود حوار مع المعارضة.

وأشار إلى أن السلطات حاولت نقل المعركة إلى الداخل مجددًا، بهدف إحكام السيطرة على المعارضة، وخاصة بعدما كشفت الحقائق على الساحة الدولية، حيث عملت على شطب المعارضة بشكل تدريجي من المشهد السياسي، فحلت جمعيتي «الوفاق» و«وعد»، وحاصرت كل الأصوات المعارضة، واعتقلت النشطاء الحقوقيين والإعلاميين.
ولفت إلى أنه مع وصول الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» إلى البيت الأبيض، ازداد الأسلوب الأمني الرسمي شراسة، بعدما أعطى الضوء الأخضر للسلطات في البحرين لإنجاز المهمة الصعبة، فتم العمل على وأد المطالب الشعبية، ما أدى إلى فقدان الوصول إلى حوار جاد بين السلطات والمعارضة.

وأكد أن الإرادة الرسمية الحقيقية لإحداث تحول ديمقراطي كانت غائبة، وذلك على مستوى الأدوات التشريعية المنقوصة الصلاحيات، كمجلسي النواب والشورى، في حين برز عدم وجود رغبة خليجية في توسيع دائرة المعارضة المطالبة بالملكية الدستورية، في وقت كان للعداء بين أمريكا وإيران الأثر الأساس، إذ جرى تنميط مطالب شعب البحرين بالغطاء الديني المذهبي، وهو ما نفاه تقرير «بسيوني».

وأشار إلى أن هذه العوامل مجتمعة، تطرح إشكالية ما إذا كان هناك إمكانية لتسوية ملف البحرين من دون رغبة إقليمية، حيث إن العناصر المشتركة للحل السياسي في البحرين، تتصارع على النفوذ في المنطقة، وهو ما يؤخر أمل البحرينيين في بلد تسوده مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقال رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان «باقر درويش»، إن نظام «آل خليفة» سعى خلال سنوات الانتفاضة العشر، بكل جهده إلى مأسسة عملية القمع، حتى أضحت شاملة ومتجذرة ومحيطة بالحراك من المنافذ كافة، بالتوازي مع عمل حثيث على تصعيد مسار التطبيع، وصولًا به إلى المرحلة العلنية، حيث يريد النظام بلوغ مستوى «الأسرلة والتهويد»، كوسيلة لبقائه بوجه الرفض الشعبي المستمر له.

وأشار درويش إلى التحديث السلطوي لآليات القمع السياسي منذ عام 2011، حيث تكاد تكون البحرين الدولة الأولى خليجيًا في كم التقارير الحقوقية التي توثق الانتهاكات الجسيمة فيها، ولكنها تمتاز أيضًا بوسائل الالتفاف والتحايل على كل ما يصدر من إدانات دولية، في الوقت الذي تعمل فيه على الانتقال بواقع البحرين إلى دولة أمنية بشكل مؤسساتي.

وأضاف أنه منذ صدور تقرير بسيوني عام 2011، تشتغل السلطات الرسمية على تطوير منظومة القمع السياسي، فعمدت إلى استصدار عدد من التشريعات، من أجل تحقيق بعض الأهداف، كقيامها بتغليظ العقوبات ضد السجناء السياسييين، مثل أحكام الإعدام في قانون القضاء العسكري، وتوفير الغطاء القانوني لبعض الانتهاكات، مثل الاختفاء القسري، من خلال قانون الإرهاب.

ولفت إلى استحداث السلطات نيابة الجرائم الإرهابية، والتي كانت بمثابة عودة إحياء قانون أمن الدولة، لا سيما بتعيين أحد الضباط المتهمين بالتعذيب في تسعينيات القرن الماضي، رئيسًا لها، فضلًا عن تحويل القضاء إلى مسرح لسياسة الإفلات من العقاب.
وأشار إلى أن السلطة عمدت إلى التدرج في كتم أنفاس المعارضة السياسية في الداخل، حيث عمدت إلى تحريك الدعاوى القضائية، التي تخللتها قرارات بإيقاف نشاط الجمعيات بشكل مكرر، كما لجأت إلى الخيار الأكثر خطورة، بتشريع قانون العزل السياسي قبل انتخابات 2018.

