واشنطن تجدد هوية جبهة النصرة وتعيد تعريفها

واشنطن تجدد هوية جبهة النصرة وتعيد تعريفها
الأربعاء ٠٢ يونيو ٢٠٢١ - ٠٥:٠٣ بتوقيت غرينتش

في بورصة استمرار الدعم الدولي لجبهة النصرة في إدلب السورية، تتزاحم الزيارات واللقاءات والتصريحات، فبين السر والعلن يختلف المشهد ويتبدل، ومن يراقب الكواليس في المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا من جهة إدلب، يلمس ما يخطط في تلك المنطقة.

العالم - سوريا

لم تستطع جبهة النصرة إخفاء ما جرى في معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية، حيث انتشر خبر اجتماع الجولاني بممثل الاستخبارات البريطانية الخارجية، جوناثان باول، انتشار النار بالهشيم، وشرح الخبر أن أهم ما تم مناقشته في هذا الاجتماع، كان إليه رفع جبهة النصرة من قائمة الإرهاب، مع تأكيد الجولاني أن تنظيمه "لا يستهدف تنفيذ أية عمليات تضرّ بمصالح الدول الأوروبية والغربية، ولا يتبنى أجندة مناهضة لتلك الدول أيضاً".

وبعد هذا اللقاء بوقت قصير، أعلنت الولايات المتحدة، في بيان، أن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد ستزور تركيا، للتباحث مع المسؤولين الأتراك بشأن الملف السوري، وتحديداً فيما يتعلّق بإدارة أزمة اللاجئين السوريين، و ستزور الحدود بين لواء إسكندرون ومحافظة إدلب، ليأتي دور المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، "جيمس جيفري"، ويعرب عن اعتقاده أنه ربما من الحكمة العمل مع "الجولاني".

وقال جيفري " إنه الخيار الأقل سوءاً من بين الخيارات المختلفة في إدلب، التي تعد واحدة من أهم الأماكن في سوريا، وواحدة من أهم المناطق حالياً في الشرق الأوسط".

إذا هي عملية تبديل جلد سياسي وعقائدي حقيقية تعيشها جبهة النصرة، وأثبت الجولاني أنه الأقدر على التلون، وإعادة إنتاج صورة التنظيم الإرهابي من خلال التحولات التي جرت على الخطاب السياسي، بهدف إعادة التموضع في الحرب المفروضة على سوريا، وطرح جبهة النصرة كلاعب تحاول أجهزة الاستخبارات إدخاله في التسوية السياسية.

وكان أبرز ملامح هذا التحول، لقاء الجولاني مع مجموعة الأزمات الدولية في شباط من عام 2020 والذي شكل الذروة الحقيقية لإعادة تصدير جبهة النصرة، وكان واضحا فيها أن الجولاني، استبدل خطابه السياسي بأمر من الأميركيين، ليظهر بمظهر الفصيل المعتدل.

وفي شهر أيلول من عام 2020 قال عبد الرحيم عطون، والذي يشغل منصب الأمير الشرعي العام لجبهة النصرة، في حديث له مع صحيفة سويسرية، إن جبهة النصرة تسعى للخروج من قائمة الإرهاب.

واعتمد قادة جبهة النصرة على عدة عوامل، لتبرير هذا التعديل في خطابهم السياسي، أن حركة طالبان استطاعت التفاوض مع الأميركي ورفعها عن قائمة الإرهاب، وأن المثل الآخر كان رفع الحزب الإسلامي التركستاني من قائمة الإرهاب الأميركية، أضف إلى ذلك أن قادة النصرة تلقفوا رسال جميس جفري في وقت سابق، وجعلوا منها خطة عمل، للخروج من قائمة الإرهاب الأميركية، بعد أن قال المبعوث الأميركي السابق لسوريا، إن هناك شروط لخروج النصرة من القائمة.

وهذا ما أكده في وقت سابق عبر مقابلة صحفية أجريت معه في شباط من عام 2021، وجاء ذلك بعد التوصيات التي قدمتها مجموعة الأزمات الدولية للإدارة الأميركية، لرفع اسم جبهة النصرة من قائمة الإرهاب، مبرر ذلك بأن جبهة النصرة، " يمكنها من لعب دور مرحلي مختلف، وفتح المجال أمامها للعب دور جديد يتناسب مع مرحلة مختلفة، عبر الضغط عليها لاتخاذ مزيد من الإجراءات التي تعالج المخاوف المحلية والدولية بشكل رئيسي".

إن كل تلك الدعاية التي ترافق الضخ الإعلامي الأميركي ومن يدور في فلكه، لصالح جبهة النصرة، لا يمكن وصفه إلا ضمن نظرية قصف العقول، عن طريق استخدام سلاح الإعلام، لكسر الحاجز النفسي الإقليمي والدولي من النصرة، وتجاوز مناخ العداء للنصرة وقادتها، واستخدام الحرب الناعمة، لتمرير أهداف واشنطن في تجديد هوية جبهة النصرة، وإعادة تعريفها ليصار بعد ذلك رسم خريطة المجموعات المعتدلة في إدلب، وحصول النصرة بدعم تركي على موقع في الحل السياسي، إثر طرح جبهة النصرة على أنها داعم للهدوء في إدلب وشمال سوريا، وضمان آخر يمس الدول الأوروبية وهو السيطرة على المسلحين الأجانب، الذين يعارضون هذا التوجه داخل الجبهة، ومنهم القاضي الشرعي والعسكري البارز فيها، يحيى بن طاهر الفرغلي، المعروف بـ"أبي الفتح الفرغلي"، على قناته في تلِغرام والذي شدّد على ثوابت لا يمكن التنازل عنها، واعتبر بعضُ المراقبين تصريحاته مؤشراً على بدء ظهور الخلاف داخل النصرة، ويقود التيار الفرغلي على عكس ما يعمل الجولاني لإخراج الهيئة من دائرة التصنيف الإرهابي.

ويسعى الجولاني للعمل على بناء المؤسسات في مناطق نفوذ تحرير الشام وإعادة إحياء دور العشائر عبر استمالتها خلال زيارته لزعماء عشائر بمناسبة عيد الفطر حيث اعتبر المرحلة الحالية في شمال غربي سوريا، مرحلة إعداد وبناء مؤسسات.

إضافة إلى حديث المصادر عن سعي ما تسمى حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام فتح كلية حربية في إدلب، بهدف تخريج كوادر عسكرية، من مختلف الاختصاصات والرتب لاستكمال مرحلة تلميع صورة الهيئة وزعيمها الجولاني.

بالنتيجة، يختصر الهدف الأميركي والبريطاني والتركي، من كل ذلك الحراك، محاولة إعادة توظيف جبهة النصرة، لتكون ضلع المثلث الثالث في إطالة أمد الحرب المفروضة على سوريا، مع قسد من جهة وداعش في البادية من جهة أخرى، وإعادة تدوير جبهة النصرة وتحويلها لشريك سياسي في مستقبل البلاد، بالطبع هذا يحتاج إلى إزاحة جبهة النصرة من تصنيف المنظمات الإرهابية.

لذلك جاء كل ذلك الحراك، من قوى العدوان للعبث بالمفاهيم والقيم والمخزون الثقافي لشعوبنا، وتحويل الإرهابي إلى معتدل، وهذا الرهان باتت شعوب المنطقة تعرف قواعده وتستطيع إفشاله كما جرى في دول عديدة، ولكن ما لم يحسب له الأميركي الحساب هو ثأر الشعوب، وحسابها مع من أراق دمها وهدم مدنها ونهب مواردها الاقتصادية.

*حسام زيدان