اليوم التالي للانقلاب: البرهان يبدأ معركة "الشرعية"

اليوم التالي للانقلاب: البرهان يبدأ معركة
الأربعاء ٢٧ أكتوبر ٢٠٢١ - ٠٦:٢٢ بتوقيت غرينتش

ركن قائد الانقلاب، عبد الفتاح البرهان، إلى الموقف الدولي الضعيف إزاء التطورات المتسارعة في السودان، ليبرِّر إجراءات الاستيلاء على السلطة، بإبداء خشيته من ذهاب البلد إلى حرب أهلية يعزّز احتمالاتها ما سمّاه "التحريض المتواصل" على المؤسسة العسكرية.

العالم - السودان

وضعٌ يَظهر أن "المجتمع الدولي" اختار مراقبة مآلاته، ليبني على الشيء مقتضاه، وخصوصاً في ظلّ وجود طاقم حاكم يبدو مستعدّاً لتقديم كل أنواع التنازلات لِمَن يطلبها، شرط أن يظلّ متربعاً على السلطة.

مع اكتمال وقائع الانقلاب العسكري في السودان، افتتح قائده، عبد الفتاح البرهان، مرحلة إلباس خطواته مشروعية تظلِّل حكمه، أو لا تعارضه على أقلّ تقدير.

ويَظهر من التصريحات والبيانات الدولية المندّدة، أن "المجتمع الدولي"، ممثَّلاً بهيئة مجلس الأمن، سيكتفي بالتعبير عن القلق إزاء التطوّرات، من دون الذهاب إلى حدّ إدانة الانقلاب، تماهياً مع الموقف الأميركي الرافض، حتى الآن، اعتبار ما حدث فجر الاثنين، انقلاباً.

مستنداً إلى ما تقدَّم، خرج البرهان، أمس، ليدافع عن قرار الاستيلاء على السلطة، وإطاحة الحكومة المدنيّة برئاسة عبد الله حمدوك، كونه جاء ليجنِّب البلاد "حرباً أهلية"، قائلاً إنه لم يكن أمام الجيش سوى "إبعاد السياسيين الذين يحرّضون على القوات المسلّحة".

ولفت إلى أن حمدوك ليس رهن الاعتقال "وإنّما معي في منزلي... حفاظاً على سلامته"، واصفاً إجراءاته التي جاءت في وقت يمرّ فيه البلد بـ"منعطف خطير"، بأنها "تصحيح لمسار الثورة، وليست انقلاباً عسكرياً... تعهّدنا للمجتمع الدولي بأنّنا سنقوم بحماية عملية الانتقال في السودان... الحكومة المقبلة ستكون حكومة كفاءات، ولن تشارك فيها قوى سياسية... ما جرى ليس انقلاباً".

وفي حين كرّر الإشارة إلى "التحريض والعداء" ضدّ القوات المسلحة، أكد أنه كان يخشى "خروج الأمور عن السيطرة"، وقيادة "البلاد إلى حرب أهلية"، وهو ما دفع الجيش إلى الاضطلاع بواجبه في "حماية الوطن لتحقيق الانتقال السياسي".

وفي إطار المديح الذي كاله لحمدوك، اعتبر أن مبادرة هذا الأخير إلى حلّ الأزمة الداخلية ومسألة الانتقال الديموقراطي، والتي أُعلن عنها في حزيران الماضي، "تمّ اختطافها من قِبَل مجموعة معينة"، مصوّباً، في هذا الإطار، على "مجموعة من قوى الحرية والتغيير" التي "استفردت بالمشهد على حساب قوى أخرى"، على حدّ تعبيره.

وتحدّث البرهان عن ثلاثة خيارات (لم يوضح ماهيتها) قدّمها إلى رئيس الوزراء لحلّ الأزمة، فيما "ناقشنا مع المبعوث الأميركي (إلى القرن الأفريقي جيفري) فيلتمان كيفية حلّ الخلاف بين القوى السياسية والجيش".

ويبدو أن الولايات المتحدة انتظرت تبلور المواقف الدولية، لتُصدِر متأخّرةً موقفاً تساوق مع ما صدر عن مبعوثها، فيلتمان.

ومن دون الإتيان على سيرة الانقلاب، اكتفت واشنطن باتخاذ خطوةٍ نحو "تعليق" مساعدة مالية للخرطوم بقيمة 700 مليون دولار مخصَّصة لدعم العملية الانتقالية الديموقراطية، حاضّةً على إعادة السلطة فوراً إلى الحكومة المدنية، وفق وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن.

وفي ظلّ تذبذب الموقف الأميركي، ذكر موقع "أكسيوس" الإخباري، نقلاً عن "مصادر مطّلعة" على الاجتماع الذي جرى بين فيلتمان والبرهان، أن الأخير أبلغ الأميركيين مسبقاً بإمكانية قيام عناصر من الجيش السوداني باتخاذ إجراءات ضدّ الحكومة المدنية، وذلك قبل ساعات فقط من إقدامه على تنفيذ الانقلاب.

