العالم - قالات وتحليلات
لكن كيف تم تسجيل هذا الانتصار في ظل الأحداث المتسارعة التي مر بها لبنان خلال الشهرين الماضيين؟
هل تم حسم النصر بعامل واحد فقط او تجمعت عدة عوامل لإنجازه؟
هل كان الميدان هو العامل الوحيد لتحقيق النصر ام انه كان العامل الأساس والأهم وحجر الزاوية في تحقيقه؟
وهل كان لبيئة المقاومة دورها الفعّال بمساندة رجال الله في الميدان؟
وماذا عن دور المفاوض الرسمي اللبناني بقيادة الرئيس نبيه بري؟
وهل كان للالتفاف الشعبي حول المقاومة والمفاوض الرسمي الدور المجدي للوصول الى النصر المظّفر؟
لا مبالغة إن قلنا ان هذا النصر قد يعتبر من اهم الانتصارات التي حققت على العدو وربما هو الانتصار الأهم، ويمكن الاستدلال ما نقول بالعديد من النقاط التي تظهر أهمية ما جرى، منها:
-الانتصار جاء بفضل الله اولا وتاليا بفضل صمود المقاومين على الحدود وإفشالهم العملية البرية الاسرائيلية التي شكّلت نتائجها خسارة مدوّية لكل ما رسم في مخيلة قادة العدو بأن بإمكانهم تغيير الواقع في جنوب وكل لبنان ومن ثم في كل المنطقة، وأهمية الانكسار الاسرائيلي بالطريقة التي حصلت على الحافة الامامية للقرى الحدودية الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة، سيشكل محطة للدراسة والبحث كي تستخلص منها العبر، حول كيف ان مجموعات مُقاوِمَة صغيرة مجهزة ومنتشرة بشكل متقن ومدروس استطاعت ان تمنع جيشا كبيرا يعد من الاقوى في المنطقة والعالم وكان يوصف في يوم من الايام بأنه “لا يقهر”، من التقدم الى مسافة لا تتعدى مئات او عشرات الأمتار داخل الأراضي اللبنانية.
كما ان قدرة المقاومة في المجالين الصاروخي والمُسيّرات وتطورها وإمكانية العمل في ظل التحكم الجوي الاسرائيلي والإطباق الاستخباراتي والامكانات الفنية والتكنولوجية الهائلة للعدو، شكل علامة فارقة في عمل المقاومة التي اعتقد البعض انها قد تتأثر جراء الضربات المتواصلة منذ ما يزيد عن السنة، إلا ان الخطط المدروسة بحكمة والموضوعة سلفا أدت الى ما رأيناه بالعين المجردة من ضرب تجمعات وقواعد العدو الاسرائيلي على الحدود اللبنانية الفلسطينية وفي مستوطنات شمال الكيان الغاصب، وصولا الى استهداف مراكز الاستراتيجية للصهاينة في العمق الاسرائيلي وصولا الى حيفا وما بعدها حتى تل ابيب.
-كل ما سبق ذكره هو بالطبع إنجازات كبيرة ونوعية تسجّل للمقاومة، لكن القيمة المضافة لها أنها تمت رغم تمكن العدو منذ بداية الحرب من اغتيال قيادات من الصف الاول في المقاومة كالشهداء القادة: السيد محسن شكر والحاج ابراهيم عقيل والحاج علي كركي وغيرهم، بالاضافة الى استشهاد سيد شهداء الامة الشهيد السيد حسن نصر الله، وما تبعه من حملات إعلامية وسياسية هدفت الى شن الضغط النفسي على بيئة المقاومة وجمهورها بهدف الإيحاء ان قدراتها انتهت وان لا حيلة لها على الرد وإفشال مخططات العدو وتسطير نصر جديد هام في تاريخ لبنان والامة.
-تبع كل ذلك إثبات المقاومة وقيادتها التي انتخبت أمينها العام الجديد خلال الحرب الشيخ نعيم قاسم(وهي نقطة تسجل للمقاومة وقدرتها على التواصل والتحكم والسيطرة وان لا مجال للفراغ والتهاون ولو كانت الخسارة بحجم فقد سماحة الشهيد السيد نصر الله)، ما شكل دفعة جديدة للمقاومين بإعادة تركيز رمياتهم ومواصلة المسيرة لتنفيذ الخطط الموضوعة لتحقيق النتائج المطلوبة وعلى رأسها إفشال العدوان وأهدافه، وهذا ما تحقق برسم انتصار تاريخي جديد للبنان بمواجهة “إسرائيل”.
