سلاح فعال بيد الشعوب والحكومات العربية بوجه الاحتلال..هل تعرفه؟

الإثنين ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٣ - ٠٥:٠٨ بتوقيت غرينتش

في سجل الصراع العربي الفلسطيني مع المحتل، ثمة محطات عدة استخدمت فيها المقاطعة كسلاح في وجه الاحتلال وداعميه.

العالم- فلسطين

وتبرز "المقاطعة" كسلاح فعال من وجهة نظر الشعوب، كلما عاود الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على الشعب الفلسطيني، في غزة والأراضي المحتلة.

وفي سجل الصراع العربي الفلسطيني مع المحتل، ثمة محطات عدة استخدمت فيها المقاطعة كسلاح في وجه الاحتلال وداعميه، لكنها كانت بقرار رسمي مرة وحيدة عام 1948، وفي العقود الماضية، استخدمت كسلاح بأيدي الشعوب فقط، وحققت نتائج إيجابية معنوياً واقتصادياً.

واليوم مع اشتداد وطأة العدوان الإسرائيلي بتكلفة بشرية باهظة، ودمار وحرب إبادة يرتكبها الاحتلال في غزة، تعالت الأصوات منذ اليوم الأول للحرب بمقاطعة سلسلة من الشركات الكبرى، التي أبدت انحيازاً ودعماً واضحاً للكيان الصهيوني.

فكيف يمكن أن تسهم المقاطعة بهذه المرحلة في تحقيق نتائج إيجابية ضد المحتل وداعميه، وما حجم تأثير هذا السلاح الذي لا تملك الحكومات حق الفيتو على استخدامه؟

غزةدعم صريح

كان صادماً حينما ظهر جنود الاحتلال الإسرائيلي وهم يتلقون الوجبات المجانية من فروع سلسلة "ماكدونالدز" الشهيرة، و"بابا جونز"، عقب عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر الجاري.

ففي يوم الجمعة 13 أكتوبر، قدمت شركة "ماكدونالدز إسرائيل" آلاف الوجبات المجانية لقوات الدفاع الإسرائيلية والمستوطنين، بعد الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس يوم 7 أكتوبر، وفقاً لموقع "بيزنس إنسايدر".

وقال فرع "ماكدونالدز إسرائيل" على حسابه الرسمي بمنصة "إكس" قبل أيام، إن هناك "5 فروع تتعامل فقط مع المساعدات والتبرعات لقوات الأمن والإنقاذ الإسرائيلية"، مشيراً إلى أنه سيتبرع كل يوم بنحو 4000 وجبة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل غيرت سلسلة ماكدونالدز في أمريكا مؤخراً، ألوان أغلفة وجباتها لتصبح شبيهة بعلم "إسرائيل"؛ في رسالة تضامن واضحة مع دولة الاحتلال.

"ماكدونالدز" واحدة من سلسلة شركات دخلت في إطار دعوات المقاطعة في الساحة العربية، على مواقع التواصل الاجتماعي، كـ"ستاربكس"، و"كوكاكولا" و"بيبسي"، و"نستلة" و"بوما" و"كارفور"، وسلسلة شركات عالمية، تقنية وصناعية وتجارية وزراعية، العديد منها لم يعلن موقفاً صريحاً مسانداً للاحتلال الإسرائيلي، إلا أنها تتبع لدول أعلنت دعم الحرب على غزة.

قاطِع عدوك

"حركة مقاطعة إسرائيل" المعروفة اختصاراً بـ"BDS"، أطلقت دعوة لمقاطعة عدد من الشركات العالمية المتواطئة مع الاحتلال، متهمةً إياها بالشراكة في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها العدو الإسرائيلي اليوم على سكان غزة المحاصرة.

وأشارت إلى أن بعض تلك الشركات مرتبطة بالاقتصاد الإسرائيلي بدرجات متفاوتة، في حين انتشرت دعوات المقاطعة بكثافة في مختلف البلدان العربية، وفي المقدمة مصر والسعودية والإمارات والكويت والأردن ودول أخرى.

وسرعان ما انخرط عديد من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في الدول الخليجية والمنطقة العربية في حملات المقاطعة، وامتلأت صفحاتهم بصور ومقاطع، بعضها يوضح كيف أن الأموال التي تُدفع نظير الحصول على خدمات تلك الشركات في البلدان العربية، تذهب لدعم آلة القتل الصهيونية.

