الشيخ جلال الدين الصغير في حوار حصري للعالم..

الشهيد سليماني كان رجل ميدان وفي قلب المعارك لايهاب احداً

الأربعاء ٠٤ يناير ٢٠٢٣ - ٠٥:٢٦ بتوقيت غرينتش

اكد القيادي في المجلس الاعلى الاسلامي وامام جامع براثا الشيخ جلال الدين الصغير، ان الشهيد القائد قاسم سليماني كان رجل الميدان، ويعتبر رجل المهمات والمواقف الصعبة يقف شجاعاً في قلب الهجمات مع رفيقه الشهيد ابو مهدي المهندس، وفي الكثير من الاحيان كانا يتقدمان حتى على القطعات المهاجمة.

خاص بالعالم

وقال الشيخ جلال الدين الصغير في حوار خاص مع قناة العالم خلال برنامج "ضيف وحوار" على هامش الذكرى السنوية الثالثة لإستشهاد قادة النصر الحاج قاسم سليماني وابو مهدي المهندس على يد القوات الامريكية في عملية اغتيال غاشمة قرب مطار بغداد الدولي: ان الحاج قاسم كان لا يدخر جهداً في مساعدة العراقيين وهو اول من مدّ يد المساعدة بالسلاح والعتاد حينما هاجمت داعش العراق، وله دور كبير في دحر الارهابيين ويصد هجومهم حتى حينما كان مصاباً بجروح خطيرة.

وفيما يلي اليكم نص المقابلة..

العالم: يحيي العراق في هذه الأيام الذكرى الثالثة لإستشهاد قادة النصر الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ونعلم بأنكم كنتم على تواصل مباشر مع الحاج قاسم سليماني وايضا ابو مهدي المهندس منذ سنوات طويلة وتعرفتم على سجاياه وسلكوكه السياسي وكذلك الخصوصيات التي يمتلكها هذا الشهيد الكبير هل يمكن أن تحدثنا أكثر عن هذا الموضوع؟

الشيخ جلال الدين الصغير: ما جرى للشهيدين الكبيرين قدس الله روحيهما، لم يكن مفاجأ لي، لا على مستوى المجرم الفاعل، ولا على مستوى الشهيدين.

طوال معرفتي بهما كانا حريصين جدا على ثقافة الشهادة والتعامل على أساس أنهما مقبلان عليها، وهذا ليس مجرد كلام انما في واقع الميدان وفي جبهات القتال وفي المواقف الصعبة كنا دائما نراهم في قلب الأزمات والمشكلات والهجوم وفي الكثير من الاحيان كانوا يتقدمون حتى على القطعات المهاجمة لبسبب أو آخر.

وبالنسبة لامريكا كفاعل ليس غريبا عليها ان تمارس هذا الاجرام، وبهذه الطريقة الصلفة التي تعدت فيها عن كل القيم والموازين والمواثيق الدولية والقوانين الداخلية والخارجية.

اتذكر في سنة 2018 او 2017 أتى لي الحاج قاسم رحمة الله عليه مسرورا، قال إن ابنتي رأت رؤيا باني استشهد في حلب، وكان مسرور لانه في الاخير كان قد نال ما يأمله، قلت له حاج انت لا تستشهد في حلب رأيته كأنه تبرم من كلامي، لكن قلت له "داعش" لا شك انهم من أهل الاجرام المتميزين لكن انت تحتاج الى مجرم أكبر من هؤلاء لكي تكون شهادتك بنفس مقياس قربك من الله وعملك وتفانيك من أجل هذه الأمة، لذلك حينما جاء الخبر باستشهاده قدس الله روحه الزكية مع أبي مهدي حقيقة لم استغرب من الامر، لأنهما نالا ما سعيا اليه وما اراداه دوماً.

