قراءة في التصعيد التركي شمال سوريا

قراءة في التصعيد التركي شمال سوريا
الخميس ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٢ - ٠٦:٠٠ بتوقيت غرينتش

تتزاحم الاحتمالات حول الأسباب والدوافع التي تحكم التطورات في شمال وشمال شرق سوريا، ومسارها التصاعدي ميدانيا، في الوقت الذي تتراكم فيه المعطيات حول السعي التركي لتحسين موقعه داخل الترويكا الثلاثية التي تجمعه مع الروسي والإيراني في أي حل سياسي قادم، او على الأقل في اجتماعات استانا.

العالم - سوريا

المؤشرات الميدانية تؤكد العمل التركي على تطوير دائرة الحرب في الشمال السوري وانتقالها الى العمل البري، ولو ذهب الأمر إلى مواجهة سياسية مع شركائه الضامنين في استانا، بالرغم ان تهديدات رئيس النظام التركي بشن عدوان عسكري ليست بجديدة، فقد سبق له أن أرعد وأزبد، وربما كانت الظروف في ذلك الحين أفضل قياساً لحجم الوجود الأميركي والتغييرات التكتيكية والإستراتيجية في المقاربة الأميركية، والظروف الإقليمية والدولية التي تختلف بين ساعة وأخرى.

ميدانيًا، في الأيام الماضية قصفت تركيا أكثر من 116 مواقع لقوات لـ"قسد"، واستخدمت فيها بإحصائيات ميدانية ما يقارب 700 قذيفة صاروخية، ضمن خريطة ضمت اكثر من 60 مدينة وبلدة وقرية، ما يعني ان عملية الانهاك لخطوط دفاع "قسد" قد تمت، وان تليين ارض المعركة بالنيران اصبح امر واقع، لذلك تأتي التقديرات الأولية في خانة التصميم التركي على شن عملية برية في ريف حلب في مواجهة قوات "قسد".

المؤشرات تجزم ان تلك العملية ستكون على محاور منبج - عين العرب - تل رفعت، وما يعزز هذه الفرضية، الحديث عن وصول تعزيزات تركية إلى الحدود السورية، حيث تشير المعلومات عن وصول ثلاث فِرق من الوحدات الخاصة إلى قاعدة تركية بالقرب من أعزاز، مع عربات محمَّلة بالمدفعية والدبّابات والأسلحة، ومن دراسة نوع هذه التعزيزات، فهي قوات برية ومدرعات واليات عسكرية، ووحدات من القوات الخاصة، وهذه القوات التي تنقل بالعادة لتوزيعها في معارك برية، بعكس القوات التي تعمل تركيا على تبديلها بشكل دوري، او التي تختص بالمعدات اللوجستية المرسلة لقواعدها في الشمال السوري، توازياً مع ما يتم تسريبه من معلومات حول استعداد المجموعات المسلحة المرتبطة بالجيش التركي، للمشاركة بالمعركة، حتى بعضها تحدث عن احتمال مشاركة جبهة النصرة فيها.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن المجموعات المسلحة المدعومة من الجيش التركي، بدأت برفع الجاهزية، جرى ذلك بعد سلسلة اجتماعات عقد بعضها في بلدة حور كلس بين ضباط اتراك وقادة تلك المجموعات، وأكدت المصادر ان الاتراك اخبروا المسلحين ان العملية لها عدة اهداف، ستكون بتكتيك مختلف تسعى من خلاله القوات التركية الى احتلال بلدات وقرى في خط التماس مع الحدود السورية التركية، وتحديدا في ارياف محافظات الرقة والحسكة وحلب، ومن ضمن بنك الأهداف التركي، البلدات في محيط أبو رأسين والدرباسية في الحسكة، ومحيط عين العرب ومنبج وتل رفعت في ريف حلب، ومركز بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي.

إن قراءة هذه المعطيات تؤكد ان النظام التركي يسعى الى المواجهة الأقل كلفة، وخوض نزال ميداني لا يخرج فيه الخاسر الأكبر حتى لو كانت حرب بالوكالة، أو عبر المجموعات المسلحة، وما يبرز واضحا هو اللعب التركي على التقاطعات الميدانية، ومسار اشغال عسكري يسعى من خلاله ضبط مسارات سياسية أخرى، وعدم الانجرار وراء مسرح عمليات مفتوح، واليات مواجهة مختلفة، ما يساهم في هزيمة التركي.

الا ان المشترك مع كل التهديدات السابقة التي اطلقها اردوغان، هو محاولة شراء الوقت، الذي يريد ان يستثمره سياسيا وعسكريا مع الأمريكي أولا، بعد الرسالة التي بعثها عبر استهداف حقول وابار النفط والغاز، وقاعدة مشتركة مع قوات "قسد"، ليصل الى التوظيف السياسي لهذه المعركة، وتجاوز كل الاهتزازات في العلاقة التركية الأمريكية، وابعاد تركية عن المقصلة الامريكية بالذات بعد الاشتباك السياسي حول أوكرانيا.

ودفع الأمريكي الى الاصطفاف مجددا داخل الإقليم، وترتيب الأوراق عبر تقاطعات صعبة على "قسد"، وما هو واضح هو اللحاق الأمريكي بالتصعيد التركي، عبر تحذيراته المتكررة لرعاياه بعدم السفر الى شمال سوريا، يؤكد ان الأمريكي كان على دراية كاملة بهذه العملية، ما يترك مساحات كبرى للتأويل، والحكم ان ما يجري هو ضمن المجال الحيوي للاطماع الامريكية التركية، وهدفها الأساس هو إعادة تثبيت نقاط على الأرض، عبر قاعدة تسخين الميدان يراد منه إعادة فتح طاولة المفاوضات، كي تكون هذه الطاولة على المقاس والمزاج الأمريكي التركي، ولو أدى هذا التسخين الى الانزلاق الى الهاوية في الميدان والعسكرة.

مراسل العالم حسام زيدان