من يقاتل في مأرب؟ أميركا أم السعودية؟

من يقاتل في مأرب؟ أميركا أم السعودية؟
الإثنين ١٧ يناير ٢٠٢٢ - ٠٦:٣٧ بتوقيت غرينتش

لا تجد الولايات المتحدة الأميركية، التي تجتهد للتخفف من أعباء وجودها في المنطقة، حرجاً في التدخل المباشر في اليمن، بعدما دأبت على مدى السنوات الماضية على إمداد التحالف السعودي - الإماراتي بشتى أنواع الخدمات.

العالم - اليمن

وإذ يؤشر تصعيد هذا التدخل بشكل علني إلى عجز واشنطن، إلى الآن، عن إخضاع إرادة المفاوض اليمني، فهو يؤكد حراجة الموقف الميداني الذي بلغه حلفاؤها، حتى اضطرت بنفسها إلى إنزال فرقها الخاصة في مأرب، لإعادة قلب الموازين وفرملة تقدم قوات الجيش واللجان الشعبية، والذي بات يعد أميركيا تجاوزا لكل الخطوط الحمراء.

لم تعد المشاركة الأميركية العسكرية في الحرب على اليمن، موضع بحث أو جدال، لا سيما في صنعاء التي تعتقد بأن هذه الحرب، منذ الإعلان عنها من واشنطن في ربيع عام 2015، أميركية الأهداف، وأن من يمنع إنهاءها حتى اليوم هو الولايات المتحدة نفسها، بعد أن فشلت في الوصول إلى النتائج المرسومة لها.

وقد اعترفت واشنطن، قبل مجيء الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، بالمشاركة غير المباشرة في الحرب، عبر تقديم الخدمات اللوجستية والفنية والاستخبارية، والتحديث الدائم لبنك الأهداف، وتزويد الطائرات الحربية بالوقود، إضافة إلى وجود خبراء أميركيين وبريطانيين على الحدود بين السعودية واليمن، وغرف العمليات المختلفة.

الجديد اليوم هو ما نقلته قناة «الحرة» الأميركية عن مسؤول كبير في «البنتاغون» من أن قوات خاصة أميركية تشارك في المعارك الجارية في اليمن لدعم التحالف بقيادة السعودية.

إقرار علني يحمل أكثر من مؤشر ورسالة، لعل أهمها أن مجريات الميدان فرضت على الولايات المتحدة الانخراط المباشر إلى جانب حلفائها، وعلى إدارة بايدن خصوصا، التي كانت ادعت أن من بين أولوياتها في السياسة الخارجية إيقاف الحرب في اليمن، أن تخلع قفازاتها، في وقت وصلت تلك الحرب إلى مرحلة حاسمة، قدرت فيها واشنطن أن حلفاءها، وعلى رأسهم الرياض، دخلوا في طْور الانهيار السريع، وباتوا في أسفل قوس النزول.

كذلك، وإن كانت المعلومات تفيد بتموضع أميركي في أكثر من جبهة ومنطقة، لا سيما في قاعدة الريان الجوية ومدينة باوزير في محافظة حضرموت، ومطار الغيظة وميناء نشطون في محافظة المهرة، وتردد الفرق الاستخباراتية الأميركية والإسرائيلية على جزيرة ميون وسط باب المندب، وأيضا على مدينة المخا على البحر الأحمر، فإن الإعلان الأخير يؤكد أهمية ومفصلية المعركة في مأرب خصوصا.

وفي هذا الإطار، أظهرت الأيام الماضية اختلافا عن السابق في إدارة المعركة والتنسيق بين الجبهات، وأيضا في القدرات الفنية والاستخباراتية والجاهزية العالية لسلاح الجو من حيث السرعة والدقة، فضلا عن كثافة استخدام الطائرات المسيرة الاستطلاعية، وتلك المزودة بصواريخ لقصف الأهداف البشرية والآلية.

وفيما أوكلت إلى القوات الإماراتية مهمة إدارة العمليات في جبهة محافظة شبوة، فقد ألقيت إدارتها في جبهة مأرب على الجانب السعودي، علما أن الإماراتيين يظهرون كفاءة أعلى مما لدى السعوديين، وفق التقييم الأميركي.

أما الضباط الأميركيون فيتولون التنسيق بين الجبهتين (شبوة ومأرب)، إضافة إلى إدارة الفرق الأميركية الخاصة في الميدان.

يدلل الإعلان الأميركي على فشل الإدارة الحالية، كما الإدارات السابقة، في إخضاع إرادة المفاوض اليمني

سياسيا، يدلل الإعلان الأميركي على فشل الإدارة الحالية، كما الإدارات السابقة، في إخضاع إرادة المفاوض اليمني، على رغم كل محاولات الترهيب والضغوط التي شهدتها الشهور الماضية.

كذلك، فهو يؤشر إلى أنه لم يعد بإمكان الولايات المتحدة تغليف موقفها وأدائها بادعاء الوساطة أو إظهار نفسها ساعية سلام؛ إذ يؤكد التدخل الأميركي المباشر أن المشاركة في الحرب قرار أميركي متخذ من الدولة العميقة، وليس خاصا بحزب من دون آخر (أي الحزبين الديموقراطي والجمهوري)، وليس من قبيل الصدفة أن قرار الحرب أعلن من واشنطن في ولاية الرئيس الأسبق، باراك أوباما، واستمر في ولايتي دونالد ترامب وبايدن، ولما فشل الوكيل اضطر الأصيل للتدخل بنفسه.

ويأتي تعميق الانخراط الأميركي في اليمن، بعد تقدير موقف خلص إلى أن اندفاعة الجيش واللجان الشعبية في مأرب تعتبر تجاوزا لكل الخطوط الحمراء الأميركية والغربية.

وليست "إسرائيل" بعيدة من هذا التقدير؛ إذا يوصي «معهد الأمن القومي الإسرائيلي»، في آخر إصداراته، بضرورة أن تكون المساعدات الإسرائيلية للسعودية «سرية»، وهو ما ستكون الأيام المقبلة كفيلة بكشف حجمه ونوعه.

لكن الأكيد أن تدهور الوضع الميداني لقوى العدوان، استحث كلا من واشنطن وتل أبيب للإسراع في وقف هذا التدهور، ومحاولة تأخير الحسم للمعركة الجارية في مأرب.

إزاء ذلك، ينتظر موقف الوفد اليمني المفاوض في مسقط، والذي لا يتوقع أن يكون سوى مزيد من الثبات والتصميم ورفض لي الذراع، وعندها ستجد واشنطن أنها لم تفعل سوى أن تدحرجت نحو المستنقع الذي كانت غرقت فيه حليفتها، خصوصا إذا ما قررت قيادة صنعاء توسيع دائرة الرد لتشمل مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، على رغم ترجيح مراقبين أن يكون الغرض من زج الولايات المتحدة بفرقها الخاصة في مأرب، محصورا بتغيير موازين القوى لمصلحة قوى العدوان، بما يخدم الأجندة الأميركية على طاولة المفاوضات.

المصدر: جريدة الأخبار