اكتفت واشنطن باتخاذ خطوةٍ نحو "تعليق" مساعدة مالية للخرطوم بقيمة 700 مليون دولار

وفي موازاة قراره حلّ مجلسَي السيادة والوزراء، وتعليق العمل في بعض مواد الوثيقة الدستورية، وفرْض حالة الطوارئ، ووعده بإجراء انتخابات في صيف عام 2023 لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، حلَّ البرهان، أمس، جميع الكيانات النقابية والاتحادات المهنية في السودان، والتي تشكَّلت في أعقاب إطاحة عمر البشير لتحلّ محلّ مجالس إدارة النقابات المهنية.

وهي لجان اقترحها "تجمُّع المهنيين السودانيين"، أحد المحرّكين الأساسيين لانتفاضة 2018، فيما تولّت التصديق عليها لجنة "إزالة التمكين" المجمَّد عملها في ضوء الانقلاب، والتي تشكَّلت من قِبَل البرهان نفسه، بغرض إنهاء تمكين المحسوبين على نظام البشير في مؤسّسات الدولة ومحاربة الفساد واسترداد الأموال.

وفي ثاني أيام الانقلاب الذي أحدث اضطرابات سقط في خلالها سبعة قتلى، أُغلقت الطرق والمتاجر، وتعطَّلت الاتصالات الهاتفية، وانتشرت الطوابير أمام المخابز في السودان، فيما أمكن سماع الدعوات إلى الإضراب العام عبر مكبّرات الصوت في المساجد.

في هذا الوقت، جدّد "تجمع المهنيين السودانيين"، أمس، دعوته إلى التصدّي للانقلاب العسكري، قائلاً، في بيان: "ندعو جماهير شعبنا الصامد، وفي مقدِّمها لجان المقاومة في الأحياء والقوى الثورية النقابية والمطلبية والشعبية في كل ربوع السودان، إلى مواصلة التصدّي للانقلاب العسكري، باستخدام أدوات المقاومة السلمية المجرّبة في الإضراب السياسي العام والعصيان المدني الشامل والمفتوح حتى هزيمة الانقلابيين".

كما دعا إلى "إغلاق الطرق بالمتاريس لحماية الثوار مع تجنّب الاشتباك مع قوات الانقلابيين المسعورة حفاظاً على الأرواح"، و"الإضراب عن العمل"، و"تسيير المواكب داخل الأحياء"، وكذلك "التكافل وتوفير الاحتياجات الاستهلاكية والطبية للأسر المحتاجة".

وعلى المنوال ذاته، جاءت دعوة "قوى الحرية والتغيير" إلى "اتباع شتّى أشكال التصعيد الثوري السلمي وإغلاق الشوارع والعصيان المدني"، رفضاً للانقلاب العسكري في السودان، موضحةً أن "هناك استعدادات لفعاليات تصعيدية كبرى، وملء الشوارع بالسودانيين لإفشال انقلاب الجيش".

الوساطة مؤجلة

يدور الحديث، بحسب تقارير استخبارية عربية رُفعت إلى المعنيّين في الساعات الماضية، عن ضرورة مبادرة الجيش السوداني إلى سلسلة خطوات تطمينية كفيلة بتحصين الانقلاب الذي أقدم عليه، وخصوصاً في ظلّ محدودية الدعم الشعبي له، بحسب ما يرى داعموه الخارجيون، وعلى رأسهم مصر والإمارات والسعودية.

وعلى هذه الخلفية، تجرى مناقشة ترتيبات تعيد إشراك المدنيين في مرحلة انتقالية، تُختصر زمنيّاً لإنهاء حالة التململ الداخلية، فيما يبحث قائد الانقلاب، عبد الفتاح البرهان، عن فرصة محاصصة داخلية، بهدف إقناع "المجتمع الدولي" بأنه قادر على إدارة هذه المرحلة.

ويبدو أن لدى مصر رؤية لقيادة وساطة بين العسكريين والمدنيين، لتقريب وجهات النظر، والحثّ على مواصلة الدعم الدولي للسودان خلال الفترة المقبلة، في موازاة تقديم جميع الأطراف تنازلات جديدة والالتزام ببنود صريحة في مقدِّمها الإفراج عن كل الموقوفين على خلفية الأحداث الأخيرة وعدم محاسبة السفراء المنشقّين.

في المقابل، يرغب البرهان في تأجيل أيّ وساطات إقليمية إلى حين التوصّل إلى حلول مع المدنيين، إذ يريد الجيش صياغة اتفاق يوفر له غطاءً شرعيّاً داخلياً يستطيع ترويجه خارجياً. ويبقى رهان البرهان الأخير على الموقف الأميركي، المرتبط أوّلاً برغبة قائد الانقلاب في تسريع وتيرة التطبيع مع إسرائيل.

* الاخبار