كلمة آية الله خامنئي في المؤتمر الأول للصحوة الإسلامية

كلمة آية الله خامنئي في المؤتمر الأول للصحوة الإسلامية
السبت ١٧ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٣:٣٩ بتوقيت غرينتش

إعتبر قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله السيد علي خامنئي اليوم السبت، أن الصحوة الإسلامية التي تشهدها المنطقة تبشر بانتصار الشعوب على الاستكبار وسيادة الإسلام في المنطقة والعالم.

وفي كلمته أمام المؤتمر الأول للصحوة الإسلامية الذي ينعقد في طهران، أكد قائد الثورة الإسلامية في نص كلمته على إن ما جرى في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي الميلادي في عدد من البلدان من تطورات أدت إلى تولي أنظمة تميل غالباً إلى مدراس فكرية مادية؛ وقد تورطت بمقتضى طبيعتها بشراك القوى الإستكبارية والإستعمارية الغربية.?

 

وفي ما يلي نص كلمة قائد الثورة:

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و آله الطيبين و صحبه المنتجبين

قال الله العزيز الحكيم: بسم الله الرحمن الرحيم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا)

أرحّب بالحضور الكرام و الضيوف الأعزاء

إن ما جمعنا هنا هو الصحوة الإسلامية، أعني حالة النهوض و الوعي في الأمة الإسلامية، التي أدت إلى تحوّل كبير بين شعوب المنطقة، وإلى انتفاضات و ثورات لم تكن تستوعبها أبداً محاسبات الشياطين الإقليميين و العالميين. ثورات عظيمة هدمت قلاع الاستبداد و الاستكبار و ألحقت الهزيمة بحرّاسها.

إن مما لاشك فيه أن التطورات الاجتماعية الكبرى تستند دائماً إلى خلفية تأريخية و حضارية، و هي حصيلة تراكم معرفي و تجارب طويلة. في الأعوام المائة و الخمسين الماضية كان حضور الشخصيات الفكرية والجهادية الكبيرة و الفاعلة الإسلامية في مصر و العراق و إيران و الهند و البلدان الأخرى الآسيوية و الإفريقية مقدمة تمهيدية لهذا الوضع الحالى في دنيا الإسلام.

إنّ ماجرى في العقدين الخامس و السادس من القرن الماضي الميلادي في عدد من البلدان من تطورات أدت إلى تولّي أنظمة تميل غالباً إلى مدارس فكرية مادية، وقد تورّطت بمقتضى طبيعتها بعد أمد في شراك القوى الاستكبارية و الاستعمارية الغربية، إنما هو أيضاً من التجارب المليئة بالعبر و مما كان له سهم وافر في بلورة الأفكار العامة و العميقة في دنيا الإسلام.

إن ما شهدته إيران من ثورة إسلامية كبرى هي على حد تعبير الإمام الخميني العظيم انتصار الدم على السيف، و إقامة نظام متجذّر و مقتدر و شجاع و متطوّر و موثـّر في الصحوة الإسلامية الراهنة، هو أيضاً يشكل فصلاً مُسهباً يحتاج إلى بحث و تحقيق، و سيستوعب حتماً مساحة هامة في تحليل و تدوين الوضع الحالي لدنيا الإسلام.

و الحصيلة أن الحقائق المتزايدة الحالية في دنيا الإسلام، ليست بالحوادث المنفصلة عن جذورها التأريخية و أرضيتها الاجتماعية و الفكرية، ولذلك من العبث أن يعمد الأعداء أو السطحيون إلى اعتبارها موجة عابرة و حادثة سطحية، و أن يحاولوا بتحليلاتهم المنحرفة و المغرضة إطفاء شعلة الأمل في قلوب الشعوب.

إنني في حديثي الأخوي هذه أريد أن أقف عند ثلاث نقاط أساسية:
1- إلقاء نظرة مجملة على هوية هذه النهضات و الثورات.
2- الآفات و الأخطار و العقبات الكبري التي تقف في طريقها.
3- اقتراحات بشأن مواجهة هذه الآفات و الأخطار و معالجتها.

