الدور الجديد لإبن سلمان: مالك الـ"نيوكاسل"

الدور الجديد لإبن سلمان: مالك الـ
الأربعاء ١٣ أكتوبر ٢٠٢١ - ٠٥:٣٧ بتوقيت غرينتش

ليست هذه محادثة مفترضة بين ولي العهد السعودي ورئيس صندوق الاستثمارات العامة، بل هي مقتطف من تسريبات لمحادثات «واتس آب» عام 2015، نشرت في «الأخبار» ضمن وثائق «الإمارات ليكس».

العالم - السعودية

كان الأمير السعودي يناقش مع الرميان فرصا استثمارية تتنوع بين الطبية والعقارية والترفيهية. ومع إعلان عقد شراء صندوق الاستثمارات السعودي لنادي «نيوكاسل»، أعلن عن شغل الرميان منصب الرئيس التنفيذي للنادي الإنكليزي.

لا تعتبر الصفقة، من حيث المبدأ، بداية فصل جديد للاستثمارات السعودية في بريطانيا، بل هي امتداد لعملية تشبيك اقتصادي سعودي - بريطاني سلكت مرحلتين رئيسيتن خلال الطفرات النفطية: الأولى تلت الطفرة النفطية الأولى، وبلغت ذروتها خلال الثمانينيات بالتوازي مع سلسلة التغيرات النيوليبرالية التي أجرتها حكومة مارغريت تاتشر، لتلعب رؤوس الأموال البترودولارية دورا أساسيا في شكل التغيرات تلك.

فمع التحجيم الذي طرأ على الصناعات في مقابل تعزيز مركزية دور القطاع المالي اللندني، كان للأموال الخليجية، وتحديدا السعودية، دور رئيس في استقرار ميزان المدفوعات البريطانية، وهو أحد المآرب الأساسية لإتمام تاتشر «صفقة اليمامة» التاريخية.

ووفقا لديفيد ويرنيغ، الباحث في العلاقة الخليجية - البريطانية، فإن التغيرات النيوليبرالية البريطانية لم تكن لتتخذ هذا الشكل من دون البترودولار الخليجي، سواء عبر صادرات البضائع والخدمات أو الصفقات العسكرية. ويحاجج ويرنيغ بأن شكل الرأسمالية الوليدة في الخليج الفارسي يمثل متمما للهيكلة النيوليبرالية الإنكليزية، في ما يسميه «ترابطا مثاليا» (Perfect Fit).

أما المرحلة الثانية، فتمتد من بداية الألفية وحتى عام 2014، حيث حازت الصناديق السيادية الخليجية واستثماراتها في البنوك اللندنية، التي تمثل إحدى الوجهات المفضلة لرؤوس الأموال هذه، أهمية قصوى بالنسبة إلى الحكومة البريطانية.

وكما يلاحظ ويرنيغ، فإن الطفرة النفطية أنتجت انقلابا في حركة رؤوس الأموال على مستوى العالم، لنشهد حركة من الجنوب العالمي نحو الشمال، بشكل جعل من بلدان مجلس التعاون أحد أهم الفاعلين في تشكيل النظام المالي العالمي، وصولا إلى التأثيرات التي عصفت به بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008.

لم تتسم تلك الحركة بالاعتباطية، بل إن الوازع السياسي كان الحاكم الرئيس في توجيه دفتها زمانا ومكانا، وبشكل يترافق مع الحاجة السياسية لحكام الخليج(الفارسي) وردات فعلهم إبان الأزمات التي تعصف بالمنطقة.

فالسياسة الاستثمارية الخليجية قبل 2015 كان تقوم على مبدأ توزيع بيضها على السلال الأوروبية - البريطانية بشكل رئيس - والأميركية، بهدف تحقيق الربط المادي بين المصالح المالية والرأسمالية الغربية وبين الخليج الفارسي، بشكل يجعل من مسألة حماية المشيخات مسألة استراتيجية غربية، ويتيح بالتالي محافظة الملوك والأمراء على عروشهم.

ردة فعل السعوديين الاحتفالية على صفقة «نيوكاسل» تظهر جانبا من عقدة الرجل الأبيض

إلا أن الذي برز عام 2015 من سلسلة رؤى اقتصادية تجديدية في مختلف الدول الخليجية، يتعدى التحاق الربط الاقتصادي بحزمة من الأدوار الاستراتيجية، التي يتصدرها تاريخيا دور الصادرات النفطية، سواء ضمن معادلة منتج مقابل مستهلكين، أو ضبط أسعار النفط، وصولا إلى الأهمية التجارية التي توليها شركات الطاقة الغربية لحقول الإنتاج الخليجية، وفي الحالة البريطانية شركتا «بريتيش بتروليوم» و«شيل».

فعند تناول مسألة ضمور النفط وأثره على المنطقة، فالعبْرة هنا تراجع نسبة أرباحه من إيرادات ميزانية الدولة، بعدما شكل تاريخيا النسبة العظمى منها؛ إذ مع تحولات سوق الطاقة العالمية في المستقبل، ستنخفض هذه النسبة، ليكون النفط جزءا من تشكيلة الإيرادات وليس النسبة الطاغية، وهو ما يستدعي البحث عن مصادر بديلة، أو ما يطلق عليه «تنويع الاقتصاد».

