السودان... اتهامات للعسكر بتقويض المرحلة الانتقالية

السودان... اتهامات للعسكر بتقويض المرحلة الانتقالية
الإثنين ٠٤ أكتوبر ٢٠٢١ - ٠٧:٣٨ بتوقيت غرينتش

تدخل العلاقة بين المكونين العسكري والمدني اللذين يتشاركان الحكم في السودان مرحلة حاسمة، خصوصاً مع تزايد الاتهامات التي توجه للعسكر، بأنهم بدأوا اللعب على المكشوف في الآونة الأخيرة.

العالم-السودان

مظهرين رغبة في إجهاض المرحلة الانتقالية والانتقال الديمقراطي، و"فرملة" النجاحات النسبية للمدنيين، سياسياً واقتصادياً، خصوصاً أنهم (العسكر) يقتربون من فقدان رئاسة مجلس السيادة طبقاً للوثيقة الدستورية بأجل لن يتجاوز مطلع العام المقبل. ويرى أصحاب هذا الرأي أن العسكر يعمدون إلى تنفيذ هذا المخطط من خلال التصويب على الشركاء المدنيين والدعم العلني للانشقاقات داخل قوى تحالف الحرية والتغيير لإضعافها.

استفاد العسكر إلى حد كبير من ضعف المكوّن المدني، وتشرذمه، وعدم خبرته في إدارة الدولة

وفي العامين الماضيين، استفاد العسكر إلى حد كبير من ضعف المكوّن المدني، وتشرذمه، وعدم خبرته في إدارة الدولة، مضافة إليه قدرة العسكر الاقتصادية بهيمنتهم على الشركات الأمنية، ودعم المحاور الإقليمية وسند مؤسسات النظام السابق لهم، لذا نجحوا إلى حد بعيد في الهيمنة على ملفات كبيرة، مثل السلام مع الحركات المتمردة، وعلى السياسة الخارجية والأمن والاقتصاد. لكن بمرور الوقت، بدأ العسكر يفقدون الكثير من خيوط اللعبة السياسية نسبة للضغوط الداخلية والخارجية، التي ضيّقت الخناق عليهم، وفشل فزاعات التردي الاقتصادي والتدهور الأمني، وإخفاق المحاولات المتكررة للخروج على الحكومة المدنية، عدا تمكن تحالف قوى الحرية والتغيير الحاكم، في الثامن من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، من استعادة جزء من وحدته بتوقيع عدد كبير من الأحزاب والتيارات السياسية على إعلان سياسي جديد يمهد الطريق لوحدة قوى الثورة.

خنق الخرطوم وجوبا... محتجو شرقي السودان يحبسون النفط

في أثناء ذلك، ظهرت في الآونة الأخيرة حالات عصيان قبلي في أطراف السودان ضد الحكومة المدنية، تجلّت أكثر في شرق السودان، بإغلاق الموانئ البحرية والمطارات وسكة الحديد والطرق البرية. وتبعتها عمليات مماثلة في مناطق أخرى، مثل غرب السودان حيث إنتاج النفط، وفي شمال ووسط البلاد. وطرحت مواقف العسكر من هذه التطورات العديد من علامات الاستفهام، خصوصاً في شرق السودان.

نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ذكر أن إغلاقات الشرق مثل إغلاق شارع الستين بالخرطوم، بينما أشاد عضو المجلس الفريق شمس الدين الكباشي بسلمية الحراك في شرق السودان. كذلك روّج العسكر لوجود مشكلة سياسية في الشرق تستوجب معالجتها من الحكومة المدنية، على الرغم من أن تلك المشكلة تفجّرت بالأساس بسبب اتفاق سلام خاص بالإقليم، وقعه حميدتي مع أحزاب محسوبة على الإقليم، ورفضته المكونات السياسية والمجتمعية.