1- في الموضوع الأول، أعتقد أن أهم عنصر في هذه الثورات الحضور الواقعي و الشمولي للشعوب في ميدان العمل و ساحة النضال و الجهاد، لا فقط بقلبهم و بعواطفهم و إيمانهم، بل أيضاً بأجسامهم و إقدامهم.

إن الفرق كبير و عميق بين مثل هذا الحضور و بين انقلاب يقوم به جمع من العسكريين أو مجموعة مناضلة مسلحة أمام شعب لايتفاعل معهم أو حتى أن لا يكون راضياً عنهم.

في حوادث العقدين الخامس و السادس من القرن الميلادي الماضي كان عبء الثورات في عدد من بلدان آسيا و إفريقيا لاتحمله الجماهير و الشباب، بل تنهض به مجموعات إنقلابية أو فئات صغيرة و محدودة مسلحة. أولئك عزموا و أقدموا، ولكن حين غيروا هم أو الجيل الذي تلاهم طريقهم على أثر دوافع و عوامل عديدة فإن الثورات قد انقلبت إلى ضدها و عاد العدو ليفرض سيطرته مرة أخري.

إن هذا يختلف كل الاختلاف مع تغيير تنهض به جماهير الشعب التي تندفع بأجسامها و أرواحها إلى الميدان و تطرد العدو من الساحة.

و هنا، وهنا فقط تصنع الجماهير شعاراتها، و تعيّن أهدافها و تشخّص عدوّها و تفضحه و تتعقبه، و ترسم - ولو بإجمال - مستقبلها، و بالنتيجة تقطع الطريق أمام الخواص المداهنين و الملوثين بل أمام المندسّين و بذلك تحول دون الانحراف و مداهنة العدو و تغيير المسير.
إن التحرك الجماهيري قد يؤدّي إلى تأخر الانتصار النهائي للثورة، ولكنه يبتعد عن السطحية و عن عدم الثبات. إنه الكلمة الطيبة التي قال عنها سبحانه:

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء)

إنني حين رأيت التجمع الجماهيري الضخم المقاوم للشعب المصري الفخور من شاشة التلفزيون في ميدان التحرير أيقنت أن هذه الثورة منتصرة بإذن الله.

أذكر لكم هذه الحقيقة و هي: أنه بعد انتصار الثورة الإسلامية و إقامة النظام الإسلامي في إيران و ما نزل على أثر ذلك من زلزال عظيم هزّ القوى الطامعة الشرقية و الغربية و ما ولّده من موجة هائلة فريدة بين الشعوب المسلمة.. كنا نتوقع أن مصر سوف تنهض قبل غيرها. والذي أثار في قلوبنا هذا التوقع ما كنا نعرفه عن مصر من تاريخ جهادي و فكري و لما أنجبته من شخصيات مجاهدة و فكرية كبري. لكننا لم نسمع صوتاً واضحاً من مصر. كنت مع نفسي أخاطب الشعب المصري بقول أبي فراس الحمداني:

(أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر/ أما للهوي نهى عليك و لا أمر!؟)
ولكن حين تدفقت الجماهير المصرية إلى ساحة التحرير و الساحات المصرية الأخري سمعت الجواب، فإن الشعب المصري كان يقول لي بلسان قلبه:

(بلي أنا مشتاق و عندي لوعة/ ولكن مثلي لايذاع له سرُّ)
هذا السّر المقدس، يعني العزم على الثورة قد تبلور و نضج في أعماق الشعب المصري بالتدريج، و تجلّي بإذن الله و بحوله و قوته في الساحة بشكله العظيم.

تونس و اليمن و ليبيا و البحرين سوف تجري على نفس هذه القاعدة إن شاء الله تعالى. (وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً )
في مثل هذه الثورات، الأصول و القيم و الأهداف لم تدوّن في مشاريع مسبقة على يد الفئات و الأحزاب، بل هي مدوّنة في أذهان كل أفراد الشعب المتواجد في الساحة و في قلوبهم و إرادتهم، ومعلنة و مثبتة في شعاراتهم و سلوكهم.

