هل يؤدي انخفاض تعداد سكان الصين إلى إحداث تغيرات إيجابية على المناخ؟

هل يؤدي انخفاض تعداد سكان الصين إلى إحداث تغيرات إيجابية على المناخ؟
الأحد ١٦ مايو ٢٠٢١ - ٠٦:١٩ بتوقيت غرينتش

لم يدرك العالم بعد طبيعة التحول الهائل الذي سيحدث في الوقت الذي يبدأ فيه تعداد سكان الصين في الانخفاض.

العالم - منوعات

إذ إن ذلك الحدث الذي طال انتظاره لم يقع في عام 2020، وفقا للبيانات الرسمية، لكن من الممكن أن يحدث قريبا.
وقال بيتر أورسج، رئيس مجموعة الحلول الاستراتيجية المالية في مجموعة سيتي جروب وزميل مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في تقرير نشرته وكالة "بلومبيرج" للأنباء، إنه من منظور المناخ، يعد تراجع تعداد السكان خبرا سارا، لأن عددا أقل من الناس يعني انخفاض الانبعاثات.
وكما هو الوضع بالنسبة لعديد من حالات عدم اليقين المحيطة بمستقبل كوكب الأرض، من الصعب التنبؤ بالتأثير الدقيق للكربون جراء انخفاض عدد السكان، فهل حقا سيسهم في إحداث تغير إيجابي على المناخ، وفقا لـ"الألمانية"؟.
ويلاحظ أن سكان الصين يشيخون بوتيرة سريعة، وكان صانعو السياسة في البلاد يحدوهم الأمل في أن يؤدي وقف تطبيق سياسة الطفل الواحد في عام 2016 إلى تشجيع مزيد من المواليد.
غير أن معدل المواليد في الصين لم يرتفع ولا يزال أقل بكثير من المستوى المطلوب لزيادة عدد السكان، وذلك ربما لأن قاعدة الطفل الواحد استمرت طويلا ما أدى إلى ترسيخ نمط جديد، ولأن الدخل في البلاد يرتفع. وفي عام 2020، ربما تسببت جائحة فيروس كورونا أيضا في خفض معدلات الخصوبة، وسيؤدي ذلك حتما إلى تراجع عدد سكان الصين.
وفي عام 2017، توقع مجلس الدولة الصيني، أن يصل عدد سكان البلاد إلى ذروته في عام 2030، وبدلا من ذلك توقعت دراسة أصدرتها الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في العام الماضي أن يبدأ الانخفاض في عام 2027. وأشارت تقارير إخبارية يفترض أنها تستند إلى بيانات تعداد السكان في الصين، إلى أن عدد السكان بدأ بالفعل في الانخفاض في عام 2020. من جانبها، أكدت الحكومة الصينية أن هذه التقارير خاطئة، وأن البيانات الرسمية تظهر زيادة طفيفة للغاية من 1.40 مليار نسمة في عام 2019 إلى 1.41 نسمة في العام الماضي.
ولكن من الواضح لمعظم المراقبين أن عدد سكان الصين سيبدأ في الانكماش قريبا، إن لم يكن قد انكمش بالفعل. وأضاف أورسج، وهو باحث متميز في كلية الحقوق في جامعة نيويورك، أن هذا الوضع يعد مهما بالنسبة للمناخ، لأن الصين لديها أكبر عدد من السكان في العالم، ويعني المزيد من الناس مزيدا من الانبعاثات وأن يواجه عدد أكبر من السكان خطر تغير المناخ.
ووفقا لورقة بحثية حديثه للأكاديمية الوطنية للعلوم "يعد حجم السكان، على المديين القريب والبعيد، محددا رئيسا للسياسة بشأن المناخ، وكل الأشياء الأخرى متساوية، وينطوي عدد أكبر من السكان على انبعاثات أكثر ومن ثم تخفيف أكبر لتحقيق هدف معين يتعلق بالمناخ، وهذا يعني أيضا أن مزيدا من الناس مستقبلا سيكونون عرضة لتأثيرات متعلقة بالمناخ.
وتابع أورسج، "السؤال الذي يطرح نفسه، هو ما حجم هذا الربط بين هذه الأمور؟ إن تأثير السكان في انبعاثات الكربون دون أي سياسة أو تغييرات تكنولوجية ليس ثابتا بشكل دقيق بالنسبة لكل شخص، نظرا لأن كثيرا من التفاصيل تعد مهمة، من بينها المزيج العمري وأنماط الاستهلاك، لكن عددا أقل من الناس يعني تقريبا انبعاثات أقل نسبيا".
وأكد أنه يجب الوضع في الحسبان مقارنات "المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة"، وهي تقديرات يتم استخدامها على المستوى الدولي لتقدير عدد السكان في المستقبل.
ويظهر التوقع الأول المنخفض للمسارات الاجتماعية والاقتصادية، أن تعداد سكان العالم سيبلغ 8.5 مليار نسمة مع حلول عام 2050، فيما يظهر خط الأساس لتوقع المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة الثاني أن تعداد سكان العالم لذلك العام سيبلغ 9.2 مليار نسمة، بفارق 8 في المائة.


