العالم - اسلاميات
ومع كل ما فعلوه عبر القرون الماضية إلا أن شمس الحق سطعت وانتشرت وعرف القاصي والداني بجريمتهم البشعة التي تشبه أفعال اليهود بحق أنبيائهم وانكشفت حقيقة انتمائهم الهش للإسلام وحقيقة بغضهم لنبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) وأبنائه وذريته من بعده (سلام الله عليهم)، وحتى جرأتهم على الكعبة المقدسة وانتهاكهم حرمتها وانتهاكهم أعراض النساء في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكل تلك الوقائع التي سجلتها كتب التاريخ ولا يختلف عليها اثنان.
المتأمل في الواقع يجد أن هناك معجزة إلهية خارج إرادة البشر هي من جعلت من ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) باقية لكل زمان ولكل مكان ومنبع ينتهل منه الأحرار الثوار من مختلف الديانات والمذاهب والطوائف، فلا تمل الإذن من سماعها ولا يضيق الصدر عند قراءتها، فرغم أننا نعلم بتفاصيل الأحداث والبطولات التي وصلتنا عن كربلاء وما قدمه أولاد الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) وإخوانه وأصحابه من بطولات نادرة وعظيمة ومواقف شهدت لهم في الدنيا والآخرة وجعلتهم من الفائزين لكن السر العجيب أنه في كل مرة نسمع أو نقرأ أو نشاهد تلك البطولات والمواقف نشعر وكأننا لأول مرة نسمع بها، ليس من العار أبدا أن تذرف دموعنا بعد كل هذه السنوات على تلك الرزية والخطب الجلل، حادثة بكت منها حتى ملائكة السماء فما بالكم بعباد مستضعفين مثلنا؟ نحن لا نبكي وننوح ونقعد في أماكننا دون أن نتحرك ! الدمعة الصادقة تصنع بداخل كل شخص عرف الحسين (سلام الله عليه) ثورة بداخله ضد كل الطغاة في عصره، تحرك براكين الغضب لهذا الواقع المنحرف الذي أفضى بالتفريط في ابن بنت المصطفى (صلى الله عليه وآله) خامس أهل الكساء (سلام الله عليهم)، الواقع الذي جعل من السكوت ثقافة ومن الذل حكمة ! الواقع الذي امتد إلى عصرنا هذا والى قبله من العصور ليصلنا من الإسلام الجسد بلا رأس مثلما قال الإمام الخميني (رحمه الله)، الواقع الذي جعل من أمة الإسلام أمة مهانة مرتهنة لعدوها لا تملك قرارها غارقة في شهواتها تُسرق وتنهب ثرواتها وتستباح أراضيها وهي غافلة راضية مدجّنة أن هذا واقع مفروض لا مجال للتخلص منه.
ألا نبكي على الحسين (عليه السلام) لنبكي واقعنا وننهض ونثور ونتمسك بأعلام الهدى سبل النجاة من ذرية الحسن والحسين (سلام الله عليهما)؟ ألا نقوم بتوعية مجتمعنا بما سيحدث للمفرطين المتخاذلين وكيف يكون دور هؤلاء في تثبيط الأمة وهزيمتها؟
ألا نبكي على أنفسنا ونسألها ماذا سيكون موقفها إن كانت عايشت واقعة الطف ومع من كانت ستكون؟ ألا نُذكر أنفسنا بأن الطاغية يزيد يتكرر في كل عصر وأوان وبأن الثائر الحسين (سلام الله عليه) كذلك يتكرر منه نماذج ساروا بهديه وعانوا ما عاناه؟ وبأن المنافقين أيضا يتكررون! وكذلك المتخاذلين والمثبطين، ألا نقارن واقع الحسين (عليه السلام) وواقع أصحابه وأعدائه بواقعنا ونحدد مواقفنا ونستجيب لدعاء الإمام الحسين (عليه السلام) هل من ناصر ينصرنا؟ ونفهم ماذا يعني تكالب أعداء الله علينا وتحالفهم تحت عدة مبررات سخيفة يقنعون بها الجهلاء قليلي الوعي الجاهلين بحقيقة الصراع بيننا وبين أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبر التاريخ؟
لا تسخروا أبدا من الباكين على مصيبة أبا عبدالله، صحيح البكاء وحده لا يجدي ولكن البكاء هو الطريق لصناعة الثورات وصناعة التغيير فالإمام الخميني كان يبكي على الحسين (سلام الله عليه) وهو قائد أعظم ثورة إسلامية في عصرنا الحديث والسيد حسن نصر الله يبكي وهو من ضج مضاجع اليهود وهزمهم ويخافونه خوفا شديدا، الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) شرح وفصل أسباب هذه المأساة وواجبنا في عصرنا تجاه كل ما نواجهه وأسس لبناء أمة قوية تستفيد من ماضيها وتستلهم الدروس والعبر لتنهض بحاضرها وتواجه أعداءها.
السيدة زينب ابنة سيّد البلغاء وابنة فاطمة الزهراء (سلام الله عليهم) كان لها دور يجب أن لا يغيب أبدا عند الحديث عن كربلاء فهي من شهدت واقعة قتل فيها أبناؤها وإخوانها وأهلها وذووها وهي شامخة واثقة بالله لم تسخط ولم تنهار وتقول (ما رأيت إلا جميلا)، وسطرت بمواقفها البطولية وخطبتها المشهورة ملاحما لا تنسى ودروسا قام من بعدها الثوار على الإمام الحسين (سلام الله عليه) متأثرين بها، ومنهم جيش التوابين وغيرهم من الحركات التي سجلها التاريخ، وهذا ما جسدته المرأة اليمنية الشامخة في واقعها ومظلوميتها وبذلها وصبرها وعطائها فكل ما لدينا من مواقف عظيمة مستلهم من زينب (عليها السلام)، ويطول الحديث ويتجدد عن الإمام الحسين (عليه السلام) وعن الدماء الطاهرة التي أحيّت مدينة كربلاء وحولتها إلى مدينة مقدسة يرتادها الملايين الملايين حبا وعشقا في الإمام الحسين (سلام الله عليه) الذي سكنها جسده الطاهر وروت تربتها دماؤه الزاكية، فكيف بقلوبنا الضعيفة لو سكنها حب الإمام الحسين (سلام الله عليه)؟ كيف سيكون حالها؟ فنسأل الله تعالى أن يوفقنا ويسدد خطانا على درب سيد الشهداء أبا عبدالله الحسين (عليه السلام) وأن يجعلنا ممن يحيّون بذكره وممن يمثلون القدوة في التعامل الأخلاقي مع من حولهم وممن يجسد مبادئ الثورة الحسينية قولا وعملا واتباعا للسيّد القائد في عصرنا السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي (حفظه الله) وبأن لا نكون ممن يخذلوه وممن يفرطوا في توجيهاته، فمن يريد أن يكون مع الحسين (عليه السلام) فليكن مع السيد عبدالملك في عصرنا ومع قادتنا في محور المقاومة الإمام الخامنئي (حفظه الله) والسيد حسن نصر الله، فهذا الدرب هو درب الحسين (سلام الله عليه) ولا درب سواه.
بقلم - أمةالملك الخاشب/اليمن