بهذه المحاسبة يمكن بوضوح تشخيص أن أصول الثورات الحالية في مصر و بقية البلدان تتجلّي بالدرجة الأولى فيما يلي:

- إحياء وتجديد العزة و الكرامة الوطنية التي انتـُهكت على يد الهيمنة الدكتاتورية للحكام الفاسدين و السلطة السياسية لأمريكا و الغرب.
- رفع راية الإسلام الذي يمثل العمق العقائدي و العاطفي للشعب و توفير الأمن النفسي و العدالة و التقدم و التفتح مما لايتحقق إلاّ في ظلّ الشريعة الإسلامية.
- الصمود أمام النفوذ و السيطرة الأمريكية و الأُوربية التي أنزلت خلال أعوام أكبر الضربات و الخسائر و الإهانات بشعوب هذه البلدان.

- نضال الكيان الصهيوني الغاصب و دولته اللقيطة التي غرسها الاستعمار مثل خنجر في خاصرة بلدان المنطقة و جعلها وسيلة لاستمرار سلطته المتجبرة، و شرّد شعباً من أرضه التأريخية.

مما لاشك فيه أن تبنّي ثورات المنطقة لهذه الأصول و سعيها لتحقيقها لاينسجم مع رغبات أمريكا و الغرب و الصهيونية، و هولاء يبذلون مابوسعهم من جهد لينكروا ذلك، لكن الواقع لايتغيّر بإنكاره.

إن شعبية هذه الثورات هي أهم عنصر في تشكيل هويتها. القوى الطامعة بذلت كل جهدها و مارست كل أساليبها الملتوية لحفظ الحكام المستبدّين و الفاسدين و التابعين في هذه البلدان، ولم تكفّ عن دعمهم إلاّ حينما انقطع أملها على أثر ثورة الجماهير و عزمها.

من هنا فإن هذه القوى لايحق لها أن تعتبر نفسها مساهمة في هذه الثورات. وفي بلد مثل ليبيا لايستطيع تدخّل أمريكا و الناتو أن يكدّر هذه الحقيقة. في ليبيا أنزل الناتو خسائر فادحة لاتعوّض. لو لم يكن هذا التدخّل فإن انتصار الشعب الليبي كان من الممكن أن يتأخر قليلاً، ولكن سوف لاينزل بالبلد كل هذا الدمار في بُناه التحتية، و لاتزهق كل هذه الأرواح من النساء و الأطفال، و لا يدّعي أولئك الأعداء الذين كانت يدهم لسنوات بيد القذافي بأنّ لهم حق التدخّل في هذا البلد المظلوم المُدمّر.

إن جماهير الشعب و النخب الجماهيرية و الذين انطلقوا من الجماهير هم أصحاب هذه الثورات و الأمناء على حراستها و الذين يرسمون مستقبلها و يدفعون بعجلتها إن شاء الله تعالى.

2- موضوع الآفات و الأخطار.. لابد من التأكيد أولاً أن الآفات و الأخطار موجودة، ولكنّ هناك أيضاً سبلاً للوقاية منها. لاينبغي أن تكون الأخطار مبعث خوف الشعوب، دعوا الأعداء يخافوكم و اعلموا (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) ربّ العزة و الجلال يقول بشأن فئة من المجاهدين في عصر الرسالة: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).

لابدّ من معرفة الأخطار والآفات للوقاية من الحيرة و الترديد عند مواجهتها، و لنكون على معرفة مسبقة بتشخيص علاجها.

إننا واجهنا هذه الأخطار بعد انتصار الثورة الإسلامية و عرفناها و جربناها و خرجنا من أكثرها بسلام بفضل الله و قيادة الإمام الخميني و وعي جماهيرنا وبصيرتهم و تضحياتهم. طبعاً لايزال الأعداء يحوكون المؤامرات ولايزال الشعب يقاوم بعزيمة راسخة لا تلين.

إنني أصنّف هذه الأخطار و الآفات على قسمين: ماكان له جذور في داخلنا و ينبثق من ضعفنا، وماكان نتيجة ً مباشرةً لتخطيط أعدائنا.

القسم الأول هو من قبيل: الشعور و الظن بأن سقوط الحاكم العميل و الفاسد و الديكتاتور هو نهاية الطريق. إن هذا سوف يبعث على الارتخاء و راحة البال و الغرق في نشوة النصر، وما يتبع ذلك من ضعف الدوافع و هبوط العزائم. هذا هو الخطر الأول. و سوف يتفاقم هذا الخطر حين يعمد أشخاص إلى الحصول على سهم خاص في الغنيمة. ماجري في " معركة أُحد " حيث طمع المحافظون على مضيق الجبل بالغنيمة وما أدّي ذلك إلى هزيمة المسلمين و إلى لوم ربّ العالمين إنما هو نموذج بارز ينبغي أن لاننساه أبداً.

