بعد فضيحة دورها في الإتفاق النووي.. أوروبا وعقدة الدونية  

بعد فضيحة دورها في الإتفاق النووي.. أوروبا وعقدة الدونية  
الإثنين ١٣ يونيو ٢٠٢٢ - ١٠:٣٤ بتوقيت غرينتش

في شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الامريكي، قبل ان تصدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها المُسيس عن برنامج النووي الايراني، قال روب مالي مبعوث امريكا الخاص بشأن إيران:"إنه واثق من أنه مهما كانت نتيجة المحادثات النووية، فإن الحلفاء الأوروبيين سيتصرفون بالتنسيق مع واشنطن سواء كان الأمر يتعلق بإنفاذ العقوبات، أو اتخاذ إجراء في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

العالم كشكول

ما استوقفني من كلام مالي، كانت عبارة "الحلفاء الاوروبيين"، وهي عبارة تتكرر في تصريحات المسؤولين الامريكيين مرارا وتكرارا عند الحديث عن الاتفاق النووي بين القوى الست الكبرى وايران، وهي عبارة تتغير في بعض الاحيان على لسان المسؤولين الامريكيين الى عبارة "شركائنا الاوروبيين"، ولكن في كل الاحوال المقصود من العبارة، الدول الاوروبية وخاصة فرنسا وبريطانيا والمانيا.

واللافت ايضا في تصريح مالي هو ان هؤلاء "الحلفاء والشركاء"، سيتصرفون بالتنسيق مع امريكا، مهما كانت نتائج المباحثات النووية سواء كان الأمر يتعلق بإنفاذ العقوبات، أو اتخاذ إجراء في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بمعنى ان هؤلاء "الحلفاء والشركاء" لا دور مستقلا لهم عن امريكا، اي انهم ينفذون ما تريد امريكا منهم.

من المؤسف جدا ان تتعامل امريكا مع الدول الاوروبية تعامل الراعي مع قطيعه، فهو يهشها أنى شاء. ومن المؤسف اكثر ان تقبل الدول الاوروبية على نفسها ان تتصرف كالاغنام، فالراعي الامريكي، كما في عهد ترامب يهينها ويذلها ويصفها بابشع النعوت، ويحرّض اوباش اوروبا من العنصريين والمتطرفين، على انظمتها السياسية، وكما في عهد بايدن يغازلها، وفي كلا الحالتين، ردة فعل الدول الاوروبية واحد، هو الامتثال المطلق للامريكي، وكأنها مسحورة.

"حلفاء" مالي، الذين سيتبعونه مهما كانت نتائج المباحثات النووية، نسوا او تناسوا ان "الراعي الامريكي" هو الذي انسحب من الاتفاق النووي، وهو الذي هدد هؤلاء الحلفاء من بقاء شركاتهم في ايران، فما كان منهم الا ان سحبوا جميع شركاتهم، دون ان يُظهروا شيئا من جرأة، حتى لا يغضبوا "الراعي"، واليوم ايضا نراهم يتبعون ذات "الراعي"، وهم يهددون، كما يهدد، بفرض عقوبات على ايران، لا لشيء الا لان "الراعي" يطلب ذلك.

تبعية الاوروبيين لامريكا لا تنحصر في التعامل مع البرنامج النووي، بل توضحت هذه التبعية بشكل اكبر، في التعامل مع الازمة الناشبة في اوكرانيا، بعد ان تحولت اوروبا الى ساحة للصراع بين الاوروبيين انفسهم، وما ترتب عن هذا الصراع من تداعيات اقتصادية واجتماعية وامنية كارثية على الشعوب الاوروبية، لمجرد ان "الراعي" الامريكي اراد إستفزاز روسيا، عبر تشجيع اوكرانيا للمطالبة بالانضمام الى حلف الناتو، وسار الاوروبيون وراء "الراعي" دون تفكير، بينما الهدف من وراء كل تلك الازمة كان إضعاف روسيا عل حساب مصالح الاوروبيين!.

بعض النخب السياسة الاوروبية، تتعقد ان تداعيات الازمة في اوكرانيا، قد تؤدي الى ايجاد صحوة بين الاوروبيين، تدفعهم الي التحرر من الهيمنة الامريكية، الا ان بعض النخب الاخرى يستبعدون حدوث مثل هذه الصحوة، من دون الانعتاق من عقدة الدونية التي تعاني منها اوروبا ازاء امريكا منذ الحرب العالمية الثانية، وكذلك الانعتاق من تأثير اللوبيات الصهيونية المتغلغلة في مراكز صنع القرار في اوروبا.