الاقتصاد التونسي يدخل المجهول والسلطات تبحث عن مقرضين

الاقتصاد التونسي يدخل المجهول والسلطات تبحث عن مقرضين
السبت ٢٠ نوفمبر ٢٠٢١ - ٠٤:٢٩ بتوقيت غرينتش

يتكاثف الغموض حول مستقبل الأوضاع الاقتصادية في تونس، في ظلّ اتّباع السلطات الجديدة سياسة التعتيم على القوانين المالية، على غرار ما كان معتمَداً في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

العالم - تونس

ولعلّ المرسوم الخاص بقانون المالية التعديلي الصادر قبل أيام، مثّل نموذجاً واضحاً ممّا تَقدّم، إذ غابت عنه الأرقام الدقيقة، فيما حملت وثيقته التفسيرية أخباراً سيّئة لناحية توجّه الدولة نحو تغطية العجز من الاقتراض، الأمر الذي لا يبدو متوافراً بين يدَيها، لا داخلياً ولا خارجياً

لأوّل مرّة، لم تفصح وزارة المالية التونسية، في المرسوم الخاص بقانون المالية التعديلي الذي صدر يوم 16 تشرين الثاني، عن حجم ميزانية الدولة، لتعود في اليوم التالي وتكشف عن ذلك في وثيقة ثانية أظهرت أن حجم الميزانية بلغ 55 مليار دينار (حوالي 20 مليار دولار). ولأوّل مرّة أيضاً، يَصدر قانون المالية التعديلي لسنة 2021 في شكل مرسوم، أخذاً بمقتضيات الأمر الرئاسي المتعلّق بالتدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد في 25 تموز، أي من دون مصادقة من البرلمان الذي لا يزال موصد الأبواب. وجاء القانون، في مرحلة أولى، مقتضباً ومنقوصاً وفق المحلّلين الاقتصاديين؛ إذ انتقد أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، فتحي النوري، غياب الأرقام الدقيقة فيه، وقال في تصريح إلى "الأخبار": "كُنّا ننتظر وثيقة تفسيرية مفصَّلة لقانون المالية التكميلي لسنة 2021، إلّا أننا تفاجأنا، محلّلين وخبراء، بطريقة التقديم الجديدة الخالية من التفسير والتدقيق".

واعتبر النوري أن ''التعتيم الإعلامي المتعلّق بقوانين المالية والمعلومات الاقتصادية عامة عانى منه الباحثون ورجال الاقتصاد في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي. نرجو ألّا تكون تونس عادت إلى هذا التوجّه اليوم".

أنباء سيّئة
وفق ما جاء في القانون الأوّلي الذي نُشر في "الرائد الرسمي التونسي" (الجريدة الرسمية)، فقد ازداد عجز ميزانية الدولة لسنة 2021 بنسبة 38%، ليبلغ 9792 مليون دينار تونسي (3448 مليون دولار)، مقابل توقّعات بعجز في حدود 7094 مليون دينار (2498 مليون دولار ) في قانون المالية الأصلي لسنة 2021. وقدّر الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدان، في تصريح إلى وكالة الأنباء الرسمية، ميزانية الدولة في "المالية التعديلي" 2021، بحدود 55.5 مليار دينار، مقابل 52.6 مليار دينار مسجّلة في الميزانية الأصلية. وقال سعيدان إن "الاستثمار العمومي عرف تراجعاً حادّاً من 7.4 مليارات دينار مرسّمة في الميزانية الأصلية، إلى 4 مليارات دينار في قانون المالية التعديلي. كما ارتفعت حاجات الاقتراض الإجمالي إلى 21.1 مليار دينار مقابل 18.7 مليار دينار مبرمجة في الميزانية الأصلية". وتُعوّل الحكومة، في تمويل العجز وتغطية تكاليف الخزينة، على تعبئة موارد اقتراض خارجي بقيمة 12.1 مليار دينار، واقتراض داخلي بقيمة 8.1 مليارات دينار (مقابل 5.6 مليارات دينار في الميزانية الأصلية)، فضلاً عن بقية الموارد البالغة قيمتها 801 مليون دينار.

وبعد يوم على إصدار القانون المقتضَب، نشرت وزارة المالية التونسية وثيقة ثانية تفسيرية، لخّصها أستاذ الاقتصاد، عبد الرحمان اللاحقة، بأنها تَحمل في مجملها "أخباراً سيّئة".

