تطورات خطيرة في ملف ترسيم الحدود.. ما الذي يجب أن يفعله لبنان؟

تطورات خطيرة في ملف ترسيم الحدود.. ما الذي يجب أن يفعله لبنان؟
الأحد ٠٣ أكتوبر ٢٠٢١ - ٠٥:٣٩ بتوقيت غرينتش

لم تكن الولايات المتحّدة الأميركية يومًا وسيطًا نزيهًا في ملف ترسيم الحدود بين لبنان وكيان العدو. بذلت واشنطن قصارى جهدها لإرساء خطة تسلب لبنان حقّه لمصلحة ربيبتها "إسرائيل".

العالم_لبنان

ولتحقيق قامت الوفود الأميركية بعدة زيارات للبنان على مدى السنوات الماضية وفي جعبتهم طروحات معلّبة على قاعدة take it or leave it ما أبقى هذه القضية عالقة لسنوات قبل أن يتم التوصل الى اتفاق إطار وتنطلق المفاوضات البحرية غير المباشرة بين لبنان وكيان العدو في الناقورة العام الماضي.

إلا أنّ المفاوضات أكّدت وبما لا يقبل الشك الحمية الأميركية على كيان العدو وسط إصرار صهيو- أميركي على التزام إطار الـ 860 كلم2 الذي يسلب لبنان الكثير من حقوقه. وعليه، عقدت الجولة الرابعة من المفاوضات في تشرين الثاني من العام الماضي قبل أن تتوقف لأكثر من خمسة أشهر ثم تعود في أيار الفائت بذات العقلية الأميركية.

اليوم، يعود ملف ترسيم الحدود الى الواجهة من جديد بعد بروز مؤشرات في غاية الخطورة وتشكّل تهديدًا جديدًا لحقوق لبنان بدءًا من توقيع كيان العدو الشهر الفائت عقود تقييم تنقيب الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها مع إحدى الشركات الأميركية، ولا ينتهي بتعيين الإدارة الأميركية آموس هوكشتاين وسيطاً جديدًا في المفاوضات وهو يحمل الجنسية "الإسرائيلية" في الوقت الذي تم الترويج لأفكار تدعو الى التطبيع الاقتصادي، ما يطرح السؤال عما يجب أن يفعله لبنان لمواجهة هذه التحديات وحفظ حقوقه.

مصادر فاعلة على خطّ المفاوضات تشدّد في حديث لموقع العهد الإخباري على أن ثمّة شكوك عدّة تغلّف عمل الوسيط الجديد للمفاوضات غير المباشرة. فهوكشتاين ولد في "إسرائيل" وخدم في جيش الاحتلال، كما عمل مستشارا سابقا للرئيس الأميركي جو بايدن في مجال الطاقة الدولية ما يطرح السؤال -وفق المصادر- عن مدى نزاهته كوسيط وهو يحمل في الأساس الجنسية الإسرائيلية.

وتشدّد المصادر على ضرورة التعجيل بتعديل المرسوم 6433 ليمتلك لبنان الذريعة القانونية قبل رفع الدعوى على كيان العدو. الأخير يتذرّع بأن الشركة الأميركية التي وقع عقود التنقيب معها لا تعمل في المناطق المتنازع عليها وفق المرسوم 6433. كما ترجح المصادر أن تُستأنف اللقاءات حول ملف الترسيم خلال الشهر الحالي دون معرفة ما اذا كانت ستستأنف على شكل مفاوضات غير مباشرة أم مناقشات ثنائية أميركية-لبنانية ولاحقًا أميركية- إسرائيلية.

وفي الختام، تشدّد المصادر على أنّ فريق التفاوض اللبناني يتمنى عدم إدخال السياسة بهذا الملف الحساس للابتعاد عن كل ما هو تطبيع.

لدى سؤال الخبير العسكري العميد أمين حطيط عن التطورات الجديدة في ملف الترسيم، يتحدّث انطلاقًا من خبرته الطويلة في ملف ترسيم الحدود فيؤكّد أنّ هناك ثلاث خطوات ينبغي للبنان القيام بها الآن، أولًا تعديل المرسوم 6433، ثانيًا إبلاغ الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية بأن لبنان لن يسمح بالتنقيب داخل المناطق المتنازع عليها، ثالثًا الإيعاز للجيش اللبناني وترك المقاومة ليقوما بما ينبغي فعله في حال انتهاك المنطقة المتنازع عليها.