-كل ما سبق له أهميته البالغة إلا ان ما يضيف الى أهميته المزيد، هو حالة الثبات منقطعة النظير التي أظهرتها بيئة المقاومة ومن خلفها السواد الأعظم من الشعب اللبناني المتضامن والمتآخي بالتزامن مع مواقف الدعم من مختلف القوى السياسية بما يعبر عن وحدة وطنية خرقتها بعض الأصوات النشاز التي عملت على التناغم مع الهجمة المعادية ضد المقاومة بما يضر بالمصلحة الوطنية العامة.
فقد شكلت بيئة المقاومة سندا صلبا اعتمدت عليه المقاومة وقيادتها ومجاهديها في كيفية التعامل المناسب مع العدوان، فكان أشرف وأكرم الناس في الوقت المناسب والمكان الصحيح رافدا قويا للمقاومين، من دون أن نسمع من رجل او إمراة او شيخ كبير او طفل صغير من النازحين أي موقف يعبر عن ضعف او هوان او تردد، بل كان أهل المقاومة كما عهدناهم مضحين ثابتين مبادرين للفداء لا تهزهم كل الأنباء المغرضة والأخبار الضاغطة ولا الغارات الحاقدة، كانت ثقتهم بالله اولا ومن ثم بالمقاومة ودماء شهدائها راسخة لا يهزها شيء، وكان الناس وكلماتهم كالرصاص بمواجهة العدو وكل المتربصين.
-ومن خلف النازحين وأمامهم كانت عوائل الشهداء والجرحى، من آباء وأمهات وزوجات وأبناء وبنات، كانوا حاضرين في الساحة لرفد المقاومين بسيل من الدعم المعنوي بعد الدعم بالدم، فكانت دماء الشهداء وآلام الجرحى هي أحد أهم الاسباب المؤدية للنصر الحاسم، وبهذا السياق سبق للشهيد السيد نصر الله ان قال في كلمة له يوم 3-11-2023 “.. إن تحمّلنا المسؤولية وصمودنا جميعا وصبرنا واحتسابنا وما نُقدّمه من دماء وتضحيات في عين الله وفي سبيل الله سيكون نتيجته النصر الأكيد إن شاء الله..”.
وبالسياق، أكد الإعلامي والباحث الدكتور جمال شهاب المحسن ان “رجال المقاومة هم الذين صنعوا هذا النصر العظيم للبنان والذي تشهد عليه كل حبة تراب في القرى الحدودية الامامية وكل قرى الجنوب”، واضاف “لقد جسّد هؤلاء الأبطال السيادة الوطنية اللبنانية بأبهى صورها والعنفوان الكربلائي المنتصر دائما وأبدا وقاتلوا ببأس شديد وبروح قائدهم الشهيد العظيم سماحة السيد حسن نصرالله رضوان الله عليه”.
وأشاد الدكتور شهاب المحسن في حديث لموقع المنار الالكتروني “بالعودة السريعة للأهالي الى قراهم ومدنهم في الجنوب، رافعين رايات النصر ومنتصرين على إرهاب العدو الصهيوني وإجرامه ودماره وتهديداته”، واكد ان “دماء الشهداء والجرحى وأنفاس المقاومين وتضحياتهم ستبقى أعظم المنارات والقرارات وفوق الإتفاقات وكل البنود”.
وبنفس الإطار، قالت غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في بيان رقم 4638 “أكملت المقاومة الإسلاميّة طريقها ملبيةً أمر أمينها العام وشهيدها الأسمى سماحة السيد حسن نصر الله قدس سره الشريف وحامل الراية من بعده سماحة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم حفظه الله واستمرّت على عهدها وجهادها على مدى أكثر من 13 شهرا، وتمكنت من تحقيق النصر على العدو الواهم الذي لم يستطع النيل من عزيمتها ولا من كسر إرادتها”، وتابعت “كانت الكلمة للميدان الذي استطاع برجاله المُجاهدين الأطهار، المُتوكلين على الله تعالى من إسقاط أهدافه، وهزيمة جيشه، وسطروا بدمائهم ملاحهم الصمود والثبات في معركتي طوفان الأقصى وأولى البأس”.
إذاً جاء الانتصار العزيز بجدارة أبناء الوطن مقاومين بالميدان ومفاوضين محنكين بالسياسة، حتى تحقق الهدف وانكسر العدوان بدون منّة من أحد بل فُرض النصر فرضا على العدو، تأكيدا على مقولة سيد شهداء الامة الشهيد المقدس السيد نصر الله(قده) انه “قد ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات”.
ذوالفقار ضاهر - موقع المنار