في خضم ذلك المناخ، جاءت المحاولة الانقلابية الأخيرة في 21 سبتمبر الماضي، وهي المحاولة التي كشف عنها بداية المكون المدني وطلب من الشعب التصدي لها من أجل حماية الانتقال، وهذا ما أغضب بشكل لافت المكون العسكري، خصوصاً رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الذي استنكر أمام جمع من الضباط والجنود دعوة المدنيين للشعب إلى الخروج دفاعاً عن الثورة. ولم تصدر إدانة صريحة من العسكر حتى هذه اللحظة للمحاولة الانقلابية، على الرغم من حديثهم المستمر عن إفشالهم لها، بل ذهب البرهان ونائبه حميدتي إلى تحميل المدنيين مسؤوليتها ومسؤولية أي محاولة انقلابية بحجة أن الوضع المعيشي أصبح لا يُطاق. كذلك وجد البرهان وحميدتي في المحاولة الانقلابية فرصة للمناداة بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في اتخاذ القرار السياسي والتنفيذي، بما يشمل جميع الأحزاب باستثناء حزب المؤتمر الوطني المحظور، متهمين أربعة أحزاب فقط (الأمة القومي، التجمع الاتحادي، المؤتمر السوداني، حزب البعث فصيل علي الريح السنهوري) باختطاف القرارات المصيرية، وهي مناداة اعتبرها المكون المدني مجرد ذريعة من العسكر لتغيير المعادلة السياسية وتصدر المشهد السياسي، ورغبة منهم في خلق حاضنة سياسية بديلة للثورة.

وجد البرهان وحميدتي في المحاولة الانقلابية فرصة للمناداة بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في اتخاذ القرار السياسي والتنفيذي

وعلى العكس من مواقف العسكر، وجدت المحاولة الانقلابية اصطفافاً شعبياً واسعاً ضدها، وعادت إلى شوارع السودان مواكبها وحراكها الثوري، الذي شاركت فيه تنظيمات وأجسام لديها مواقف مناهضة للحكومة المدنية ولتحالف قوى الحرية والتغيير الحاكم، لكنها تمتلك موقفاً مبدئياً ضد عودة العسكر، مثل الحزب الشيوعي السوداني، وتجمّع المهنيين السودانيين. كذلك وجدت المحاولة إدانة دولية، وخلقت قلقاً في أوساط المجتمع الدولي المساند بقوة للتحول الديمقراطي في السودان. وأرسلت دول، مثل الولايات المتحدة والنرويج وفرنسا، مبعوثيها إلى الخرطوم، لتأكيد التزامها بدعم التحول الديمقراطي وقيادة المدنيين له، مع تلويحات أميركية باستخدام سيف العقوبات ضد كل من يعرقل ذلك الهدف.

في موازاة ذلك، دعت أحزاب وحركات مسلحة، منشقة عن تحالف قوى الحرية والتغيير، إلى مؤتمر مفاجئ للتوقيع على ميثاق جديد تحت لافتة العودة إلى منصة التأسيس لتحالف الحرية والتغيير، وحددت له موعداً أول من أمس السبت. وسرعان ما ظهر دور العسكر، حيث أرسل الفريق محمد الغالي، الأمين العام لمجلس السيادة، خطاباً إلى وزارة الخارجية يطالبها بتوجيه دعوات للسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية لحضور حفل التوقيع على ميثاق تعتزم تلك الأحزاب التوقيع عليه. وبعدما تم تسريب الخطاب، اضطر الغالي إلى تبرير خطوته بزعم أن حاكم إقليم دارفور ميني أركو مناوي هو الذي طلب منهم ذلك، لكنّ مناوي نفي بشكل مطلق ما قاله الغالي، ليضطر الأخير إلى الطلب من الخارجية إلغاء الإجراء تحت ضغط الرأي العام.