يسترجع حطيط حيثيات ملف الترسيم فيشير الى وجود ثلاثة خطوط لحدود منطقة لبنان الاقتصادية في الجنوب؛ الخطّ الأوّل يتمثّل بالنقطة (1) وهو خط الخطأ الذي نجم عن الاتفاقية مع قبرص، والخط الثاني يتمثّل بالنقطة (23) وهو الخط الخطأ الذي نتج أيضًا نتيجة عمل غير دقيق قام به لبنان وعلى أساسه أصدر المرسوم 6433 رغم عدم الالتزام بالقواعد القانونية الدقيقة لتنظيم هذا المرسوم، والخط الثالث عند النقطة (29) وهو الخط الذي يتمسك به لبنان وجرى تحديده نتيجة عمل فني قانوني دقيق قام به الجيش اللبناني من قبل خبراء مختصين وتقاطع مع الحدّ الذي طرحه المكتب الهيدروغرافي البريطاني الذي طلب لبنان استشارته في هذه القضية. وفق حطيط، تفترق النقطة (23) عن النقطة (1) بمساحة 860 كلم2، فيما تفترق النقطة (29) عن النقطة (1) بمساحة 2290 كلم2 وهي المساحة التي يتمسّك بها لبنان.

ويوضح حطيط أنّ لبنان عندما طرح في المفاوضات خط النقطة (29) كان رد "الاسرائيلي" أن لدى لبنان في الأمم المتحدة خط النقطة (23) التي أرسلها بموجب المرسوم 6433، لذلك طلب الوفد اللبناني من الدولة اللبنانية تعديل المرسوم 6433 ليصبح للبنان خط واحد يتمسك به وهو خط النقطة (29). لكن للأسف رفضت حكومة الرئيس السابق حسان دياب تعديل المرسوم فيما لم يوقّعه رئيس الجمهورية.

لذلك وبعد تشكيل الحكومة اللبنانية ونيلها الثقة يرى حطيط أنّ العمل الأوّل الذي يجب أن يكون وقبل أي شيء آخر هو تعديل المرسوم 6433 واعتماد خط النقطة (29) وإبلاغ الأمم المتحدة بهذا التعديل حتى تصبح المنطقة شمال خط النقطة (29) متنازعا عليها. عند ذلك يصبح لبنان في وضع يمكّنه من المحافظة على حقوقه سواء بمراجعته السياسية والحقوقية لدى الأروقة السياسية الدولية أو باللجوء الى قدراته الميدانية باستعمال قدرات الجيش والمقاومة لمنع "إسرائيل" من الانتهاك. لكنّ حطيط يأسف هنا فهذا الأمر لا يزال في لبنان قيد أخذ ورد، ما دفع بأميركا و"إسرائيل" الى استغلال الوضع والإقدام على أمرين خطيرين يعتبر السكوت عنهما اخلالًا وهدرًا للحقوق الوطنية؛ الأمر الأول، يتمثل بتلزيم عملية التنقيب لشركة أميركية رغم أنها لم تكن أصلا في إطار العمل الإسرائيلي البحري إنما لجأ كيان العدو الى هذه الشركة كغطاء أميركي لانتهاك الحقوق السيادية اللبنانية.

أما الأمر الثاني الذي أقدمت عليه "إسرائيل" فهو التهديد بحفر 5 آبار وهي تعلم أن اثنتين من هذه الآبار تقعان شمال خط النقطة (23) الذي ينص عليه المرسوم 6433. أبعد من ذلك، أقدمت أميركا على تغيير مندوبها لرعاية المفاوضات وعيّنت وسيطًا جديدًا يحمل الجنسية "الإسرائيلية" وخدم في جيش الاحتلال في الفترة ما بين 1992 و1995 على الأرض اللبنانية المحتلة آنذاك. وبالتالي فإن هذا الشخص الذي سيرعى المفاوضات لا يؤمن بضرورة البحث عن خطوط لرسم الحدود ويطرح فكرة الاستثمار المشترك ما يعني أنه يريد إرساء قواعد التطبيع الاقتصادي بين لبنان وكيان العدو لجعل الآبار المشتركة عند الحدود في المناطق المتنازع عليها مناطق استثمار مشترك. وبحسب حطيط يريد هذا الوسيط إنشاء لجان لبنان "إسرائيلية"-أميركية لاستثمار هذه الحقول بشكل يطيح بالواقع الحقوقي والقانوني للعلاقة بين لبنان والعدو "الإسرائيلي" وينظر الى الأمور وكأننا حلفاء وأصدقاء نقدم على عمل استثماري مشترك، يختم حطيط.