الاستراتيجية الأميركية بحروب التوتير في المنطقة خاسرة

الأربعاء ١٥ يونيو ٢٠٢٢ - ٠٨:٢٢ بتوقيت غرينتش

أكد الأكاديمي والباحث السياسي طلال عتريسي أن تساؤلات عديدة تشوب التسريبات من البنتاغون بتصعيد أميركي باتجاه بدء حرب في المنطقة، مشدداً على أن المقصود من هذه التسريبات هو التلويح بأن الإدارة الأميركية لم تعد ضعيفة خلافاً لما يعتقده الجميع في الداخل الأميركي وخارجه.

وفي حديث مع قناة العالم لبرنامج "مع الحدث" أكد طلال عتريسي أنه لا يمكن فهم أو تحليل مدى إمكانية أن تذهب الأمور إلى مثل التصعيد الأميركي بغض النظر عن وضع الدول اليوم.

وطرح عتريسي في هذا الشأن عدة تساؤلات.. منها هل أن الوضع الأميركي على المستوى العالمي اليوم هو وضع هجومي أو دفاعي؟ هل الولايات المتحدة الأميركية اليوم في وضع أفضل في المواجهة مع روسيا والصين؟ هل تحتاج أميركا إلى حرب في المنطقة لتكمل هجومها الدولي؟ أم لا.. قد يكون لهذا التهويل والإبلاغ وظيفة أخرى؟

وأضاف: هل الرئيس الأميركي هو رئيس قوي يستطيع أن يتخذ قرارات بالحرب؟ هل انعكاسات المواجهة مع روسيا لغاية اليوم على مستوى النفط والغاز والغذاء في مصلحة أوروبا والولايات المتحدة الأميركية؟.. أم أن هناك إرباك كبير على المستوى الأميركي والغربي في التعامل مع الملف الروسي والصيني؟ وهل من مصلحة هذا الإرباك أن تشتعل الحرب على سبيل المثال في الشرق الأوسط؟ وما هي انعكاسات هذه الحرب المحتملة على النفط وليس فقط الغذاء؟

وأضاف: ليست المرة الأولى التي تفكر فيها الولايات المتحدة الأميركية بتشكيل نواة تحالف في الشرق الأوسط، حتى أنهم تحدثوا قبل سنوات عن "ناتو عربي".. أين أصبح هذا الناتو العربي؟ لا شيء.. غير موجود.

ولفت إلى أن السيناريو الذي يجب التفكير فيه وفقا لهذه التسريبات أنه ربما غدا أو بعد غد سيخرج من يقول إن البنتاغون ليست له علاقة بهذه التسريبات.

وقال عتريسي: لكن لنتخيل ما هو سيناريو الحرب بحسب هذه التسريبات.. بين من ومن ستكون الحرب؟ هل الولايات المتحدة الأميركية ستكون طرفا في هذه الحرب مع حلفائها؟ و من هم حلفاؤها؟

وأشار إلى أن الحرب: إذا كانت مع إسرائيل حليف الولايات المتحدة الأميركية، يعني أننا سنشهد حرباً غير محدودة، وكل المواقف والتصريحات من داخل فلسطين وخارج فلسطين ومن إيران تقول بأن أي مواجهة مع هذا الكيان ستكون مواجهة مفتوحة، مواجهة محور كامل، والولايات المتحدة الأميركية تعرف ذلك.

وأضاف: هل هي جاهزة لمثل هذه الحرب وتداعياتها؟ ما هو الطرف الذي يمكن أن ينتصر؟ هل دول الخليج هي جزء من هذا المحور الذي سيخوض الحرب؟ هل الدول التي يتحدث عنها تسريب البنتاغون مستعدة للحرب في هذه الظروف؟ هذه اسئلة عميقة ومشروعة.. هل السعودية والامارات وغيرها تستطيع أن تتحمل حرباً؟

كما تسائل هل تستطيع هذه الدول أن تقف بوجه القدرات العسكرية الإيرانية؟ وبالتالي هل سيكون هناك تحالف إسرائيلي خليجي في مواجهة وحرب ضد إيران وحزب الله وحركات المقاومة؟ هل هذه سيناريوهات حقيقية واقعية؟

وشدد على أن: هذه سيناريوهات غامضة، وهي تسريبات ربما المقصود منها التهديد والتلويح بأن الولايات المتحدة الأميركية ليست ضعيفة، لأن الواقع أن الولايات المتحدة الأميركية ضعيفة اليوم على المستوى الدولي، وبايدن نفسه في الداخل الأميركي يؤكدون أنه ضعيف.. وحلفاءه في الخارج يقولون إنه ضعيف، فربما هناك من يسرب ليقول لا.. إنما بايدن قوي، وهو يشكل محاور وتحالفات وهو يريد أن يقاتل الصين وروسيا والشرق الأوسط وإيران.