وبالمثل فإن من المتوقع أن تكون انبعاثات مكافئ الكربون أقل تقريبا بما يراوح من 5 في المائة، إلى 10 في المائة، في عام 2050 وفق سيناريو المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة، الأول مقارنة بخط الأساس للمسارات الاجتماعية والاقتصادية، الثاني جدير بالملاحظة أنه يتم في الأغلب تقييم خيارات السكان على أنها أكبر من الناحية المادية من التغييرات المعقولة الأخرى التي يمكن إجراؤها للتخفيف من تغير المناخ. وهناك ثلاثة محاذير يتعين الانتباه لها بالنسبة لهذا المظهر الإيجابي.
وقد يمارس مزيدا من الأشخاص في هذه الدولة ضغطا تصاعديا على سعر التصاريح، لكن لن يؤثر ذلك في المستوى الإجمالي للانبعاثات، لأن ذلك سيظل مقيدا بالحدود القصوى.
وتظهر الأمثلة الأقل تطرفا ظاهرة مشابهة يتفاعل فيها السكان وتأثيرات تخفيف حدة المناخ مع بعضهم بعضا، الأمر الذي من شأنه أن يجعل تقييم تأثير السكان وحده أكثر صعوبة. ومع ذلك، وفي معظم السيناريوهات، يعنى عددا أقل من الناس انبعاثات أقل، وأخيرا، ستكون هناك حاجة إلى ابتكارات تكنولوجية ضخمة لتغيير مسار الانبعاثات المناخية.
وأضاف أورسج أنه سيكون الابتكار أمرا ضروريا لتحسين المناخ في المستقبل، لكن مع عدد أقل من الناس، ربما يكون لدينا عدد أقل من الأفكار الجيدة بشأن كيفية الابتكار، حسبما أكدت مجلة "الإيكونوميست" وغيرها، ولذا فإن عددا أقل من الناس ليس بالضرورة شيئا يبعث على السرور بالنسبة للمناخ الذي يتم تصويره على أنه كذلك غالبا، وربما تتطلب معالجة تغير المناخ الخوض في قضايا خطيرة محتملة، بما في ذلك الطاقة النووية والهندسة الجيولوجية.
واختتم أورسج تقريره بقوله، إنه على الرغم من أن تأثير التركيبة السكانية ربما لا يكون في صدارة جدول أعمال مؤتمر جلاسكو للمناخ في وقت لاحق من هذا العام، فإن الحقيقة المرة هي أن انخفاض عدد سكان الصين الوشيك والأسرع من التوقعات ينطوي على فوائد للمناخ. وذكرت دراسة نشرت في السابع من الشهر الجاري، أن الانبعاثات السنوية للصين من غازات الاحتباس الحراري في عام 2019 تجاوزت انبعاثات جميع الدول المتقدمة مجتمعة، وذلك لأول مرة، حيث بلغت نسبة الانبعاثات للصين 27 في المائة.