كان الحاج يتمنى ان يستشهد على طريقة شهادة شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم، كان حينما يتحدث عن الشهادة يتحدث عنها بسرور، بأن الانسان من سعادته أن يستشهد بهذه الطريقة، بحيث لا يبقى شيء من جسمه وما يشير اليه، ما شاء الله وقدر أن يحظى بنفس هذه النتيجة.

أنا اعتقد ان الشهيد سليماني وابي مهدي كرامة خاصة عند الله سبحانه وتعالى بحيث تحولت شهادتهما ومابعد شهادتهما الى شجرة مُونعة، عادتا الانسان حينما يموت تذوى شجرته شيئاً فشيئاً، اللهم الا الابرار ان شاء الله سبحانه وتعالى يحولهم الى شهداء احياء وان كنا لا نشعر بهم.

هما في هذه الحالة التي استشهدوا فيها تحولوا الى أحياء الامة، هم احياء بناء على أهدافهم وأمنياتهم ومتطلبات الصراع، يعني الحاج قاسم لم يكن جليس مكتبه او جليس بيته.

العالم: الحاج قاسم رجل ينحدر من أحدى قرى محافظة كرمان، ترعرع فيها، وكان منذ بداية الثورة في خدمته الثورة لكنه تسلم ملف قيادة فيلق القدس عام 1998، ومنذ ذلك الحين ارتبط بشكل وثيق مع الشخصيات والقيادات السياسية العراقية المعارضة آنذاك وبعد سقوط النظام ايضا تبنى هذا الملف، كيف كان يتعامل مع ملف العراق وارتباطاته مع الشخصيات والشعب العراقي، نعلم بانه يكن كل الحب والعشق للشعب العراقي وللشخصيات العراقية من كافة اطياف العراق؟

الشيخ جلال الدين الصغير: لا يمكن ان اسميه حبا، بل كان جنونا حقيقة الحاج قاسم سليماني بمنزلته ومقامه، كان يمكن له أن يكون جليسا في مكتبه ويدير الأمور في جبهات القتال، ولديه معاونين ومستشارين كثر وكلامه كان مسموعا، ولكن لماذا كان يقف دوما في الخط الاول لجبهات القتال ما الذي جبره على ذلك في أن يفترش الأرض ويعاني مما يعانيه أهل جبهات القتال، لم يكن القتال سهلا.

انا رأيته في مواقع لا يمكن للانسان الا ان يكون فدائيا حتى يصل الى تلك المواقع، هو أصر على أن يكون دائما في قلب الخطر، وكان في بعض الأحيان كما حصل اثناء منطقة السعدية وجلولاء، حيث وصلنا الى مكان بعض القيادات لم يستطيعوا ان يتقدموا لكن هو كان يقول يجب أن نتقدم ويجب ان تنتهي المهمة، وخلال مدة نصف ساعة من بعد انتهاء النقاش اتصل الحاج قاسم وقال انا موجود في نفس النقطة التي كان يجب ان ننهي المهمة فيها.

وروى لي أحد الاخوة بانه كان قريبا منهم ولم يراه الا وقد صعد الدراجة البخارية وتوجه بشكل سريع الى الخط الامامي، هذا الرجل لهذا لا يمكن ان نعبر بانه كان محباً بل كان رجلا ولهان في طبيعة المهمة التي يؤديها ومشتاق جدا الى ان يكون من السابقين في اداء مهمته، هذا الحرص لماذا يفعله؟

انا رأيت الكثير من العراقيين لا يفعلون كما فعل الشهيد قاسم سيلماني للعراق، لكن الشهيد سليماني وابو مهدي كانا عينات استثنائية وليس من السهل ان يجود الزمان بامثال هذه الشخصيات.

طبيعة حرقته على الفقراء والعشائر والحالة الاجتماعية في العراق، وألمه من الفساد الذي كان يحصل، والمعاناة التي يعاني منها الشعب العراقي، وهو من الذين جالوا في العراق ولم يكن يتوقف في منطقة واحدة في الوقت الذي كان يصول ويجول في جبهات القتال ما ان تسنح له فرصة الا ويذهب لزيارة المحافظات لا يتكلم ولا يعلن عن وجوده وفي الكثير من الاحيان يتخفى لكن يحب ان يطلع عن كثب، وكان يسجل ملاحظاته وينقلها الى القيادات بعنوان شهادة زمن وشهادة شاهد من أهل المنطقة اذا صح التعبير.