إن الشعور بالخشية من الهيمنة الظاهرية للمستكبرين و الإحساس بالخوف من أمريكا و سائر القوى الطامعة، خطر آخر من هذا القبيل، و لا بّد من توقّيه. النخب الشجاعة و الشباب يجب أن يطردوا من قلوبهم هذا الخوف.

إن الثقَة بالعدوّ و الانخداع بابتسامته و وعوده و دعمه إنما هو من الآفات الكبري الأخري التي يجب أن يحذر منها بشكل خاص النخب و قادة المسيرة. يجب معرفة العدوّ بعلاماته مهما تلبّس من لباس، و صيانة الشعب و الثورة من كيده الذي يدبره في مواضع خلف ستار الصداقة و مّد يد المساعدة. و من جانب آخر قد يعتري الأفراد غرور و يحسبون العدوّ غافلاً، لا بّد من اقتران الشجاعة بالتدبير و الحزم و حشد كل الإمكانات الإلهية في وجودنا لمواجهة شياطين الجنّ و الإنس.

إثارة الاختلافات و خلق الصراعات بين الثوريين و الاختراق من خلف جبهة النضال هي أيضاً من الآفات الكبري التي يجب الفرار منها بكل ما أوتينا من قوة.

أما أخطار القسم الثاني:

فإن شعوب المنطقة قد خبرتها غالباً في الحوادث المختلفة. و أولها تولّي الأمور عناصر تعتقد أن لها التزامات أمام أميركا و الغرب. الغرب يسعي بعد السقوط الإضطراري للعناصر التابعة أن يحافظ على أصل النظام و المحاور المفصلية للقدرة ويضع رأساً آخرعلى هذا البدن وبذلك يواصل فرض سيطرته.

و هذا يعني إهدار كل المساعي و الجهود، و في هذه الحالة إن واجهوا مقاومة الجماهير و وعيها فسوف يسعون إلى بدائل انحرافية أخري يضعونها أمام الثورة و الجماهير.

هذه البدائل يمكن أن تتمثل باقتراح نماذج للحكم و الدستور تدفع بالبلدان إلاسلامية مرة أخري إلى شراك التبعية الثقافية و السياسية و الاقتصادية للغرب، ويمكن أن تتمثل في اختراق صفوف الثورة و تقديم الدعم المالى و الإعلامي لتيار مشكوك و عزل التيارات الثورية الأصلية. و هذا يعني أيضاً عودة تسلط الغرب و تثبيت النماذج المتهرئة الغربية والبعيدة عن مبادئ الثورة ثم سيطرة الأجنبي على الأوضاع.

و لو أن هذه الخطط لم تفلح بأجمعها فإن تجربتنا تقول إنهم سيعمدون إلى أساليب منها إثارة الفوضى و الاغتيالات و الحرب الداخلية بين أتباع الأديان أو القوميات و القبائل و الأحزاب، بل بين الشعوب و البلدان الجارة، إلى جانب و فرض الحصار الاقتصادي و المقاطعة و تجميد الأرصدة الوطنية و أيضاً الهجوم الشامل الإعلامي و الدعائي.

إن الهدف من وراء كل ذلك جعل الشعوب تشعر بالتعب و اليأس، و الثوار بالترديد و الندم، و الأعداء يعلمون أن مثل هذه الحالة تجعل هزيمة الثورة ممكنة و ميسورة.

إغتيال النخب الصالحة و الفاعلة و الإساءة إلى سمعة الأخرين، و من جهة أخري شراء ذمم العناصر الهزيلة هي أيضاً من الأساليب المتداولة للقوى الغربية و أدعياء التمدن والأخلاق!!

إن وثائق وكر التجسس الأمريكي [السفارة الأميركية بطهران في عهد الشاه] التي وقعت بيد الثورة الإسلامية في إيران الإسلام، أوضحت بدقة أن كل هذه الدسائس قد خطط لها نظام الولايات المتحدة الأمريكية.