ومع تزايد تلك الدعوات، تداول ناشطون فيديوهات تظهر محلات وفروعاً تابعة لشركات كبرى، وهي خالية من الزبائن بسبب المقاطعة، كما هو حال فروع "ستاربكس" التي بدت خالية في عدد من مدن الكويت.

سلاح مهم

وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة لحجم الأضرار التي تلحق بالشركات الكبرى العابرة للحدود جراء المقاطعة، فإن التأثير الاقتصادي "موجود وواضح"، بحسب ما أكده الإعلامي المتخصص بالشؤون الاقتصادية، نديم الملاح، الذي لفت إلى أن "شركات عديدة ألغت عقود رعايتها لبعض الأندية الإسرائيلية، في حين تأثر عمل شركات تعمل في مجال الحوسبة والبيانات السكانية وغيرها".

وأضاف الملاح في مقطع متداول، إن المقاطعة تعتبر "نوعاً من أنواع الضغط الذي تملكه القاعدة الاستهلاكية"، مشيراً إلى أن عديداً من الشركات في قطاع المشروبات والمأكولات تراجعت أسهمها، كما تأثر حجم مبيعاتها، وسينعكس ذلك حتماً على نتائج الربع الرابع من هذا العام.

ولفت إلى أن نجاح حملات المقاطعة يعتمد على استمراريتها، كما أنها "تعتبر مثالاً حياً للشركات الأخرى، تدفعها إلى مراقبة ردود الفعل والتأثيرات التي تمثلها المقاطعة".

شرح مفصل من محمد عدنان وعبدالله الغافري عن ارباح مالكدونالدز ، لحد يطلع ويكذب عليكم ويقول لكم انه الشركة الأم مالها علاقه وأنه هذا المدخول للمستثمرين في الدول ، الشركه تاخذ ارباحها سنوياً من جميع أفرع العالم خصوصاً سلسة المطاعم العالمية ، عكس لما تشتري وكالة مطعم عادي.

سلاح بيد الحكومات

لم يكن سلاح المقاطعة الاقتصادية إجراء مستحدثاً، بل رافق الصراع العربي الإسرائيلي منذ الأربعينيات، ووفقاً للخبير الاقتصادي عامر الشوبكي، "فإن أول قرار اتخذته جامعة الدول العربية، عند إنشائها عام 1948، عندما كانت مؤسسة من سوريا ولبنان والسعودية والعراق، ومصر، الدول الأعضاء حينها، هو مقاطعة المنتجات اليهودية".

وأضاف الشوبكي، في تصريح، أن المطلوب هذه المرة أن تكون المقاطعة قراراً حكومياً أيضاً، قائلاً: "أعتقد أنها يجب أن تأتي من الحكومات هذه المرة، خاصةً حجم الواردات العربية من البضائع الإسرائيلية يفوق 5 مليارات دولار، النصيب الأكبر للإمارات، والدول التي ترتبط مع إسرائيل بمعاهدات" تطبيع.

وأشار إلى أن حجم صادرات الاحتلال الإسرائيلي العسكرية إلى المنطقة العربية، وفق تقديرات، "بلغت 12.5 مليار دولار في 2022، ربعها من نصيب الدول العربية وبالذات الإمارات".

ولفت الشوبكي إلى أن المقاطعة ستكون مؤثرة تجاه الاحتلال، "لكنها لن تكون مجدية تجاه أمريكا"، موضحاً: "بالنسبة للولايات المتحدة لن تكون مجديةً مقاطعة بضائعها؛ لكونها تعتمد على السوق الأوروبي والأمريكي نفسه، والصيني أكثر من الأسواق العربية".

وتطرق الخبير الاقتصادي إلى أن هناك دعوات في الأردن لمقاطعة الكهرباء من الساعة التاسعة إلى العاشرة، لافتاً إلى "أن الكهرباء في الأردن يتم توليدها عن طريق الغاز المستورد من إسرائيل، ومن ثم فإن إيرادات هذا الغاز ستذهب لصالح الاحتلال".

وبيّن أن "حاجة الأردن من الغاز بنسبة 95٪ تأتي من إسرائيل"، إضافة إلى وجود مطالبات بوقف اتفاقية "الطاقة مقابل المياه".

