هل دفن دقلو فكرة مشاركة المدنيين للعسكر في حكم السودان؟

هل دفن دقلو فكرة مشاركة المدنيين للعسكر في حكم السودان؟
السبت ٠٩ أكتوبر ٢٠٢١ - ٠١:٠٠ بتوقيت غرينتش

كان واضحا منذ البداية ان العسكر في السودان سينقلبون على شركائهم المدنيين في السلطة التي تشكلت بعد الثورة الشعبية، في 21 أغسطس/آب 2019 ، والتي كان من المفترض ان تقود السودان لفترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، وهذا الوضوح بات أكثر شدة كلما اقتربنا من موعد انتقال السلطة للمدنيين.

العالم يقال ان

منذ فترة قصيرة واحداث متلاحقة بدأت تطفو على سطح المشهد السوداني، في الوهلة الاولى لا تجد من رابط يربط بينها، وأشبه ما تكون بالفوضى، ولكن بقليل من التأني والدقة، يمكن للمراقب ان يجد ربطا، ورابطا قويا جدا ، يربط بين تلك الاحداث، ليقود المتابع الى جهة واحدة تقف وراء كل تلك الاحداث، وهذه الجهة ليست سوى العسكر، الذي يحاول الظهور بمظهر المنقذ للسودانيين من الفوضى وحالة الانفلات التي يعيشوها.

في صبيحة الثاني والعشرين من شهر ايلول / سبتمبر الماضي، استيقظ السودان على وقع أخبار تتحدث عن "محاولة انقلابية فاشلة" جرت في البلاد دون تحديد الجهة التي تقف خلفها، في حين أعلن مصدر عسكري بالجيش اعتقال عدد من الضباط دون ذكر أسمائهم وعددهم أو انتماءاتهم، وكل ما ترشح فيما بعد، هي اتهامات طالت بعض الشركاء المدنيين في السلطة!.

تصدعات يشهدها الجانب المدني من السلطة، تجعل من الصعب تشكيل دولة مدنية في السودان، وهي تصدعات يقف وراءها العسكر، بذريعة توسيع الحاضنة السياسية للثورة، بينما هدفها تشتيت جبهة المدنيين وتفرد العسكر بالسلطة، الامر الذي دعا ائتلاف قوى الحرية والتغيير الى التلويح باللجوء الى تشكيل المجلس التشريعي، الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية، من جانب واحد، دون انتظار نتائج المشاورات بذريعة توسيع الحاضنة السياسة للثورة.

اما الاحدث التي تعصف بشرق السودان، بعد حملة تصعيد وإغلاق شامل بقيادة مجلس قبلي تستمر منذ أكثر من أسبوعين في مناطق شرقي السودان، للمطالبة بإنهاء التهميش وتحقيق التنمية، فقد تم استغلالها ايضا من قبل العسكر، من اجل التخلص من عناصر مدنية في الحكومة وصفتها بـ"المخربة"، عبر الدعوة الى حل الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية!!.

كل تلك الاحداث توّجها العسكر بالتصريحات الصادمة لقائد قوات الدعم السريع والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، الذي اعلن صراحة انه لم تتم مناقشة تسليم رئاسة المجلس السيادي إلى المدنيين باعتبار أن الأمر سابق لأوانه، وشدد على التمسك بتبعية الشرطة وجهاز الاستخبارات العامة للمكون العسكري، وعدم تركهما للمدنيين، وعدم تسليمها إلا لحكومة منتخبة، واعتبر حميدتي أن الأزمة الراهنة كشفت عن طموح المدنيين للوصول إلى السلطة، في وقت ينصب فيه تفكير العسكريين على كيفية إخراج البلاد من أزمتها!..

المراقبون للمشهد السياسي السوداني ، اعربوا عن شكوكهم في انتقال رئاسة المجلس السيادي إلى المكون المدني بحسب الوثيقة الدستورية، واعتبروا تصريحات حميدتي بانها ضربت بعرض الحائط ، بوثيقة "الان الدستوري" و ثيقة "الاعلان السياسي" ، الذي تم التوصل اليه في آب / اغسطس عام 2019، والذي وقع عليه المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، بشأن هياكل وتقاسم السلطة في الفترة الانتقالية.

العسكر ادرى من غيره بصعوبة انقلابه على المدنيين والشعب والثورة، لذلك اختار اللجوء الى قوى اقليمية، كانت ومازالت داعمة للعسكر، ورافضة للثورة، منها الامارات والسعودية، اللتان لطالما شجعتا وحرضتا العسكر من اجل التطبيع مع "إسرائيل"، من أجل جعل كفتهم هي الارجح لدى الامريكيين، واستغلال ذلك في صراعهم مع المدنيين.

مصادر محلية سودانية كشفت يوم امس الجمعة عن زيارة سرية لوفد سوداني ضم عسكريين رفيعي المستوى إلى"اسرائيل" في الايام الماضية. واضافت هذه المصادر، ان زيارة الوفد كانت تحت إشراف الفريق عبد الرحيم دقلو حميدتي، ولكن من دون ان توضح أسباب الزيارة. والمعروف ان السودان يستعد لتوقيع اتفاق لتطبيع العلاقات مع الإحتلال إسرائيلي خلال شهر أكتوبر الجاري في البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن.

تطبيع العسكر مع "اسرائيل" وان جاء بالتنسيق مع الامارات والسعودية، وبذريعة استعادة حصانة السودان السيادية وتشجيع امريكا لدول اخرى على تخفيف أعباء ديونه، الا انه في الحقيقة، ليس سوى عربون يدفعه العسكر للبقاء في الحكم، اما الكلام المعسول عن تحسن اوضاع الشعب السوداني الاقتصادية والمعيشية، وربط هذا الامر بالتطبيع مع "اسرائيل"، فهو كلام تكذبه الحالة الاقتصادية الصعبة للشعبين المصري والاردني، بعد مرور عقود طويلة على تطبيع مصروالاردن مع "اسرائيل".