ولفت إلى أن جهاز الأمن الوطني اعتمد وسائل مثل التعذيب والتحرش الجنسي والصعق الكهربائي في غرف التحقيق، واستهداف المصالح الشخصية للنشطاء، والمنع من السفر، وتم تزويد المؤسسات التي أنشأتها السلطات، مثل «الأمانة العامة للتظلمات» أو «وحدة التحقيقات الخاصة» أو «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان»، بالدعم المالي المفتوح، من أجل استصدار تقارير مضللة حول الواقع الحقوقي.

وأكد أن مراكز الاحتجاز في البحرين تحولت إلى ساحة من ساحات الانتقام السياسي، حيث عمدت إدارة السجون إلى رهن الحقوق الدنيا للسجناء، كأداء الشعائر الدينية، في حين كان المرسوم الملكي الصادر بحق الأوقاف الجعفرية، هو التحديث الأخير لمسلسل القمع، حيث وسع من صلاحيات مجلس الإدارة الخاضع لإرادة الديوان الملكي، ووضع الهيئات الوقفية تحت هيمنة القرار السياسي الرسمي، بخلاف مقررات الفقه الجعفري.

وقال الناشط السياسي البحريني «يوسف ربيع»، إن في البحرين أقلية تحكم أغلبية، وهو توصيف لا علاقة له بالانتماء الطائفي للمشاركين في الحراك عام 2011.

وأكد ربيع أن في البحرين صنوف شتى من الانتهاكات والتعديات المدونة في الصكوك الدولية، حيث تعيش وضعًا إنسانيًا وسياسيًا مخيفًا في ترديه، لخصه التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية، وعنوانه «البحرين.. سحق الإصلاح بعد عشر سنوات من الانتفاضة».

ولفت إلى أن هناك مخططًا هيكليًا متواصلًا من القمع السياسي الذي يستهدف قطاعات واسعة من المواطنين، ويوازيه استبداد منقطع النظير في إدارة الدولة، إضافة إلى التمييز الطائفي في الوظائف الحكومية والمزايا، والعزل السياسي للمعارضين من المشاركة في الحياة العامة، وهدر الحريات الدينية والصحفية، وأضاف أنه لم تكن ثمة وصفة جاهزة للسحق أكبر من سحق المعنويات واستبدال معالجات مشحونة بها، بتقسيم المجتمع بشكل عمدي، وتجريف رمز الثورة الشعبية وأيقونتها «دوار اللؤلؤة».

وأكد أن التدخل العسكري السعودي غير القانوني في البحرين، هو بسبب القلق من انتقال عدوى المطالبات بالمشاركة السياسية إلى السعودية، وهو أمر محرم في عقيدة هذه الأُسر الحاكمة، وأكد أن قرار الانقضاض على تجمع «دوار اللؤلؤة» لم يكن فرديًا، حيث إن المسألة تكشف تخادمًا بين أطراف متشددة في الحكم، ونظرائها في أنظمة الخليج (الفارسي)، وبالتحديد في السعودية والإمارات.

وأضاف أن قوات «درع الجزيرة» التي دخلت يوم 15 مارس/ آذار 2015، تورطت جنبًا إلى جنب عناصر العسكر في البحرين، في انتهاكات جسيمة بحق المتظاهرين، في الدوار وفي المناطق والبلدات التي تمت محاصرتها، وتم التنكيل بالمواطنين، وإشاعة الرعب في طرقاتها، ولفت إلى أن هذه التدخلات العسكرية، كانت لها انعكاسات مميتة في إعاقة حصول البحرينيين على مطالبهم السياسية والدستورية، مما زاد في تعقيد الأزمة وبقائها من دون حل لعقد من الزمن.

وشدد على أن «سكاكين العسكر» فعلت فعلتها في أناسٍ عزل، ليس لهم إلا قبضات أيديهم وصرخات حناجرهم، وأكد أن هذه المعالجات الأمنية تشكل ضربة قاسية في خاصرة المُنادين بالديمقراطية، لكنها لن تميتهم، لأن الشعوب هي الباقية.

