هل تركيا حقا بحاجة للمصالحة مع سوريا؟

هل تركيا حقا بحاجة للمصالحة مع سوريا؟
السبت ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٢ - ٠٤:٥٧ بتوقيت غرينتش

لم تهدأ بعد ريح تصريحات المصالحات التي هبت على المنطقة اثر المواقف التي اثارها المسؤولون الاتراك، عن ضرورة الانفتاح على سوريا، لتطويق التوتر الذي يشهده الشارع التركي في الاونة الاخيرة، وكبح جماح الانهيار الاقتصادي هناك، ولا ننكر ان هذه الريح طرقت نوافذ السوريين، على اعتبار ان عودة الحياة الطبيعية في البلاد لا بد له من مصالحات على مستوى الاقليم والمنطقة. 

العالم - كشكول
هذه الأجواء وهذه الأرياح يريدها ويؤكد عليها الجميع، لكنها يجب ان تعالج الارتدادات الواسعة والعميقة لنتائج الحرب التي فرضت على سوريا، ووصلت الى كل الدول التي شاركت فيها، عبر دعم المجموعات المسلحة او فتحت الحدود، او كان لها دور سياسي او اعلامي، ولكن من الملاحظ ان اكثر البلدان تأثرت بهذه الحرب هي تركيا، التي تربطها بسوريا حدود تتجاوز 900 كيلومتر، ما وسع مروحة التأثر التي وصلت رياحها الى الداخل التركي، فزادت الانقسامات السياسية، وتأثرت البنى الاقتصادية، واصبح واضحا الانقلاب في المزاج الشعبي والرسمي التركي، وهذا ما دفع هذه الريح الساخنة لتعبر الحدود وتصل الى دوائر صنع القرار السياسي في انقرة.

إلا أن السؤال المطروح هو عن الريح الساخنة التي انضجت المزاج التركي، وعدلت في برمجة المزاج العام هناك، والجواب نجده في ميزان الربح والخسارة الذي تقاس به الامور هناك، فالتركي الذي يقيس الامور بميزان الربح والخسارة، اكتشف ان كل مشاركته في الحرب على سوريا، لم تجلب له الا الخسارة، فبدأ بانزياحات واضحة في النخب السياسية المؤيدة لاردوغان، وتبعه قسم من الشارع، وازدياد العارضة السياسية، فالسياسيين الاتراك كان ميزانهم مختلف عن اردوغان، حيث وصولوا الى نتيجة ان هذا التدخل في سوريا، افقد تركيا مكانتها في المحيط الاقليمي، والانفاق الكبير على المجموعات المسلحة زاد سرعة التدهور الاقتصادي نحو الهاوية، تبعه تبدل في مزاج الشارع بما يخص قضية اللاجئيين السوريين، ووضعهم في سلم اسباب الازمة الاقتصادية التركية، ليتحول اللاجئ السوري الى ركن في حلبة الصراع السياسي بين احزاب المعارضة وحزب اردوغان، وهنا نتذكر ما طرحه احد قادة احزاب المعارضة الذي وعد في حال فوزه بالانتخابات، باتمام المصالحة مع سوريا واعادة جميع اللاجئين. هنا اقتنص صانع السياسة في ايران وروسيا كل تلك العوامل، ليبدأ بالضغط للمسير مع اتجاه ريح المصالحة، التي بررت تركيا التحاقها بهذا الطرح، انها توافق على اعادة بناء نظام اقليمي يحتفط لها بشيء من الدور.

اما الحال في سوريا، واعادة النظر في العلاقات مع تركيا، التي تخضع لحاكمية الجغرافيا، تؤكد معظم الاراء للمتابعين ان لا استقرار سياسي او اقتصادي لتركيا دون سوريا، فالجغرافية السياسية تفرض ان تكون سوريا بوابة تركيا نحو العالم القديم، وشمال افريقيا. حيث ترى الاوساط السياسية في دمشق ان المصالحة لن تتم، الا عبر تنفيذ تركيا للشروط السورية، وهي الشروط البديهية لعودة العلاقات، وبالاخص ان الجانب التركي يحتاج دمشق هذه الايام لعدة اسباب والاهم فيها الاقتصادي، حيث تعتبر دمشق بوابة الترانزيت التركي نحو دول الخليج (الفارسي) وشمال افريقيا، ما يعني عودة اكثر من 150 الف شاحنة تركية للعمل عبر الاراضي السورية، نحو الاراضي الاردنية ودول الخليج (الفارسي)، وهنا نحن نتحدث عن رسوم ترانزيت وخفض الوقت والتكاليف امام التجار الاتراك، ووصول اسرع للاسواق المستهلكة للمنتجات التركية، وهذا الامر يعيد سوريا لموقعها الاهم وهي نقطة وصل وعبور، بالاضافة الى ان فتح المعابر والحدود والطرق الدولية امام حركة البضائع، يساهم في تسريع عودة البيئة الاستثمارية التركية في سوريا، والتي كانت تشكل منذ زمان طويل منطقة جذب لرجال الاعمال الاتراك، ما يعني ان الحكومة السورية تملك ورقة اقتصادية هامة تحتاجها الحكومة التركية من تجارة الترانزيت الى الاستثمارات، يضاف اليها عودة حركة السياحة السورية والعربية لتركيا عبر المعابر البرية.

ان البوابة الاقرب الى قلب صناع القرار في تركيا، هي البوابة الاقتصادية التي منها تمر ريح التغيير، وينتطرها الشارع التركي الموعود بانفراجات اقتصادية مبنية على اساس عودة انقرة الى الدور الاقليمي بعيد عن حسابات الناتو والاحلام الامريكية وعقلية الشر وعدوان الكيان الاسرائيلي، لتأخذ حجمها ودورها الطبيعية في المنطقة والاقليم، ولا يمكن لذلك ان يكون الا عبر المصالحة مع سوريا.

*حسام زيدان