لكن في الحالة الخليجية، لا يدور الحديث عن كيانات مستقلة، بل إن آلية صنع القرار محكومة بالارتباط البنيوي بالدول الغربية على هيئة مصالح اقتصادية. بمعنى أن الأمير أو الشيخ الخليجي، وفي ظاهرة ممتدة لقرون، يشكل سؤال ما هو الدور الذي سيلعبه ضمن المصالح الغربية أحد ركائز اتخاذ القرار لديه، في ما يتعلق بشكل مباشر بالحفاظ على حكمه وأمنه.

وبالتالي، فإن مسائل كتكييف الإيرادات النفطية بشكل كفيل بتشييد بنية اقتصادية صناعية ومستدامة، لن تتبادر إلى ذهنه، ليس فقط لأن الدول الريعية تميل إلى تبني اقتصاد الخدمات، على اعتبار أن الكسل يورث الكسل، بل إن بنية من النوع المذكور تتناقض مع ركيزة البحث عن دور جديد ضمن شبكات المصالح الغربية وتأمين مكانه فيها، فهو لن يستطيع القيام بذلك حتى لو أراده.

وهذا بالتحديد ما يتغافل عنه أغلب دعاة الإصلاح في المنطقة، والدعوات إلى التغيير الديمقراطي والمشاركة الشعبية. فالقضية ليست بسذاجة أنه لو انتقى الشعب خيارات اقتصادية منتجة - ومسألة أن تنحو الجماهير في اتجاه تلك الخيارات ليست محتمة بل مستبعدة - سيستطيع تطبيقها وإعادة هيكلة اقتصاد الدولة بشكل سيادي يعتقه من دوره ضمن المصالح الغربية، إذ ثمة شرط حاكم في ما تقدم هو الاستقلال السياسي، الأمر الذي ينتفي عمليا في ظل الهيمنة العسكرية الغربية في الخليج الفارسي.

«نيوكاسل» والدور الجديد

من هذه الخلفية، يتضح سبب اتخاذ الرؤى المستقبلية الخليجية هذا الشكل الحالي، عبر تفعيل الصناديق السيادية والاستثمار في الأسواق العالمية والغربية تحديدا، من جهة، ومن جهة أخرى فتح السوق الخليجي للشركات الأجنبية وخصخصة قطاعات الدولة، وهذا هو صلب الحماس الغربي لـ«الإصلاحات» و«التجديد» السعودي.

فالدور الجديد للخليج الفارسي يتمثل في ضخ الأموال في الاقتصادات الغربية بشكل غير مسبوق، بل يمكن القول إنه لمعرفة السياسات الخليجية اليوم، عليك تتبع أخبار صناديقها السيادية وصفقاتها؛ فـ«بريتش بتروليوم»، مثلا، والتي يشكل تاريخها ومصالحها جزءا محوريا من تاريخ الخليج الفارسي، يمتلك الصندوق السيادي السعودي حصة فيها تبلغ قرابة الـ900 مليون دولار.

حتى الأزمة الخليجية، ما أطال أمدها ليس «طوشة» المراهقين في قصور الدوحة وأبو ظبي والرياض، بقدر ما أن هؤلاء الثلاثة، ومن ضمن صراعهم، أمسوا يتنافسون على إغداق الأموال في الأسواق الغربية لتشبيك مصالحهم في الغرب، ليتشكل مشهد سوريالي عماده أن قبيلتين عربيتين كانت في أزمنة غابرة تتصارعان وتفخران بشجاعة فرسانهما وبلاغة شعرائهما، أمستا تتصارعان عبر مباريات كرة قدم بين باريس ومانشستر.

هنا، تأتي صفقة «نيوكاسل» كخطوة إضافية على طريق الانخراط السعودي في شبكة رؤوس الأموال الخليجية في الغرب، ضمن مقامرة الدور الجديد لدول مجلس التعاون.

فبدل أن تتملك ثروتك وتكيفها بالاكتفاء الذاتي وتنمية مواردك البشرية والمادية، وتصيغ المجتمع وأفراده وعلاقاتهم ضمن دائرة إنتاج وتملك مشترك لثروات البلاد ومصيرها - وهذه هي الديمقراطية - وضمن محيطك الحيوي العربي، يمسي مصيرك ومصير الأجيال القادمة مرهونا بمقامرة نتيجة مباراة كرة قدم في الغرب.

لأي مراقب لردة فعل السعوديين الاحتفالية على صفقة «نيوكاسل» أن يلاحظ مزيجا من عقدة الرجل الأبيض والطموح للوصول إلى «العالمية»، فيما صارت مجموعة من الشبان البيض في شمال شرق إنكلترا تحتفي بالسعودية في أبشع الصور الاستشراقية المهينة لكل عربي.

مشهد يعكس المكنون النيوليبرالي للهوية السعودية الجديدة، بحيث بدا «أننا نحن اشترينا» النادي بشكل جماعي، وهو ما يندرج في إطار الثمالة الشعبية بتفجر الحالة الاستهلاكية وتشريع أبوابها منذ سنوات، والمؤطرة بعمر افتراضي مرتبط بتآكل القدرة الشرائية مع ارتفاع الضرائب والخصخصة، أو كما عبر مغرد: «شاهدوا احتفالات جماهير نيوكاسل، إنه العز السعودي».

المصدر: جريدة الأخبار