العالم: عندما يدور الحديث عن الشهيد قاسم سليماني تتجه الانظار الی الجانب الامني والخطوات الأمنية والعسکرية التي قام بها للدفاع عن العراق في وجه داعش والاحتلال الاميرکي، لکن هناك ربما جوانب اخری لشخصية الحاج قاسم هي ما تفضلت بها؛ التماس المباشر مع الشعب العراقي، درك وفهم آلام الشعب العراقي، هل کان ينقل هذه المعاناة الی المسؤولين العراقيين ويوجه لهم نصائح بکيفية التعاطي والتعامل لتحسين الأداء في تقديم الخدمة للشعب العراقي، هل کان يدور هکذا حديث بين الحاج قاسم مع السياسيين العراقيين، بالنظر الی الکثير من الاخفاقات التي رافقت هذه الفترة من فساد اداري ومالي وايضاً اخفاقات علی مستوی تقديم الخدمات؛ کيف کان کانت شخصية الحاج قاسم سليماني في هذا المجال؟

الشيخ جلال الدين الصغير: لاشك ولاريب انه کان يدلي برأي متشدد في هذا المجال، وما کان يترك أحداً الا وکان يحاول ان يؤثر عليه من أجل البرّ للناس ومن أجل تفادي المشکلات الموجودة؛ طبعاً کسياسي وليس کأمني؛ کسياسي هو يعرف طبيعة حقيقة المشکلات، لکن فيه مزايا يندر ان تجده عند السياسيين الاخرين، أولاً هو أقام علاقة مع کل الاطياف السياسية بدون استثناء؛ فکان يلتقي حتی بالذين يسبونه ويشتمونه ويحاورهم ويحاول ان يصل معهم الی منطق مشترك وهو دوماً کان يتحدث بأن قيمة الاشياء بمنطقها. نحن اذا لم نکن نجلس مع الاخرين ونعرف ماذا يوجد لديهم ويعرفون ماذا يوجد لدينا لنتلقي في ساحة مشترکة لايمکن ان تحل هذه المشاکل.

أنا اعتقد ان دوره في تهدئة التوترات التي تحصل في العملية السياسية کان دوراً هائلاً جداً وليس بأقل من خدماته في جبهات القتال، لأنه استطاع في الکثير من الاحيان ان يجنب العراق الصراعات الداخلية او الوصول الی الازمات التي تؤثر علی عموم الناس. کان له رأيه بالشخصيات السياسية لاشك کان لديه ملاحظات سلبية علی هذا او علی ذاک ولديه ملاحظات ايجابية علی هذا او ذاك؛ لکن بالمقابل يقول الناس أهم من هؤلاء؛ اذا ذهب هذا وذاك ليس مهماً، المهم ان يتخلص الناس من المشکلات الرئيسية.

يعرف ان امريکا منزعجة وان الفساد مستشري في داخل بنية الدولة، يعرف کل هذه الأمور وتمر عليه، ولکن الشيء الاساس الذي اعتبره ملاکاً هو مسألة الحفاظ علی أمن الناس وعلی استقرار الحياة العامة، يقول لأن الناس لم يجربوا حالة الحرب الاهلية حتی يعرفوا طبيعة الاضرار الکبری التي يمکن ان تحصل والعياذ بالله لو حصل تقاتل أو ما الی ذلك، في بعض الاحيان کان الفرقاء السياسيين ربما يرفضون علی علاقته بالطرف الفلاني او بالطرف العلاني او ما الی ذلك...