إعادة الرجعية و الاستبداد و الحاكمية التابعة في البلدان الثورية مبدأ يجيز لهم ممارسة كل هذه الأساليب القذرة.

3- و في آخر قسم من حديثي أضع أمام تشخيصكم و انتخابكم توصيات استقيها من تجاربنا العينية في إيران و من مطالعة دقيقة لبقية البلدان.

من المؤكد أن ظروف الشعوب و البلدان ليست على نحو واحد في جميع الأمور. لكن ثمة بيّنات تستطيع أن تكون للجميع مفيدة.
أول الحديث هو أنه من الممكن التغلب على كل هذه الموانع الآفات و اجتيازها اجتيازاً منتصراً بالاتكال على الله و الاعتماد عليه و حسن الظن بما ورد في كتابه العزيز من وعد بالنصر، و التحلّي بالتعقل و العزم و الشجاعة، إنكم طبعاً قد نهضتم بعمل كبير كبير و مصيري. لذلك لا بّد أن تتحملوا من أجله أيضاً متاعب كبيرة. أمير المؤمنين على عليه السلام يقول: « فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ قَطُّ إِلَّا بَعْدَ تَمْهِيلٍ وَ رَخَاءٍ وَ لَمْ يَجْبُرْ عَظْمَ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا بَعْدَ أَزْلٍ وَ بَلَاءٍ وَ فِي دُونِ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَتْبٍ وَ مَا اسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَر...»

توصيتي الهامة أن تروا أنفسكم دائماً في الساحة:

(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) و اجعلوا الله سبحانه نصب أعينكم و ثقوا بأنه في عونكم (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)

و أن لا تكون الانتصارات مبعث غرور و غفلة: (اِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَ الْفَتْحُ وَ رَاَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ في دينِ اللهِ اَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ اِنَّهُ كانَ تَوّاباً) هذه دعامات حقيقية لكل شعب مؤمن.

توصيتي الأخري إعادة قراءة أصول الثورة بشكل مستمر. الشعارات و الأصول يجب أن تخضع للتنقيح و التطبيق مع أصول الإسلام و محكماته. الاستقلال و الحرية و العدالة، و عدم الاستسلام أمام الاستبداد و الاستعمار، و رفض التمييز القومي و العنصري و المذهبي، و رفض الصهيونية رفضاً صريحاً، وهي التي تشكل أركان النهضات المعاصرة في البلدان الإسلامية، هي بأجمعها مستقاة من الإسلام و القرآن.

دوّنوا مبادئكم، و حافظوا بحساسية كبيرة على أصالتكم، و لا تدعوا أعداءكم يدوّنون نظام مستقبلكم، لا تدعوا أصولكم الإسلامية تُقدم قرباناً على مذبح المصالح العابرة.

الانحراف في الثورات يبدأ من الانحراف في الشعارات و الأهداف، لا تثقوا إطلاقاً بأمريكا و الناتو و بالأنظمة المجرمة مثل بريطانيا و فرنسا و إيطاليا التي جثمت لأمد طويل على صدور بلدانكم و وزّعت بينها بلدانكم و نهبت ثرواتكم، تعاملوا معها بسوء ظن و لا تصدّقوا ابتساماتهم، فوراء هذه الابتسامات و الوعود تكمن الخيانات و المؤامرات. ابحثوا عن حلولكم من منبع الإسلام الفيّاض وردّوا وصفات الأجانب إليهم.

توصيتي المهمة الأخري الحذر من الاختلافات المذهبية و القومية و العنصرية و القبلية و الحدودية. اعترفوا بالتفاوت و وجّهوه بإدارة حاذقة. التفاهم بين المذاهب مفتاح النجاة.

أولئك الذين يضرمون نيران التفرقة المذهبية أو يعمدون إلى تكفير هذا و ذاك، هم عملاء الشيطان و جنده حتى لو لم يعلموا هم بذلك.

إقامة النظام عمل كبير و أساسي، إنه عمل معقد و صعب. لا تدعوا النماذج العلمانية أو الليبرالية الغربية، أو القومية المتطرفة، أو الاتجاهات اليسارية الماركسية تُفرض عليكم.
إن المعسكر الشرقي قد انهار و المعسكر الغربي يتوسل بالعنف و الحرب و الخدعة، ليحافظ على بقائه و ليس له عاقبة خير متصورة في الأفق.

