بلينكن في إسرائيل.. "إطفائي دون طفاية"

بلينكن في إسرائيل..
الأحد ٢٩ يناير ٢٠٢٣ - ٠٦:٤٧ بتوقيت غرينتش

جولة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الإقليمية في المنطقة، التي يستهلّها اليوم الأحد من مصر قبل أن يزور كيان الإحتلال والأراضي الفلسطينية المحتلة، لا تشكل سوى ضوء أخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كي يتمادى في سياسة القوة التي سبق أن تباهى بأنها كانت مفتاح التطبيع.

العالم - مقالات وتحليلات

مداهمة الاحتلال الدموية لمخيم جنين، التي راح ضحيتها عشرة شهداء، وما تلاها من رد فعل، كشفا هذه المعادلة بعد تأليف حكومة نتنياهو الجديدة.

والمحرج للبيت الأبيض أن هذا العدوان المحسوب جاء بعد اتصالات وزيارات وخطوات قامت بها إدارته لاستباق تصعيد كانت تنذر به تركيبة الحكومة وخطابها، فضلا عن خطوات الاستفزاز المبكر التي قام بها رموز التطرف فيها.

لكن المحاولة كانت غير مجدية والكرة الآن في ملعب إدارة الرئيس جو بايدن، التي يقال إنها تشعر بالضيق المكبوت من "تنمّر" حكومة نتنياهو وإحراجاتها.

ويظل المتداول أن إدارة بايدن عازمة على رسم خطوط حمراء تقضي "بعدم المساس بالوضع القائم في الأماكن المقدسة في القدس، وبالتوقف عن توسيع الاستيطان".

في حسابات الإدارة أن ذلك لو تحقق هو بحد ذاته "إنجاز"، باعتبار أن "محدودية المعطيات القائمة لا تسمح بالتحرك" أكثر من ذلك، حسب ما نسب إلى الوزير بلينكن خلال لقائه مع وفد فلسطيني عربي – أميركي الأول من أمس الجمعة، قبيل مغادرته إلى المنطقة.

واقع الحال أن التذرع بالظروف "المانعة" عذر قديم، وليس عملياً سوى صرف نظر مموّه عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

لكن مع ذلك، هل الإدارة عازمة وجادة فعلاً في ضبط الاحتلال؟ في المدة الأخيرة، تحركت بما يوحي بذلك. تباحثت في لقاءات متتالية مع حكومة نتنياهو لتبريد رؤوسها الحامية كما "لاحتواء التوتر" بينهما.

مستشار الرئيس جيك سوليفان قام بزيارة إلى إسرائيل في الت18 من الشهر الجاري، وكان هذا الموضوع أحد بنود مهمته.

كما أجرى مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي ايه"، وليام بيرنز، مشاورات في تل أبيب مع المسئولين الإسرائيليين في الأيام الأخيرة، التي تزامنت مع المناورات العسكرية الأميركية الإسرائيلية بالذخيرة الحيّة "وغير المسبوقة بحجمها وأسلحتها"، والتي وضعها المراقبون في خانة التحذير الموجه لإيران.

وكان قد سبقت ذلك زيارة خاطفة إلى واشنطن قام بها رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة نتنياهو، وتناولت "سوء التفاهم" العابر في كل حال، والشخصي المزمن في معظمه، بين بايدن ونتنياهو.

لكن محاولات كبح حكومة نتنياهو لم تنفع. عملية مخيم جنين بدت في واشنطن رسالة تحدٍّ. مع ذلك، تعاملت الإدارة معها في حدود لغة "المداراة والتفهم" الضمني لها.

وانعكس ذلك بشكل خاص في ردود الخارجية التي تراوحت بين تحوير الموضوع عبر التشديد على الجانبين كالعادة "لخفض التوتر"، من دون إدانة حتى لسقوط شهداء فلسطينيين (ضحايا من المدنيين) في العملية، وبين شبه الإدانة لقرار السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، فيما أبدى الوزير بلينكن تفهمه لملاحظات وانتقادات الوفد الفلسطيني العربي، حيث "كان الحديث معه جديا وصريحا جدا، مع وعده بمتابعة الموضوع" معهم، حسب ما قال خليل جهشان، أحد أعضاء الوفد.

عشية زيارته، تردد أن بلينكن مكلف بمهمة تبليغ الحكومة الإسرائيلية برسالة إصرار على تجميد الوضع القائم في القدس والضفة، وأن البديل "مصادمة" مع الإدارة.

لكن لا المقدمات تعزز هذا الاحتمال ولا السوابق.

منذ البداية، كشفت الإدارة عن رخاوة في التعامل مع نتنياهو.

فبعد أن أعربت عن اعتراض ولو مبطن على توزير اليميني المتطرف إيتمار بن غفير وأمثاله، سارعت إلى التراجع بعد تشكيل الحكومة، لتكتفي بالقول إنها تحكم على "أعمال" هذه الأخيرة وليس على "أشخاصها".

ردودها على عملية المخيم لا تؤشر إلى نية للمحاكمة على الأعمال.

ونتنياهو له تجربة غير مكلفة من هذا النوع مع الإدارة التي كان بايدن الرقم 2 فيها. في مارس/ آذار 2015، قام بزيارة تحد لإدارة باراك أوباما ونائبه بايدن، حين جاء إلى واشنطن من دون تنسيق مع البيت الأبيض ليلقي كلمة أمام مجلسي الكونغرس، حرّض فيها المشرعين ضد مفاوضات النووي الإيراني وحضهم على نسفها لإحباط اتفاق كان آنذاك على وشك التوصل إليه.

وبالنهاية، كاد أن ينجح نتنياهو في محاولته تلك، لولا التفاف الديمقراطيين حول الرئيس أوباما ودعم مفاوضاته. وبدلا من تدفيعه الثمن، وافق أوباما في أواخر ولايته على حزمة مساعدات عسكرية سعت إليها حكومة نتنياهو نفسه آنذاك، كانت الأكبر من نوعها، حيث بلغت قيمتها 38 مليار دولار موزعة على عشر سنوات. هل بايدن الرئيس غيره كنائب رئيس؟ ربما، لكنه ليس دوايت أيزنهاور، الرئيس الأميركي الذي ضغط على [إسرائيل] وهددها، ولا هو في ظروفه.

العربي الجديد