رسائل ودلالات زيارة الرئيس السوري للإمارات

 رسائل ودلالات زيارة الرئيس السوري للإمارات
الأحد ٢٠ مارس ٢٠٢٢ - ٠٦:٠٥ بتوقيت غرينتش

بعد احدى عشر سنة من الحرب، حطت طائرة الرئيس السوري بشار الأسد في الامارات، مبددة الضباب السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي الذي يغطي المنطقة منذ سنوات، بعد ان رمى من كان في عربة دعم الفوضى في سورية، بكل مشاريعهم ورهاناتهم على الجماعات الإرهابية المسلحة، والتي دعموها لسنين طويلة، وغيروا سلوكهم وعادوا الى سوريا المنتصرة.

العالم - كشكول

هذه الزيارة جاءت بعد ترتيب استمر لوقت طويل، بدأ منذ زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد الى دمشق في تشرين الثاني 2021، ليصل الرئيس السوري على رأس وفد كبير الى دبي، ولتخرج بعد ذلك البيانات الرسمية والتي ركّزت في معظمها على إظهار الزيارة على انها فاتحة لتعزيز التعاون بين الطرفين؛ غير أن اللافت في ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية الإماراتية عن لقاء الأسد ـــ ابن زايد، كان تأكيد الطرفين " الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوات الأجنبية، إضافة إلى دعم سوريا وشعبها الشقيق سياسياً وإنسانياً للوصول إلى حل سلمي لجميع التحديات التي يواجهها"، الامر الذي يشير الى ان تمردا اماراتيا على الموجة الامريكية والسباحة بعكس تيار محاولة استخدام الدول العربية للضغط على دمشق، وان ما يجري الان هو خارج الاستقطاب السياسي الحاد بعد الازمة الأوكرانية، ما يعني خروج الامارات عن خجلها، وفتح الطريق الواصل بين دمشق وأبو ظبي على مصراعيه.
زيارة مفصلية بكل المقاييس، فالكف العربية الممدودة لمصافحة الأسد، هي جزء هام من كسر العزلة السياسية، وينزع عن الشام وجه الغربة العربية، الى مرحلة جديدة من العلاقات، وتؤكد من جديد ان المنطقة الان محكومة بصمود سوريا وحلفائها، والمهم في الامر انها لا تأتي في نطاق علاقات سورية إماراتية فقط، بل هي زيارة تمضي في سياقات طبيعية للانتصار الذي حققته دمشق، وتشير الى مناخات جديدة حاكمة للمنطقة، أساسها ان هناك فشلا أمريكيا في المنطقة، واننا امام تغيرات كبرى على المستوى الإقليمي، لذلك نستطيع ان نقرأ المشهد ان الاصطفاف العربي ضد دمشق اصبح ببنية متفككة، ودمشق تدفعنا لنقرأ انها ثبتت في معادلات سياسية جديدة في الإقليم، بعد كل هذه التحولات التي حصلت، وممكن ان نجزم ان هناك محور انتصر وفرض معادلاته في المنطقة.
إن زيارة الأسد الى الامارات تشكل بداية الترسيم الحقيقي للحدود السياسية في المنطقة، وتحصد نتائج الصمود والنصر العسكري على الإرهاب، وترسيخ قيم الاستقرار في المنطقة، معالم الاستقرار في المنطقة، لما تحمله من دلالات سياسية، تبدأ من اختيار الأسد للتوقيت، كأول دولة عربية بعد بداية الحرب التي فرضت على سوريا، وفي ظل ظروف سياسية غير طبيعية تعصف بالعالم، بالإضافة الى اختياره للإمارات لتكون بوابة زياراته العربية، بعد الزيارة الهامة لطهران وموسكو، يشير الى دور أبو ظبي في المرحلة القادمة على مستوى المنطقة، لما تملكه من أدوات تأثير في القرار السياسي في المحيط، بالإضافة الى ذلك دورها كقوة اقتصادية في كسر الحصار الظالم المفروض على سوريا، والعمل على دعم الاقتصاد السوري وانهاء معاناة الشعب السوري جراء هذا الحصار، وقفزة هامة على طريق انهاء العزلة السياسية العربية والإقليمية على دمشق، بالذات في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن عودة دمشق لمقعدها في الجامعة العربية.
وبالمحصلة فإن هذه الزيارة التي أعلنت نهاية ما يسمى بالربيع العربي، تؤكد ان الزمن الذي كانت تستخدم فيه الجماعات الإرهابية لتدمير البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول، ذهب الى غير رجعة، واصبحنا في عصر يشهد عودة العلاقات مع دمشق، وفتح قنوات اتصال وتشبيك معها على الصعيد الاقتصادي والسياسي، ما سينعكس إيجابا على ملفات عديدة في المنطقة، منها ترتيب العلاقة مع دول الجوار، والحرب المفروضة على اليمن، وحتى ملف سند النهضة المصري، والازمة في ليبيا، ورأب الصدع بين العلاقة بين الجزائر والمغرب، بالإضافة الى إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، بعد السماح للمنارة السياسية في العمق العربي الاستراتيجي، الذي سينتج إنجازات سياسية بسبب الاستقرار الداخلي للدول.
ولا بد هنا ان نركز على نقطة، وهي ان ما تحتاجه دولنا في عالمنا العربي والإسلامي، هو استثمار هذا النصر العسكري والأمني على المشروع الأمريكي، بخلق مساحة اكبر من الاستقلال في الرأي السياسي، بعيد عن الإرادة الامريكية التي كانت حاكمة في الكثير من مفاصل القرار السياسي، وعدم السماح للامريكي المهزوم في المنطقة، بالتدخل في شؤون الداخلية للعالمين العربي والإسلامي.

حسام زیدان