وبالفعل عُقد المؤتمر، أول من أمس، وحُشد له آلاف من المناصرين المفترضين، وانتهى بمطالب هي ذات المطالب التي يروج لها العسكر، من حيث توسيع قاعدة المشاركة السياسية، واتهام أحزاب باختطاف القرار السياسي والتنفيذي ودعم العصيان في شرق السودان. وقبل أن يجف حبر توصيات المؤتمر، سارع المستشار الإعلامي للفريق أول عبد الفتاح البرهان، الطاهر أبو هاجة، إلى كتابة مقال وزعته إدارة الإعلام العسكري في الجيش السوداني، أعلن فيه تأييده للمؤتمر وعدّه عودة إلى الحق والتوافق الوطني الشامل، مشيراً إلى أن من يرفضونه "ستتجاوزهم الأحداث". وزعم أن التحرك الأخير مسنود بأغلبية ومن الشارع بحراكه ولجان مقاومته.

غير أنّ برود الشارع السوداني من الخطوة، والحملات الكثيفة ضدها في وسائل التواصل الاجتماعي، لن تشجع، بحسب كثير من المراقبين، العسكر ولا حتى القائمين على المؤتمر، للقيام بأي خطوات أخرى، ما يطرح تساؤلاً عن ماذا يفكر العسكر في مقبل الأيام.

ويرى القيادي في قوى الحرية والتغيير، شريف محمد عثمان أنّ ما حدث في الأيام الماضية يُقرأ في إطار حزمة مخططات تقويض الفترة الانتقالية تحت إشراف المكون العسكري، وأنهم لديهم ما يكفي من الدلائل لإثبات ذلك، بما في ذلك ما وصفه بفضيحة خطاب الأمين العام لمجلس السيادة، ومقال المستشار الإعلامي للبرهان. ويشير عثمان إلى أن المكون العسكري مع مجموعة صغيرة من قوى نداء السودان، إحدى كتل الحرية والتغيير، يحاولان إرباك المشهد السياسي، وصناعة اختلال في الوثيقة الدستورية، والتسبب بوجود انقسام داخل "الحرية والتغيير" لاتخاذ إجراءات مخالفة للوثيقة، وخلق حاضنة سياسية بديلة. أما الهدف النهائي، برأيه، فهو إعادة من سقطوا مع الرئيس المخلوع عمر البشير قبل عامين، وكذلك إعادة الفلول وواجهاتهم للعملية السياسية، ليتحولوا إلى حاضنة مطيعة للعسكر. ويؤكد عثمان أن "الحرية والتغيير ستظل وفيّة للإعلان السياسي والوثيقة الدستورية بينها وبين العسكر، وستتصدى لأي محاولة لإحداث اختلال وإجهاض للثورة وللفترة الانتقالية، مهما كان الثمن".

أما الطاهر ساتي، رئيس تحرير صحيفة "اليوم التالي" فيرى أن ما حدث السبت الماضي هو تكرار لتجربة سودانية أساسها الخلافات والانقسامات، وهذا ما حدث داخل الحرية والتغيير، وبالتالي استفاد منها المكون العسكري وسيستفيد منها أكثر، ومعه كل الفكر الشمولي في البلاد. ويلفت إلى أن تلك الانقسامات ستظهر تأثيرها على المعادلة السياسية وعلى عمل الجهاز التنفيذي، في ظل وجود حاضنتين سياسيتين للسلطة، تتنافران في الخطاب السياسي والإعلامي وتشتركان في تكوين مجلس الوزراء المرشح بقوة لحدوث حالة استقطاب حادة داخله.

ويرجح ساتي وجود تخطيط أكبر من انشقاق المجموعة الأخيرة من الحرية والتغيير، لأن خطوتها ذاتها وجدت تأييداً من مجموعة أحزاب سياسية كانت تشارك النظام السابق الحكم، وتجد دعماً أيضاً من الإسلاميين بمختلف توجهاتهم وتنظيماتهم، ومن عدد كبير من زعماء القبائل ورجالات الطرق الصوفية. وبالتالي لا يستبعد ساتي انتهاز العسكر للفرصة، لتشكيل حاضنة سياسة أوسع تسحب البساط من الحرية والتغيير، كما يلفت إلى حرص رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على الاحتفاظ بموقف حيادي من الصراع الحالي، ما يعقّد المشهد كلياً ويدخل البلاد في متاهة كبيرة.

المصدر - العربي الجديد