وخلص إلى القول إن زيارة بايدن المرتقبة إلى المنطقة ليس لتنظيم تحالف الحرب، بل ليسترضي محمد بن سلمان ليحصل منه على وعد بزيادة ضخ الطاقة، ليخفف من عبء الأزمة التي يعيشها بسبب العقوبات على روسيا.

من جانبه أكد الباحث في العلاقات الدولية عوني الحمصي أن الحسابات الأميركية والغربية ستكون خاطئة جملة وتفضيلها إذا بدات حربا جديدة في المنطقة مشدداً على أن تسريبات البنتاغون مجرد تصدير أزمات إلى الخارج وإعادة خلط الأوراق مرة أخرى، ومؤكداً أن محور المقاومة لديه القدرة والمكانة العالية في مواجهة أي احتمالات يمكن أن تلجأ إليها واشنطن في تصعيد حرب.

ولفت عوني الحمصي إلى أن ما يجري في المنطقة من تصعيد وتوتر وخاصة في الخطابات والرسائل مهم جدا، مبيناً: إحدى السيناريوهات والاحتمالات الكبرى لدى الولايات المتحدة الأميركية أن تشعل فتيلا هنا وهناك، وفي كل مناطق الجغرافيا السياسية في العالم، لكي تبقى هي القطب الأوحد، وكانت الاستراتيجية الأميركية مع بداية القرن الـ21 تؤكد أنها تريد وتسعى أن تكون القطب الأوحد في العالم.

وأضاف: لكن في المقابل هناك مؤشرات ودلائل مهمة جداً على مستوى الصعيد العسكري والسياسي والدور الكبير لبعض القوى وخاصة روسيا والصين، وهكذا من الناحية المادية والاقتصادية والنفط والغاز إلى ما هنالك، وحتى على مستوى محور المقاومة الذي أعتقد أن لديه القدرة والمكانة العالية في مواجهة أي احتمالات يمكن أن تلجأ اليها الولايات المتحدة الأميركية في تصعيد حرب.

وقال عوني الحمصي: لذلك يتوقف هذا الأمر اليوم على درجات الحماقة السياسية الأميركية في استثمار الضغط أو الوقت، أو الضغط على الجانب الروسي إلى ما هنالك.. لكن بالمقابل تؤكد كل المؤشرات والدلائل في الفترة الماضية أننا لم نكن بنزهة وإنما في حالة حرب، وهي حرب بالوكالة من قبل الولايات المتحدة الأميركية.

وشدد بالقول: لكن أن ننتقل إلى مستوى آخر كما انتقلنا من حرب الأدوات والمرتزقة في المنطقة ليظهر الوكيل والأصيل والأدوات المرتبطة بالمشروع الأميركي.. فهذا دليل انتصار لنا كمحور مقاومة.

ولفت إلى أنه: إذا كان فعلا السيناريو يتجه بهذا الاتجاه وتخطط له الولايات المتحدة الأميركية تحت عناوين مختلفة وتحالفات جديدة وتفعيل التحالفات القديمة.. وفعلا إذا كانت حرب حقيقية وحرب مفتوحة بكل الأبعاد.. أعتقد أن الحسابات الأميركية والغربية ستكون خاطئة جملة وتفضيلها، لأن كل الظروف التي تعيشها بحروبها ومعاركها المختلفة وخاصة فيما يتعلق بالإرهاب والحصار الاقتصادي وغير ذلك.. أعتقد هناك القناعة التامة لدى الكثير من الشعوب الحرة في المنطقة التي ترفض مثل هذه السياسات وهذه الإملاءات.

ونوه أن: هذا واضح على المستوى الميداني وعلى المستوى النفسي وعلى مستوى الوجدان العربي، أنه ما لم تقطع رأس الأفعى في هذه المنطقة ستبقى المنطقة متوترة وستبقى دائما في حالة معارك وحروب واستنزاف بكل ما تعنيه الكلمة، وخاصة في ظل الظروف الدولية.

و نوه إلى أن: المؤشرات لها أبعاد أيضاً في الحرب أو ما تسمى العملية العسكرية في أوكرانيا، وما تم اكتشافه من مخابر بيولوجية، وبالتالي أصبحت الولايات المتحدة الأميركية اليوم فعلا في نقطة حرجة أمام الرأي العام العالمي، ربما هي تسعى جاهدة من الهروب إلى الأمام وبالتالي توريط المنطقة وروسيا والصين بحروب جديدة، حتى تسعى لكي تقول بأنها تستطيع أن تملي وغير ذلك.

وخلص عوني الحمصي إلى القول: لكن بالمقابل تستبعد المؤشرات جدا أن تكون هناك حرب في هذه الفترة وهذا التوقيت، وأعتقد أن التسريبات مجرد تقديم في حالة الضعف والانهيار الداخلي الأميركي والوضع الذي تمر بها أميركا بشكل عام، وهي تصدير أزمات إلى الخارج وإعادة خلط الأوراق مرة أخرى، وهذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية.