العالم: وهنا يأتي الحديث.. يعني الحاج قاسم هو محسوب بالنهاية علی الجمهورية الاسلامية ومحسوب علی الطيف الشيعي في العراق، وکان لديه خصوم بالتأکيد من بعض الاطراف الاخری التي تنظر اليه بريب، کيف کان يتعامل مع هذه الاطراف ولنکون اکثر صراحة مع الطرف السني والطرف الکردي ومع باقي الاطراف السياسية؟

الشيخ جلال الدين الصغير: اولاً مع الاکراد، كانت علاقته وثيقة جداً ولايحتاج الی شرح.. العلاقة مع الاطراف السنية کافة کانت علاقة مميزة. انا کنت بحالة صحية استدعيت بي ان أرقد في مستشفی بقية الله الاعظم صلوات الله وسلامه عليه، في طهران، فجاء الحاج قاسم لزيارتي، انا اعرف مشاغله ولايحتاج بيني وبينه الی مثل هذه المجاملات، قلت له لماذا جئت؟ انا لااقبل ان تأتي الي وتتحمل المتاعب، قال انني لم آتي عليك وانما لديك زائر، بجوار غرفتك. حيث كان في هذه المستشفی هناك طابق اغلبه من العراقيين، فقلت له من هو ذلك الزائر، قال انا لن اقول لك، لکنك تستطيع زيارته بعد ان اخرج من غرفته. عندما ذهبت الی غرفته ذهلنا کلانا من رؤية بعضنا البعض. فهو من السياسيين المعروفين جداً والذي کان يجيد الشتيمة الى ايران وهو کثير الحديث في القنوات التلفزيونية. کنت اتوقع أن يکون اي شخص، غير هذا الشخص بالذات، هذه كانت طريقة تعامل ضيافة الحاج قاسم مع الاخرين.

العالم: هل يمکن ان تفصح لنا بإسم هذه الشخصية؟..

الشيخ جلال الدين الصغير: لا.. لا استطيع.. لانه ائتمنني علی هذه الامانة، حقيقة الامر ان العديد من الشخصيات المتقدمة والمسؤولة لها منصب أيضاً، اضطرت الی تلقي العلاج لم يکن موجوداً الا في الجمهورية الاسلامية.. بالنتيجة مثل هذه العلاقات کثيرة جداً وهم لايفصحون عنها مع انه ليست في هذه القضية فحسب، ليست في العلاقات فقط، وانما لمعالجة کل مشاکلهم ومشاکل مدنهم بالمال وبالخبرة وبالاستشارة وما الی ذلك، کان سخياً معها.

طريقة الشهيد سليماني هي اننا يجب ان نصل الی منطق يقنع الطرف الاخر بضرورة التعاون سوية في هذا المجال، في السياسة التي کان يمارسها، انا مؤتمن هنا في ذکراه، أقول ان ثابته الرئيسي الذي کان يهمه کمسؤول في الجمهورية الاسلامية وليس کحاج قاسم الذي يأتي الی العراق ويکون عراقياً مع بقية قوات الحشد الشعبي او الناس العاديين اکثر من کونه مع المسؤولين، باعتبار له علاقات کبيرة جداً وهنا له مزية خاصة جداً، لکن حقيقة الثابت الرئيسي الذي کان يتحرك بموجبه هو الحصول علی استقرار العراق بأي ثمن من الاثمان.

الحاج قاسم كان يعتبر أمن العراق محور استراتيجي يهم الجمهورية الاسلامية وليس بعنوان شخص له عواطف، بل كان يتحدث ويقول بأننا مصالحنا مشترکة کبيرة وهذه المصالح لايمکن ان ننال منها الا باستقرار العراق، واستقرار العراق لايأتي الا من خلال البرّ بشعبه والا من خلال وحدة القوی السياسية وتفاهمها وما الی ذلك.

من يريد ان يفهم الحاج قاسم بعيداً عن هذه النقطة لن يستطيع ان يفهمه ابداً. نعم هو حينما يختلط مع المقاتلين والمجاهدين يتحول الی عاشق، يتحول الی ولهان، يتحول الی مجنون في حب هؤلاء هذا بحث اخر.

