أمريكا وأفغانستان.. إنسحاب أم إستجلاب الفوضى؟

أمريكا وأفغانستان.. إنسحاب أم إستجلاب الفوضى؟
السبت ١٤ أغسطس ٢٠٢١ - ٠٣:٢٦ بتوقيت غرينتش

لا يختلف إثنان على ان تواجد القوات العسكرية الامريكية في منطقة الشرق الاوسط، يعتبر السبب الابرز للكوارث والمآسي التي حلت وتحل بشعوبها، ولن تذوق هذه الشعوب طعم الراحة والامان والاستقرار الا بإنسحاب هذه القوات، ولكن ما حدث في افغانستان، لم يكن انسحابا، بقدر ما كان دفعا لهذا البلد الى أتون الحرب الاهلية، ونقلا للفوضى الى جميع الدول المجاورة لافغانستان، والتي ترى فيها امريكا، دولا منافسة لها.

العالم قضية اليوم

الانسحاب الامريكي الذي كان مقررا ان يُستكمل في 11 ايلول / سبتمبر القادم، وفقا للاتفاق الذي وقعته امريكا مع حركة طالبان في الدوحة في 29 شباط/فبراير 2020، جاء مفاجئا حتى للحكومة الافغانية، من ناحية سرعة تنفيذه، فقد جرى دون التنسيق مع السلطات الافغانية، باعتراف الرئيس الافغاني اشرف غني، ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبد الله عبد الله، اللذان اكدا على ان افغانستان لم تكن مستعدة للانسحاب الامريكي، ولم تكن لها اي خطة لمرحلة ما بعد الانسحاب.

عدم تنسيق امريكا مع السلطات الافغانية بشأن الانسحاب، ولا حتى بشأن وتيرته، ترك فراغا امنيا، إستغلته حركة طالبان، التي سيطر مقاتلوها على ما يقارب 80 بالمئة من مساحة افغانستان، وباتوا على بعد 50 كيلومترا من العاصمة الافغانية كابول.

هنا يطرح سؤال نفسه وبقوة، اين الجيش الوطني الافغاني، الذي اشرفت امريكا على تشكيله وتدريبه وتسليحه على مدى عشرين عاما، والذي قيل ان قوامه 300 الف جندي؟!، كيف تقهقر هذا الجيش بهذه السرعة امام 70 الف مقاتل من طالبان، في الوقت الذي كان الامريكيون، يؤكدون على ان بمقدور هذا الجيش ان يقاوم طالبان لمدة عامين؟!.

من الواضح ان امريكا لم تكن جادة في بناء جيش وطني قوي في افغانستان، كما لم تكن جادة في مكافحة المخدرات، حيث تضاعفت زراعة الافيون في البلاد، وفقا لتقارير اممية، كما لم تكن جادة في حل مشاكل افغانستان مع جارتها باكستان، ولم تكن جادة في تنفيذ خطط تنموية للارتقاء بالوضع الاقتصادي للشعب الافغاني، كما كانت متورطة في نقل اعداد كبيرة من مقاتلي "داعش" من العراق وسوريا الى افغانستان، كل ذلك كان سيدفع افغانستان دفعا للدخول في نفق الحرب الاهلية المظلم، والذي بانت بوادرها شيئا فشيئا، مع الانسحاب الامريكي.

مهمة امريكا اليوم في افغانستان باتت محصورة في محاولة اخراج رعاياها ودبلوماسييها من كابول، بعد ان قررت ارسال 3000 جندي الى مطار العاصمة كابول لاجلائهم، وهذا ما فعلته بريطانيا ايضا، التي ارسلت 600 عسكري للمساعدة في اجلاء الرعاياها من كابول، ومن ثم ترك هذا البلد في مهب الريح، ولقمة سائغة للفوضى.

يرى العديد من المراقبين، ان الهدف الذي كانت تسعى امريكا الى تحقيقه من وراء غزوها لافغانستان والعراق، ومن وراء العدوان على اليمن، ومن وراء ضرب استقرار لبنان وباقي دول المنطقة الاخرى، هو نشر الفوضى، التي تكون عادة بابا لعودة الجماعات التكفيرية مثل القاعدة و"داعش" واخواتهما، والتي عملت وتعمل لصالح امريكا في صراعها مع الدول المنافسة لها في المنطقة، وكذلك لصالح "اسرائيل"، لتبقى الكيان الوحيد في المنطقة البعيد عن كل هذه الفوضى.

سعيد محمد - العالم