الدبلوماسية الذكية لسوريا و حلفائها

الدبلوماسية الذكية لسوريا و حلفائها
السبت ٢٨ يناير ٢٠٢٣ - ١٠:٥٥ بتوقيت غرينتش

في مناخ خلط الأوراق سياسيا وميدانيا في الشمال السوري، يتنوع الحراك بين كثافة الاتصالات الدبلوماسية، والاعتداءات المتكررة للمجموعات الارهابية بدعم تركي على مواقع الجيش السوري في ريف ادلب والذي حمل معه معطيات ومؤشرات متعلقة بملف التقارب السوري التركي، تدلل على ان الطريق شائكة.

العالم-كشكول

وفي ظل هذه الاحداث المتسارعة، والتصريحات الإعلامية، لا يمكن للمرء ان يغفل الدور الكبير للمفاوضات الروسية التركية الإيرانية، حول اكمال مسيرة التقارب السوري التركي، وتدرك دمشق جيدا كل هذا، وتتصرف بهدوء وحكمة وقوة في الميدان، وهي التي تخوض معارك عسكرية شبه يومية، مع المجموعات المسلحة التي تدعمها أنقرة، أي أرياف حلب وادلب واللاذقية، مع استمرار الحراك الدبلوماسي والسياسي لتسريع التقارب بين انقرة ودمشق، الا ان الدبلوماسية التركية لم تستطع رتق عيوب سياستها تجاه سورية.

وبدت الدولة التركية الى الان عاجزة عن ضبط إيقاع التناقضات والعلاقات الملتبسة مع المجموعات المسلحة، بالذات فيما يخص ادلب وتواجد المسلحين فيها، وبالذات بعد الحديث المتواتر عن قرب تطبيق اتفاق سوتشي واستانا حول فتح طريق M4 ومعبر باب الهوى، هذه التفاهمات، جاءت ضمن اتفاقية سوتشي الموقعة بين روسيا وتركيا عام 2019، وجرى تطوير ملاحقها عام 2020.

هذا يعني ان زمن المراوغة التركية، ومحاولة كسب الوقت، فيما يخص فتح الطريق الدولي الواصل بين حلب واللاذقية قد انتهى، وان هذا الطريق سيكون فاتحة مسار التقارب التركي السوري، لعدة أسباب، ومنها، انه يشكل أحد ابرز أوجه المصالح المشتركة بين دول الإقليم، وعودة سوريا كطريق عبور للبضائع نحو دول الخليج الفارسي والأردن، بالإضافة الى فتح معبر باب الهوى وامتداده عبر طريق M5 يشكل بداية انطلاق البضائع السورية نحو القارة الاوربية، كما يشكل طريق M4 عقدة مواصلات هامة كونه يربط معبر اليعربية على الحدود العراقية مع اللاذقية على البحر المتوسط، مرورا بمحافظات الحسكة والرقة وحلب، وهذا الطريق مازالت تسيطر على أجزاء منه المجموعات المسلحة بالإضافة الى قسم اخر يقع تحت هيمنة قسد.

هذه الخطوة وفتح الطريق، تشكل تحدي حقيقي للإرادة التركية وتنفيذ تعهداتها، كون المسيطر على معظم اجزائه جبهة النصرة، والتي أعلنت بشكل واضح ان أي تقارب بين دمشق وانقرة، يهدد وجودها بشكل مباشر، ما يفسر الهجمات الأخيرة التي تشنها المجموعات المسلحة على نقاط الجيش السوري في محيط الطريق الذي حرره الجيش في وقت سابق، في الوقت الذي بدأ فيه التحرك التركي يظهر على السطح، من خلال الاجتماعات التي تعقدها القوات التركية مع النصرة وحلفائها، لتسريع فتح الطريق، حيث تتحدث الانباء عن عدة اجتماعات عقدت، وصل عددها الى اربعة، حمل فيها الاتراك عدة ملفات، كان ابرزها ان التركي قد اتخذ قرارا بإعادة تشغيل الطريق، بإشراف سوري روسي تركي، وهذا جزء من مسار الحل السياسي، ومن ثم عقد التركي اجتماعات أخرى مع المجموعات المسلحة، ناقشت تخوفه من أي ردة فعل من قبل النصرة ضد النقاط التركية، والية تأمين المواقع التي يشغلها الجيش التركي.

وطالب الاتراك من النصرة التعهد الكامل بعدم المساس بالقواعد التركية، والعمل على إنجاح افتتاح الطريق، والانسحاب بعيدا عنه مسافة 6 كيلومترات، حيث تسيطر المجموعات المسلحة حاليا على نحو 124 كيلومترا من الطريق، في القطاع الممتد بين بلدتي بداما والنيرب، مرورا بمدينة أريحا وجسر الشغور.بريف ادلب.

إن التصميم على تنفيذ اتفاقات سوتشي واستانا، وفتح الطريق، له ابعاد هامة جدا، كون هذا الاتستراد الدولي يعتبر حلقة وصل استراتيجية بين عدة محافظات سوريا من الشرق وحدود العراق الى اللاذقية، ما يعني ان السيطرة العسكرية ستجعل من السهل التحكم بمفاتيح التحركات القتالية ونقاط الدعم والإمداد العسكري للجهة المسيطرة، وهذا ما يفسر المماطلة التركية في فتحه وتسليمه بحسب الاتفاقيات، ويوضح لماذا شنت عدة عمليات عسكرية، واحتلت أجزاء من الأراضي السورية، ضمن ما اسمته عملية درع الفرات وانتهاء بعملية نبع السلام، وبعدها محاولة السيطرة على معظم الشمال السوري، تحت حجج عديدة، ومع ذلك لم تتمكن من السيطرة على كل الطريق.

ومع وصول الاتراك الى قناعة، انه لا مفر من تطبيق تفاهمات سوتشي واستانا، يرجح المراقبون ان لعبة انقرة شارفت على نهايتها، وتلاشي نظرية المجال الحيوي التركية في سوريا، وان المشهد السوري وبالتحديد مدينة ادلب، هي أحد مراحل اعادة ترتيب الوضع الاقليمي، وهذا مثالا واضحا على الدبلوماسية الذكية، لسوريا وحلفائها، وهو اختبار حقيقي، لنوايا الجانب التركي الذي من المفترض ان يكون شريكا في ثلاثية الدول الضامنة.