هذا وقال الإعلامي والباحث السياسي يحيى حرب إن ما يمنع واشنطن من شن حرب في المنطقة هي التوازنات القائمة والنتائج المحتملة لهذه الحرب، بل عمدت إلى نوع جديد من الحروب وهي حروب التوتير، مشدداً على أن الاستراتيجية الأميركية بحرب التوتير لا تصل إلى حرب عسكرية كبرى مدمرة لأنها خاسرة فيها.

وأشار يحيى حرب إلى أن الأمبريالية الأميركية وربيبتها الصهيونية إنما هي كيانات حرب، وقال: وجود هذه الإمبريالية يبرر الحروب، وهي لا تشعر إلا بالحروب، وهي بالأساس قوة إذلال وإخضاع ونهب وسرقة واستتباع ومنع الحريات والاستقلال، هذه هي الإمبريالية الأميركية، وهذه حالة حرب.

وشدد على أن: ما نشهده اليوم على الواقع وما الذي يحدث في المنطقة الآن من حصارات على الشعوب وتجويع للشعوب ومحاولة إثارة الفتن والقلاقل والاضطرابات في عدة مناطق في سوريا ولبنان والعراق والجمهورية الاسلامية في ايران، ما تشهده الساحة الفلسطينية بالأساس ماذا نسمي هذا؟ هل هذا سلام؟ هل هذا أعمال إيجابية؟ هذه أعمال عدوانية، هي نوع من الحروب.

وأضاف: أما إذا كان المقصود الحرب بمعناها العسكري الكبيرة وبمعنى الصدام العسكري الكبير.. أنا أؤكد أنه لو كان باستطاعة الولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي القيام بهذه الحرب الآن لما أخروها ساعة، و إن ما يمنع الحرب هي التوازنات القائمة والنتائج المحتملة لهذه الحرب.

ولفت إلى أن ما تؤشر إليه التصريحات من البنتاغون وما يدعون إليه من مشاريع لإقامة تحالفات إقليمية من "ناتو عربي" أو تحالفات بين مجموعة من الدول ليس فقط على مستوى المنطقة بل حتى على المستوى الدولي، إنما هي استعداد لحرب، وشدد على أن: أميركا تريد الآن حروباً.. ولكنها تريد حروبا صغيرة مضبوطة يمكن السيطرة عليها.

وفي جانب آخر من اللقاء أكد يحيى حرب أن ما يجري في المنطقة في الشرق الأوسط لا يمكن فصله عما يجري في العالم، وقال إن: الولايات المتحدة الأميركية الآن في حالة حرب جديدة اخترعتها، وهي حرب التوتير وحرب الفوضى أو الفوضى البناءة التي نظروا لها منذ فترة.

وشدد على أن واشنطن لا تريد حرباً عسكرية كبرى، لأن موازين القوة ووضعها الداخلي لا يسمحان لها بذلك، مضيفاً: ثانيا أنها خسرت الحروب الباردة.. خسرت الحرب الباردة مع روسيا، فروسيا في العقدين الماضيين وبعد أن تسلم بوتين السلطة خصوصا خطت خطوات كبيرة لتعزيز مكانتها، خاصة بعد مشاركتها في الحرب مع سوريا، وعلاقتها المتينة والمتصاعدة مع أوروبا.. وهي تقدمت كثيرا باتجاه الدولة العظمى أو القطب الدولي.

وأضاف أن أميركا خسرت أيضاً الحرب الاقتصادية مع الصين، وحاولت التعويض من خلال التشوية والدعايات أن البضاعة الصينية رديئة، واتهامات حول أنها مسروقة ومغشوشة وما إلى ذلك.. فيما بات الاقتصاد الصيني الاقتصاد الوحيد النامي في العالم، وأن البضاعة الصينية غزت العالم بما فيها الأسواق الأميركية.

وقال يحيى حرب: كما أن أميركا خسرت حربها في التجويع والحصار مع إيران، وخرجت إيران سالمة، وبقيت قوة أساسية في المنطقة على مستوى التوازنات الاقليمية.. ولا زالت إيران عنصرا فاعلا وتتقدم باستمرار.

كما لفت إلى السيناريو الأوكراني وقال: أنا أعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية تريد أن تعمم السناريو الأوكراني لو استطاعت، وهي تريد أن تستنزف روسيا بحرب ولكن لا تدخل فيها مباشرة، لكي تعزز الجبهة الأوروبية في مواجهة روسيا.

وخلص إلى القول: تريد واشنطن أن تخلق نوعاً من التوترات والحروب الصغيرة في المنطقة لتعزز تحالفها ضد إيران، وهذا ما تحاول أن تفعله في منطقة الصين وشرق آسيا، إذاً هذه الاستراتيجية الأميركية بحرب التوتير لا تصل إلى حرب عسكرية كبرى مدمرة لأنها خاسرة فيها.