مرور الزمان بضررهم و لصالح تيار الإسلام.الهدف النهائي يجب أن يتمثل في التوجه نحو الأمة الواحدة الإسلامية و بناء الحضارة الإسلامية الجديدة على أساس الدين و العقلانية و العلم و الأخلاق. تحرير فلسطين من مخالب الوحش الصهيوني هو أيضاً هدف كبير.

بلدان البلقان و القفقاز و آسيا الغربية قد تحررت من سيطرة الاتحاد السوفيتي السابق بعد ثمانين سنة من الاحتلال، فلماذا لا تستطيع فلسطين المظلومة بعد سبعين سنة أن تتحرر من أسر السيطرة الصهيونية؟!

الجيل المعاصر في البلدان الإسلامية له قدرة النهوض بمثل هذا العمل الكبير. جيل الشباب مبعث افتخار مَنْ سبقه من أجيال. يقول الشاعر العربي:

(قالوا:أبو الصخر من شيبان/ قلت لهم كلا لعمري و لكن منه شيبانُ
و كم أبٍ قد علا بابنٍ ذُرى شَرَفٍ/ كما عـلا برسولِ الله عدنانُ)

ثقوا بجيل شبابكم أحيوا روح الثقة بالنفس في وجودهم و غذّوهم بتجارب الآباء و الأجداد.

و ثمة ملاحظتان مهمتان في هذا المجال:

الأولى: أن أحد أهم مطالب الشعوب الثائرة و المتحررة أن يكون لها الحضور و أن يكون لأصواتها الدور الحاسم في إدارة البلاد.
و لما كانت هذه الشعوب مؤمنة بالإسلام فإن مطلوبها هو «نظام السيادة الشعبية الإسلامي» أي إن الحكام يُنتخبون وفق تصويت الناس، و أن تكون القيم و الأصول الحاكمة على المجتمع وفق أصول قائمة على المعرفة و الشريعة الإسلامية.

و هذا يمكن تحقيقه في البلدان المختلفة بأساليب و أشكال مختلفة بمقتضي ظروفها، لكن يجب المراقبة بحساسية كاملة كي لا يختلط هذا المشروع بالديمقراطية الليبرالية الغربية. الديمقراطية الغربية العلمانية أو المعادية للدين أحياناً ليس لها أي ارتباط بسيادة الشعب الاسلامية الملتزمة بالقيم و بالخطوط الأصلية الإسلامية في نظام البلاد.

الملاحظة الثانية أن التوجه الإسلامي يجب أن لا يختلط بالتحجّر و القشرية و التعصب الجاهل و المتطرف.

لا بدّ أن يكون الفاصل بين هذين الاثنين واضحاً. التطرف الديني المقرون غالباً بالعنف الأعمي هو عامل التخلف و الابتعاد عن الأهداف السامية للثورة، و هذا بدورة عامل ابتعاد الجماهير و في النتيجة سيكون عامل فشل الثورة.

خلاصة الحديث أن الكلام عن الصحوة الإسلامية ليس بحديث عن مفهوم مبهم غير شخص و يقبل التأويل و التفسير. إنه حديث عن واقع خارجي مشهود و محسوس ملأ الأجواء و فجّر الثورات الكبري و أسقط عناصر خطرة في جبهة الأعداء و أخرجهم من الساحة. و مع ذلك فالساحة لا تزال هشّة و تحتاج إلى بلورة و إلى تحقيق الأهداف النهائية.

الآيات التي تليت في مطلع الحديث تشتمل على منهج كامل للعمل و له الفاعلية الدائمة و خاصة في هذه البرهة الحساسة المصيرية. إنها تخاطب النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم لكننا جميعا في الواقع مخاطبون بها و مكلفون.

أول توصية في هذه الآيات بالتقوى بمعناها السامي و الواسع، ثم رفض الطاعة للكافرين و المنافقين، ثم اتباع الوحي و بالتالي التوكل على ألله و الاعتماد عليه.

مرة أخري أمرّ على هذه الآية الكريمة: (بسم الله الرحمن الرحيم يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا)

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته