الإستراتيجية الأوروبية الجديدة بعيدا عن واشنطن

الأربعاء ١٢ أبريل ٢٠٢٣ - ٠٩:٠٢ بتوقيت غرينتش

أكد الأكاديمي والباحث السياسي د.علي فضل الله أن نقاط الاختلاف بين الرؤية الأميركية والأوروبية كثيرة، مشددا على أن زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى الصين إنما تعتبر رغبة مضمرة قائمة بضرورة أن تستقل أوروبا وتعيد تعريف ذاتها بعيدا عن الولايات المتحدة الأميركية.

العالممع الحدث

وفي حديث مع قناة العالم الإخبارية لبرنامج "مع الحدث" أشار الأكاديمي والباحث السياسي د.علي فضل الله إلى أن التوجه الاوروبي الجديد نحو استراتيجية خاصة من دون التبعية لأميركا ليس توجهها جديدا، حيث لطالما كانت العلاقات الفرنسية الأميركية وتاريخيا كان فيها شد وجذب وبأكثر من مرحلة، وأوضح: في مرحلة ساعد الفرنسيون على الاستقلال الأميركي، وفي مرحلة أخرى اصطدموا معهم في المكسيك، وفي مرحلة ثالثة بفيتنام انسحب الفرنسي وترك الأميركي في الحرب، وفي مرحلة ديغول حدث تنافر شديد، وفي مرحلة جاك شيراك وبموضوع العراق حدث خلاف كبير في 2003 وهو مشهود ومعروف.. ولاحقا تمت إعادة صياغته بشكل ما.. إلى آخره.

وأضاف: حتى من الجانب الأميركي يحضرني كلام الكاتب الأميركي ديفيد ستولنسكي عندما قال "إن أميركا تمثل انقلابا على كل ما هو أوروبي"، وسابقا جورج واشنطن وهو من الآباء المؤسسين الأشهر قال في خطاب توديعه للرئاسة إن "الاهتمامات الأوروبية تعني لنا القليل في الولايات المتحدة بل قد لا تعني لنا شيئا على الإطلاق".. وفي مرحلة دونالد ترامب كان هناك توتر كبير بل إنه حسب ما أذكر أن دونالد ترامب مرة من المرات وصف الاتحاد الأوروبي بأنه عدو.

وأشار إلى أنه وعلى ضفتي الأطلسي وعلى الرغم من مجموعة قواسم مشتركة واضحة للعيان والتأكيد الدائم على وجود هذه القواسم.. لكن حجم التنافر كان دائما وقائما، وقال: في كلام ماكرون رغبة مضمرة قائمة بضرورة أن تستقل أوروبا وتعيد تعريف ذاتها بعيدا عن الولايات المتحدة الأميركية، هل سينجح ذلك؟ التجارب السابقة لا تشير إلى ذلك كثيرا.

وبشأن زيارة ماكرون إلى الصين قال د.علي فضل الله: هذا ديدن الفرنسيين، في أكثر من ساحة عندهم نفس النمط، يعني أنهم يندفعون كثيرا في الاستثمار في واقع معين، ربما حتى القراءة الصينية للعلاقة مع أوروبا مهمة، لأنه بالنسبة للصيني الفصل بين الأوروبي والأميركي هو هدف، فبالتالي زيارة ماكرون إلى بكين هي محاولة استثمار، حيث اصطحب رؤساء الشركات وغيرهم.

وأضاف: كما أن موضوع الريلوكيشن بمعنى أن تقوم الشركات الكبرى الغربية بفتح مصانع في بلدان أخرى حيث كلفة التصنيع أقل والاقتراض من أسواق العمل والموارد الخام متاح أكثر، فهذا أمر معروف وتاريخي، حتى أنه أحدث نقاشاً كبيراً في الولايات المتحدة، ودونالد ترامب تحدث كثيرا عن هذا الامر.. فهو أمر تقليدي وطبيعي