العالم: رغم شخصيته الکبيرة ومسؤوليته الکبيرة في الجمهورية الاسلامية الايرانية کقائد لفيلق القدس، باعتباره أهم القيادات العسکرية وايضاً موقعه المرکزي في ايران، لکنه عندما کان يأتي الی العراق وفي جبهات القتال وکشخص يتحول الی شخص متواضع جداً، کمواطن عراقي أو اقل، کمقاتل، کيف کان يعيش هذه الحالة من الزهد وانت کنت قريباً منه، کيف کان تواضعه وکان حاله کحال اي انسان عادي وحتی فقير وزاهد، کيف کان هذا الجانب من شخصية الحاج قاسم سليماني؟

الشيخ جلال الدين الصغير: اروي لك قصة.. رُشح ليکون رئيساً لحرس الثورة في عام 2017، فسألته هل ستقبل، قال لا. فقلت لماذا؟ قال لأن العميد جعفري (وقد کان آنذاك رئيساً لحرس الثورة) صديقي وانا لا أخذ مکان صديقي وهو يؤدي مهامه بشکل طبيعي جداً، ولا أعرف عملاً يحقق ذاتي کقدس والسبب يعود لأني اعيش مع الناس واعيش للناس المستضعفة مع عدو ظاهر.

وكان يقول اذا كنت رئيس حرس فيجب ان أتعامل مع كل الاشياء، العدو والصديق في نفس الوقت، ومع اطياف مختلفة من المجتمع الايراني، ما يهمني انا هو ايماني بمبادئي، واشعر ان وجودي في هذا المكان يحقق ذاتي وامانيّ التي اعيش من اجلها، فقلت له، ماذا لو ان السيد القائد "ادام الله ظله الشريف" أمرك بهذا الامر؟ قال: استبعد ان يأمرني، ولكن لو أمرني فسأستقيل لاني لا اجيد ذلك. الحاج قاسم لاشك هو على مستوى القوة والنفوذ وهو اقوى من رئيس الجمهورية في ذلك الوقت.

محبوبية الشهيد سليماني وسط المجتمع الايراني تجسدت من خلال الدموع التي انهالت وطبيعة العواطف التي انسابت في شوارع المدن الايرانية، لكن مع كل ذلك كان زاهداً في لباسه ومسكنه وحتى في طبيعة حاجاته، حتى انني اخجل من ذكرها لاني لم اصل الى هذا المستوى.

رغم ان هذا الرجل كان يتعامل مع ميزانية كبيرة جداً، لكنه كان يقتّر على نفسه وعلى عائلته واولاده بشكل تقول انك امام ولي من اولياء الله سبحانه وتعالى، في حياته لم ينحرف عن مبادئه التي يتحدث عنها ابداً.

في جبهات القتال اصيب الحاج قاسم بجراحة كبيرة، وكانت الاصابة في ظهره وقدميه واضطر الى ان يبقى لاشهر في مستشفى كرمان، لكن في يوم من الايام قيل له انه سيكون هناك هجوماً في جبهات القتال، هرب من المستشفى واخذ معه كل اثقاله الى جبهات القتال رغم اصابته في العظام، بحثت عنه عائلته في كل كرمان، فهو لم يخبر احداً الا سائقه.

بعد ذلك سألوا امه "رحمها الله" أين الحاج قاسم؟ قالت لا أدري أين، ولكن قلبي يقول انه في جبهات القتال، اسألوا فرقة ثار الله التي كان يرأسها، وبالفعل كان هناك هجوماً وكان هو يتولى القيادة رغم اصابته وآلامه الشديدة، وبقيت اصابته مدة حيث كان يتألم بشدة منها، ورغم ذلك كان كثير الحركة، شديد النشاط، قليل النوم والاستراحة، وفي كثير من الاحيان كان يستغل انتقاله من مكان الى آخر كي يرقد لدقائق.