وقال اللاحقة، في حديث إلى "الأخبار"اللبنانية، إن "نسبة النموّ لكامل سنة 2021 لن تتجاوز 2.6% مقارنة بـ4% متوقّعة. وتحتاج الخزينة لسدّ عجز الثلاثة أشهر الأخيرة من عام 2021، إلى 8000 مليون دينار، موزّعة على ما بين 2600 و2700 مليون دينار توفّرها قروض داخلية، وما يقارب 5400 مليون دينار ستكون في شكل قروض من الخارج". وبسؤاله عن مصادر القروض الخارجية، أوضح اللاحقة أنه وفق ما جاء في القانون، "فإنها تتوزّع بين مبالغ من الاتحاد الأوروبي وأخرى من البنك الدولي وألمانيا وفرنسا، إضافة إلى قرض من صندوق النقد وآخر من البنك الأفريقي"، مستدركاً بأن "كلّ هذه القروض لن تُغلق المبلغ الذي ينقص الخزينة، إذ تمّت الإشارة إلى اقتراض تونس لمبلغ 2800 مليون دينار في إطار التعاون الثنائي". وأضاف: "لا نعرف بعد من أين سيأتي هذا المبلغ... لكن من المرجّح أنه سيكون قرضاً من دول الخليج الفارسي".

من جانبه، انتقد أستاذ الاقتصاد، فتحي النوري، "تَوجّه الدولة التونسية نحو الاقتراض الداخلي لتغطية عجز ميزانية الدولة"، مبيّناً أن "السوق المالية التونسية صغيرة ولا يمكنها تغطية العجز". كذلك، حذّر النوري من أن إقبال الدولة على السوق الداخلية قد يرفع من نسب التضخّم، فيما اعتبر اللاحقة أنه "حتى لو تمّ تنظيم اكتتاب ناجح فهو لن يسدّ حاجة الميزانية".

عامل الوقت
إلى جانب ما تَقدّم، أشار اللاحقة إلى أن الدولة متأخّرة كثيراً في إتمام ميزانية 2022، منبّهاً إلى أن ''الضبابية تتكاثف بخصوص الوضع الاقتصادي، خاصة مع تعمّد الحكومة عدم استشارة المختصّين، فهي لم تعقد سوى اجتماع يتيم مع المجلس الوطني للجباية في اليوم ذاته الذي نشرت فيه قانون المالية". كما انتقد اللاحقة غياب التواصل مع الأطراف الاجتماعية (اتحاد الشغل واتحاد الأعراف)، حول الميزانية. وحذّر من أن "الوقت لا يلعب لمصلحة تونس بشأن وضعها الاقتصادي"، لافتاً إلى أن غالبية الدول تجاوزت أزمة "كورونا" إلّا تونس، حيث "ما زلنا في عمق مخلّفات الأزمة، والاقتراض من الخارج لا مفرّ منه، لكن من أين سنقترض؟". وخلص إلى أن كلّ المؤشرات تنذر بسنة مقبلة صعبة.


أرقام مقلقة
أظهرت آخر إحصائيات رسمية صدرت سنة 2020، أن نسبة الفقر في تونس بلغت 15.3%، أي مليوناً و791 ألف تونسي فقير، في حين أنه لا أرقام محيّنة لنسبة ''الفقر المدقع'' والتي كانت قد قُدّرت بـ2.9% سنة 2015. وتتصدّر ولايات الوسط والشمال الغربي خارطة توزّع الفقر، وهي الولايات التي غالباً ما تَعرف "شتاءً ساخناً" في كلّ عام، فيما سنة 2022 الغامضة الملامح، تنذر بسيناريوات مشابهة لسابقتها. وشهدت مدينة عقارب، الأسبوع الماضي، أوّل حراك اجتماعي بعد إجراءات 25 تموز، بسبب أزمة النفايات وما نتج منها من مواجهات. وفي هذا الإطار، رأى الناطق باسم "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، رمضان بن عمر، في تصريح، أن ما حصل في مدينة عقارب "يُعتبر تمريناً تطبيقياً مخيفاً ومرعباً لما يمكن أن يحصل في المستقبل". وأضاف: "تونس قادمة على أزمات اقتصادية واجتماعية كبرى، ولا أحد يعرف السيناريوات القادمة، لأن صمت القصور متواصل. ويمكن أن نرى صوراً أكثر بشاعة وبؤساً ممّا رأينا سابقاً".