ولفت إلى أن الحراك الشعبي البحريني، كان الأكثر تعرضًا للاغتيال من الإعلام العربي الملوث بالسياسة والطائفية، ففي الوقت الذي امتلأت شاشات الإعلام بتغطية الثورات في تونس ومصر واليمن، وما حدث في سوريا، فإنه في البحرين انقلبت الصورة وانعكست تمامًا، فلا أثر للحراك الشعبي على شاشات القنوات العربية الإخبارية المشهورة، ولو حدث ذلك، سيكون حضورًا مسيسًا وخبيثًا، باعتبار الحدث إرهابيًا وعنيفًا، بخلفيات طائفية ضد المجتمع والدولة.

وأكد أنه بعد عشر سنوات من الأزمة السياسية، بات عليه أن يمتثل للمرجعيات التي تَوافَق عليها مع الشعب، وفي مقدمتها «ميثاق العمل الوطني»، الذي يُفترض أنه رسم صورة البحرين السياسية والدستورية الجديدة- على حد قوله.

وأشار الصحفي البحريني «حسن قمبر» في مقاله أن الشعب البحريني خرج في 14 فبراير/ شباط 2011، للمطالبة بالعقد الدستوري بين الحاكم والمحكوم، الذي انقلب عليه حاكم البلاد، ليكون الرد في صورة قمع وحشي، وليقول «لا عقد لكم عندي، ولا عهد بيني وبينكم».

ولفت إلى أن السنة الأخيرة، حملت في روزنامتها خلاصة الأعوام العشرة السابقة، من متغيرات على المستوى الشعبي، وعلى مستوى «القصر الملكي»، وقراراته على الصعيدين الداخلي والخارجي، وما يدور في أروقة بيت الحكم.

ولفت إلى أنه بعد وفاة رئيس الوزراء السابق وعم حاكم البحرين، وتولي نجل الأخير زمام أمور ولاية العهد ورئاسة الوزراء، علق البعض آمال التغيير على هذا التحول، وعلى بدء مرحلة جديدة من المصالحة السياسية، حيث كان رئيس الوزراء السابق يُعد «زعيم مرحلة أمن الدولة» وأحد أبرز مؤسسي «القبضة الحديدية الأمنية»، وخصمًا شرسًا لزعيم الجناح المتشدد في العائلة الحاكمة «المعروف بالخوالد»، وهو وزير الديوان الملكي «خالد أحمد الخليفة ومن يتبعه».

وأضاف أن ذلك لا يعني انتهاء صراع العروش، إذ يجب على ولي العهد، مضاعفة جهوده لمواجهة وزير الديوان مجددًا، بعد أن مثل الأخير حجر عثرة أمام تمدد صلاحيات رئيس الوزراء الراحل وهيمنته.

وأشار إلى أن أبرز استراتيجيات النظام في مواجهة الحراك الشعبي كانت الاتجاه نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني عبر مختلف القنوات، وتعدد أوجه التعاون اللوجستي معه أمنيًا واقتصاديًا، ثم الانتقال بشكل متسارع إلى المستوى الدبلوماسي.

وفند المراحل التي مر بها التطبيع، من اللقاءات التي جمعت حاكم البحرين وحاخامات يهود متطرفين في منتصف تسعينيات القرن الماضي في نيويورك، إلى جهود التقارب التي قام بها وزير الخارجية السابق «خالد أحمد الخليفة» ونظيرته في الكيان «تسيبي ليفني»، وصولًا إلى التمهيد الآن لتهويد المجتمع البحريني تدريجيًا، بعد توقيع «عقد التطبيع»، مع الإشارة إلى دور سفيرة المنامة السابقة في واشنطن «هدى نونو»، رغم تحركها خلف الكواليس.

ولفت إلى اختلاف آليات التمهيد للتطبيع، لكن النتيجة والأهداف واحدة، حيث لم تكن اللقاءات وغيرها من صور «البروتوكول الدبلوماسي»، إلا ستارًا «للبروتوكول الفعلي»، لإنجاح العملية بشكلها الحالي.

باقر درويش - الاخبار اللبنانية