العالم: كان يساعد العراق في شتى المجالات والقطاعات، سمعنا تصريحكم انه ساهم في تقديم مساعدة لبناء جامع براثا..

الشيخ جلال الدين الصغير: كان يقدم مساعدة شهرية للبناء وكان يشترط عليّ ألا اتحدث عن ذلك، اما بقية مساعداته ومساهماته للمؤسسات فقد ترك اثره عليها، واهدى الحاج قاسم الى مدينة النجف اواخر ايامه مستشفى الامام علي "عليه السلام"، وقبلها محطة كهرباء مستقلة كانت هدية السيد القائد الى النجف وكربلاء والحاج قاسم كان يتولى ذلك.

هناك تفاصيل كثيرة غير قابلة للوصف ولا مجال لسردها، ولكن اروي هذه القصة، حينما داهمت داعش المواقع العسكرية، امريكا وقتها رفضت ان تساعد العراق بطلقة واحدة، الحاج قاسم وانا شاهد على ذلك، جاء في يوم من الايام قبل ان تدخل داعش العراق، ارسل 2500 قطعة سلاح الى العراق مباشرة بمجرد ان احس بالخطر، واقسم ان بعض هذه الاسلحة قد اخذت من ايادي الجنود في ايران، وارسلت الى العراق اثناء احداث الرمادي، كان يريد ان تنتهي المشكلة بأي طريقة كانت.

الحاج قاسم كانت لديه رؤية للمشهد استراتيجية شاملة ومبكرة تختلف عن الآخرين، لم يكن يرى داعش بعنوانها كداعش، بل كان يراها بانها امريكا، مع ان البعض يستبعد ذلك، فيقول ان هذا شيء وذلك شيء آخر، امريك هي المحرك الرئيسي وانها صاحبة العمل الاستراتيجي في هذا المجال، كان تشتخيصه دقيقا جداً.

العالم: نعم هذا ما ثبت عندما امتنعت امريكا عن تقديم المساعدة والسلاح للعراق..

الشيخ جلال الدين الصغير: امريكا لم تقدم اي طلقة او سلاح للعراق، حتى الاسلحة التي كان العراق قد اشتراها لم ترسل ذخيرتها، الا عندما رأت نتائج معركة جرف الصخر، عندما تغيرت المعادلة انه لا يمكن للدواعش ان ينتصروا، باعتبار ان معركة جرف الصخر اريد لها ان تكون الخنجر في الخاصرة الاستراتيجية الشيعية، القريبة من كربلاء ومن الجنوب ومفتوحة على كل المناطق ويمكن للامريكان يهددوا بشكل جدي من خلالها.

العالم: الحاج قاسم منذ 2003 وبعد سقوط نظام صدام، كان موجوداً في العراق، كان له دور كبير، بالمقابل كان هناك الدور الامريكي الواضح التي تمثل بالاحتلال بعد اسقاط النظام، يعني مشروع امريكي محتل، بالمقابل الحاج قاسم يمثل في النهاية المشروع المضاد، الى أين تريد امريكا ان تذهب بالعراق؟ وهل استطاع الحاج قاسم افشال المشروع الامريكي؟

الشيخ جلال الدين الصغير: اولاً ان امريكا جاءت برؤية انها حينما تغير النظام، سوف يعبدها العراقيون ويألهوها، ولكن وجود المرجعية الدينية والمعارضة العراقية التي كانت في الخارج ووجود الحاج قاسم، ادى بالنتائج التي ارادتها امريكا تفتقد من الميدان.

الامريكان ارادوا صورة شكلية للنظام، بحيث يستبدل ديكتاتور هم اشرفوا على تقويته واغوائه على القمع وممارسة الديكتاتورية الشاملة، والاتيان بنموذج آخر اكثر عدالة كما كان يسمونه، ديكتاتور ولكنه عادل، وطمس الهوية الدينية المذهبية، وآنذاك كانوا يتحدثون عن الشرق الاوسط الكبير، والتخطيط على قضاء حدود سايكس بيكو، وكان مخططهم الاساسي فرض حدود جديدة تصنع في البيت الابيض، لكن فوجئوا في الساحة العراقية بعالم آخر وبقضية اخرى.