وفيما لفت إلى أن الفرنسي يحاول الاستثمار في ورقة، تسائل: لكن هل سيتمكن من الاستمرار في الاستثمار في هذه الورقة؟ في أكثر من مرحلة شهدنا تراجعاً فرنسياً، بل أن الأميركي في أوقات معينة يتشدد بالموقف، ويحضرني الآن العدوان الثلاثي الذي جرى على مصر، الذي كان بمشاركة إسرائيلية بريطانية فرنسية، إذ كان تحذيرا شديدا أجبر الفرنسيين على الانكفاء، وأصلا يعد بأن الولايات المتحدة تسيدت العالم ابتداءاً من ذلك العدوان الثلاثي، فلم يتسامح الأميركيون بهذا الموضوع.

وخلص إلى القول: على كل حال نقاط الاختلاف هي كثيرة، في هذا الجانب نذكر أوكرانيا، أو مثلا قضية أوكوس وما جرى في صفقة الغواصات الشهيرة الفرنسية إلى أستراليا، حيث لا زالت المرارة قائمة ومحاولة التعويض عنها لا نعرف كم نجحت حتى الآن.

من جانبه أكد الباحث السياسي د.عيسى الأيوبي أن تصريحات ماكرون في الصين بضرورة الانعتاق من الهيمنة الأميركية لم تعد توجها فرديا وإنما تعد قرارا أوروبيا شاملا.

ولفت الأيوبي إلى أن: الشعوب الأوروبية عامة وخاصة الشعوب اللاتينية، والأعراق الـ3 الكبرى في أوروبا لم تكن راضية عن الحضور الأميركي المهيمن على القرار الأوروبي، و منذ دخول الولايات المتحدة الأميركية إلى أوروبا وساحل الشمال الأطلسي كانت تشعر أنها تحت الاحتلال الأميركي فعليا.

وأضاف أن: مدة هذا الحضور المهيمن على القرار الأوروبي رغم محاولات الأوروبيين التحرر قد طالت، ولكن الضعف العام والشعور بأن الولايات المتحدة الأميركية قد حررتهم من النازية سابقا جعلت ثورتهم ضعيفة.

وأوضح أن على المستوى الحكومي أو الرسمي أن هذه الرؤية إنما تشكل القرار الأوروبي الشامل، وقال: ماكرون لم يكن في الصين منفردا، كان معه رئيسة المفوضية الأوروبية، وكذلك كان معه رئيس الوزراء الإسباني.. فالواقع أن هذا المشروع الأوروبي للتحرر من الأميركية مشروعة قديم نسبيا.

ولفت إلى أن اليوم ومع التحولات الدولية الجديدة والعودة إلى التعددية القطبية تشعر أوروبا أنها تستطيع أن تكون فاعلة في هذه التعددية وليست تابعا لها، وأضاف: وهذا ما قاله ماكرون بالفعل، ولم يقل أكثر من ذلك، فهو تحدث عن التحرر والاستقلالية عن القرارات الدولية وبالتالي الأطلسية.

وأكد الأيوبي: اليوم هناك تغيير وتحول دولي، وعلى فرنسا وأوروبا أن تواكب هذه التحولات الدولية، فاليوم العالم تغير ويسير في اتجاه آخر، وعلى الفرنسيين والأوروبيين عموما أن يكونوا جزءا من هذا التغيير ولا يكونوا تابعين لطرف من الأطراف التي تغير العالم حاليا.

ولفت إلى أن التهديدات الأميركية لأوروبا لم تتوقف، مضيفا: عند كل محاولات الأوروبيين التحرر من الهيمنة الأميركية كانت الولايات المتحدة الأميركية تحاول تهديدهم اقتصادية وأحيانا عسكريا. وخلص إلى القول: لا نقول اليوم إن أوروبا ستصبح عدواً للولايات المتحدة الأميركية، وكذلك لا يمكن أن تبقى على حالها، ولا يمكن أن نقول إن أوروبا ستصبح حليفا استراتيجيا ضخما للحلف الصيني الروسي، فقد تكون هناك علاقات صداقة.. ولكن ليس تحالفاً استراتيجيا.

للمزيد إليكم الفيديو المرفق..