مسؤولية أخلاقية

وتأخذ المقاطعة أبعاداً عدة، أحدها أخلاقي، والآخر سياسي، إلى جانب كونها ذات تأثير اقتصادي أيضاً، وإن كان محدوداً، وفقاً للخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم، الذي اعتبر "المقاطعة الاقتصادية للكيانات والشركات والفعاليات الاقتصادية التي تدعم إسرائيل، وبشكل خاص تدعم النشاط الاستيطاني، وجيش الاحتلال، هي بلا شكٍّ مسؤولية أخلاقية، وسياسية ومعنوية، قبل أن يكون هدفها تكبيد الاحتلال كلفة اقتصادية".

وأضاف عبد الكريم في تصريح:"بغض النظر عن حجم تكلفتها وتأثيرها الاقتصادي، فهي واجب وطني وأخلاقي وقومي؛ لكونها تمثل نموذجاً لمقاومة ورفض الاحتلال"، مستطرداً: "لا يجوز أن يمارس الاحتلال كل أنواع الظلم على الشعب، وأشقاء الشعب يتعاملون مع الاحتلال كأنه شيء طبيعي، يقومون بشراء سلعة، ويدعمون شركاته، ومن ثم هذا ليس نموذجاً أخلاقياً".

وأشار إلى أن الاحتلال "إذا استشعر أنه قد يضعف اقتصادياً بسبب المقاطعة، فإنه بلا شك سيأخذ هذا الأمر في الاعتبار عند اتخاذ قرار الحرب وغيره من القرارات، ومن ثم ستحضر هذه المسألة في معادلة العلاقات والصراع، كما أن الشركات المستهدفة بالمقاطعة ستتضرر، وسينتشر التذمر في أوساط المزارعين والصناعيين ورجال الأعمال، وسيعملون من ثم على إيصال سياسيين أقل تطرفاً من بن غفير وسموتريتش (وزيري الأمن القومي والمالية)".

وقال الخبير الاقتصادي: إن "المقاطعة لعبت دوراً مهماً سابقاً، إلا أنه بعد أوسلو وحملات التطبيع التي شجعتها أمريكا، وعلاقات التطبيع اللاحقة، بدا كأن إسرائيل أصبحت جزءاً من هذا المحيط العربي والشرق أوسطي، واستفادت اقتصادياً بشكل كبير، تدفقت الاستثمارات إليها، وصارت تدخل في علاقات وشراكات تجارية واقتصادية مع دول كثيرة في السر والعلن".

وتابع: "اليوم حملات المقاطعة تلغي كل هذه الامتيازات للجانب الإسرائيلي، وكثير من الاستثمارات والشركات التي كانت في إسرائيل بدأت تغادر أو تجمد نشاطها؛ خوفاً على مصالحها"، مستدلاً على ذلك بالإشارة إلى أن إحدى الشركات الكبرى كانت أنشأت مصنعاً بتكلفة 25 مليار دولار، لإنتاج المواد الفائقة والتقنية العالية، وأنظمة المعلومات وغيرها".

وذكّر عبد الكريم بقائمة الأمم المتحدة المتعلقة بالشركات التي تدعم الاستيطان، والتي كانت عام 2020 تضم 112 شركة، ثم تراجع بعضها، بعد أن قدمت إفادات وتأكيدات بأنها لا تدعم ذلك.

ضرورة الاستمرارية

إلى ذلك، يرى مدير مركز الدراسات الخليجية في جامعة قطر، د. محجوب الزويري، أن موضوع المقاطعة مهم جداً، "فهي إحدى أدوات الرد المجتمعي السلمي، لكن أعتقد أنه من المهم للغاية، أن تفهم هذه المجتمعات ألا تكون هذه الحركات عبارة عن انتفاضة فقط مرتبطة بهذا الوقت، بل يجب أن تستمر فترة زمنية طويلة جداً، حتى يتم التأثير على أصحاب المال ومن ثم تأثيرهم على أصحاب السياسات".

وأوضح الزويري في تصريح : "لاحظنا في السنوات الماضية، أن هذه الشركات تتأثر، ثم تخف وتيرة المقاطعة، وقد تتلاشى ثم تعود هذه الشركات ببعض الإجراءات البسيطة مثل رفع أسعار بعض السلع، ومن ثم تعويض هامش الخسارة في وقت المقاطعة".

لذلك، فإن "المقاطعة مؤذية اقتصادياً وسياسياً، ولكنها بحاجة إلى الاستمرار حتى تكون أداة فعالة، لا أن تكون موسمية أو رد فعل، بل يجب أن تكون قاعدة عامة، وثقافة مجتمعية تطبّعها الاستمرارية"، حسبما يختم الزويري.