للامانة اتذكر ان الحاج قاسم كان من الاوائل الذي اثار مسألة في غاية الاهمية على المستوى السياسي وكانت عبارة عن سؤال، الى متى يبقى الامريكيون يتمتعون بحرية مطلقة للتعامل مع الانسان العراقي بدون اي حصانة او دفاع عنه؟ يقتلون متى يريدون ويهدمون بيته، يجب على السياسيين ان يضعوا حدوداً لهم ولو بأي طريقة كانت، النتيجة كيف حصلت، الآن الصراع الذي نراه طوال هذه المدة ماذا يحكي؟ يحكي ان الامريكان فقدوا الكثير من اوراقهم، الامريكيون فقدوا نفوذهم.

العراق كان على المستوى التاريخي قد احيل الى الامريكيين كمخرجات للحرب العالمية الثانية ومؤتمر فرساي، وحُكم العراق كل هذه الفترة من قبل الامريكان، لذا كان يعتبر العراق منطقة نفوذ لهم، وفي 14 تموز عام 1968 اصبح النفوذ الامريكي بكل تفاصيله واستقر.

لكن الآن اين اصبحت امريكا؟ كل هذا الصراع الذي تجده، حينما نقول صراع ارادات، لان امريكا لم تكن تريد الا ارادتها لوحدها، لم تكن تواجه اي مشكلة مع اي طرف، اعطوا البعثيين كل ما يريدونه بدون اي مانع، وحينما اُسقط البعثيون، عاد البعثيون بواجهة جديدة واعطوا الامريكان كل ما يريدونه الذين استخدموهم كطابور خامس، لكن كل هذه الفترة من الصراعات السياسية ما كانت الا لتحكي شيئاً واحداً، وهي ان الامريكيين باتوا يذبلون ويفقدون نفوذهم في العراق شيئاً فشيئاً.

دأب الامريكان يتحدثون بأوصاف متعددة كمليشيات الحشد الشعبي وعن مليشيات الفصائل ويشيطنون هذا وذاك من هذه المجاميع، لكن حقيقة الامر هؤلاء شيطونهم لانهم استملوا نفوذهم واعاقوا نفذوهم في العراق.

العالم: في ظل اجواء الذكرى السنويى لاستشهاد الحاج قاسم سليماني والشهيد ابومهدي المهندس، كيف تعاملت الحكومات العراقية المتعاقبة حكومة عادل عبدالمهدي وكذلك مصطفى الكاظمي والآن محمد شياع السوداني مع هذا الملف؟ هل ارتقى هذا التعامل الى مستوى هذا الحدث الكبير الذي انتهك سيادة وقدسية العراق؟ شخصيات مهمة استشهدت في قلب العاصمة بغداد، هذا من الناحية السياسية، من الناحية الاخلاقية هل تعاملت الحكومات مع هذه الجريمة على مستوى المسؤولية؟

الشيخ جلال الدين الصغير: اولاً ان الجريمة هذه تعتبر جريمة خطط لها برنامج مخابراتي، دخلت فيها اطراف متعددة، لم يكن هناك طرفاً واحداً في هذه الجريمة في منطقة هي بالاصل تشهد وجود قوى متعددة، الامريكيين والبريطانيين والمخابرات العراقية، وكذلك الاكراد متواجدين ودول متعددة.

الجريمة لا يمكن ان تنفذ من دون وجود مشاركة بطريقة ما من كل هؤلاء، لابد ان يكون لدى هذه الاطراف الادلة ومعرفة تفاصيلها، بطبيعة الحال لا نتوقع ان تكشف بشكل سريع جداً، يفترض ان تكون منطقة الجريمة مصوّرة من قبل الكاميرات الامنية، لا أعرف بالضبط ما الذي كشفته هذه الكاميرات، او انها كانت معطلة كما يحصل في الكثير من الاحيان حينما يريدون ان يمرروا شيئاً ما.

القدر المتيقن ان هناك وثائق على الارض سُرقت من الحاج قاسم سليماني، خاصة دفتره الذي كان يسجل فيه تفاصيل ما يمارسه، هذا الدفتر فُقد بعد الجريمة، بمعنى لم تضربه الطائرات، قطعاً ان الذي جاء الى مكان الحدث هو اول مشترك بالجريمة، وسرق حاجيات الشهيد سليماني.

حتى نتعامل مع القضية بعنوانها ملفاً قضائياً هذا يحتاج الى ادلة ووقت للوصول الى الحقيقة. ايام حكومة عادل عبدالمهدي، كان الامريكيون قد استباحوا السيادة العراقية بشكل كامل، وحصلت على معلومات من بعض المسؤولين، ان الامريكان لم يعودوا يستأذنون بأي شيء خلال اقلاعهم ومجيئهم للعراق وباستهتار كامل بعد جريمة اغتيال الشهيد قاسم سليماني.

كانت تلك الايام تشهد ازمة سياسية وفوضى اجتماعية وما الى ذلك، لم نكن نعتقد ان يتقدم الملف القضائي بشكل كبير، كان يفترض بالحكومة التي لحقت ان تبادر بشيء من هذا القبيل، غير ان الكثير من شخصياتها هي متهمة اساساً بطريقة ما، ولها يد في طبيعة الجريمة، ورغم الوعود بانهم سيفعلون كذا وكذا، لكن المماطلة والتسويف كانت السائدة في التعامل مع هذه القضية.

الآن لدينا امل مع حكومة السوداني، ان يكون هناك اقدام اكثر للبرّ لهؤلاء الشهداء، لحد الآن بعض الاجراءات الحكومية واعدة في تبني عملية احياء الذكرى السنوية في هذا العام بشكل كبير.

آمل ان يتحول الامر الى ثقافة وطنية، لازلت اشعر بجرح كبير من كلام السيد القائد "دام ظله" قوله "ضيفكم قُتل في بيتكم"، وقع هذه الكلمة على العراقيين هائلة جداً، بمعنى لا يمكن ان يتحملها العراقي بسهولة او ان يمررها، لان الضيافة عندنا يمكن ان تنشأ بسببها الحروب، تعتبر الضيافة هي الاصل، وقد يتخلى الانسان عن ارحامه من اجل هذه الضيافة، فكيف اذا كان هذا الضيف جاء من اجلي من اجل الشعب وتحمل المخاطر.

يبقى الكلام بضرورة استمرار العزم والجهد من اجل الوصول بالملف الى الدوائر التنفيذية للقضاء، القضاء العراقي قال كلمته في هذا المجال، اصدر اوامر الاعتقال، ووجه قرار الادانة والاتهام، لكن تبقى القضية دون المستوى المطلوب باعتبار ان هناك اطرافاً متعددة اشتركت في هذه القضية، ايران مسؤولة، والحكومة السورية ايضا مسؤولة، لا اشك بوجود يد في مطار دمشق الدولي كانت مشتركة ايضاً في الجريمة، كما ان الصهاينة معنيين بالجريمة، وايضاً البريطانيون معنيون بهذا الامر، لذلك حلّ المسألة لن يكون سريعاً سهلاً، لكن املي في الحكومتين الكريمتين في ايران والعراق تحويل الذكرى الى منصة تستشرف بها وتمجد بها القيم الاصيلة الوطنية والحضارية بالنسبة للشعبين، لم نفقد رجالاً بمستويات عادية، بل قيادات كبيرة مرموقة جداً في جهاز الدولة، واعتقد مع مرور الوقت ان نتمكن من الوصول الى فك رموز الجريمة.