اليمن، ذلك البلد العريق بتاريخه وأمجاده، ما زال متجذّرًا في قناعاته ومبادئه، ويواصل بثبات مواقفه الراسخة رغم التحديات. إنه الشعب الذي يواجه الأزمات والمحن بشجاعة نادرة وصمودٍ لافت، ولا يزال اليوم يمدّ يد الدعم لأبناء غزة، دعمٌ لا يستند فقط إلى الروابط الأخوية، بل ينبع من إيمان ديني عميق، ومن قناعة راسخة بوحدة المصير مع القضية الفلسطينية.
يدرك اليمن تمامًا أن قضيته وقضية فلسطين واحدة، وأن الدفاع عنها واجبٌ شرعي وأخلاقي. وقد قارن هذا الشعب المقاوم بين تهديدات الاحتلال الإسرائيلي ووعيد الله لمن يتخاذلون عن الجهاد، فاختار طريق المواجهة، إيمانًا بأن الجهاد في سبيل الله هو الخيار الصحيح، وأن التخاذل لا مكان له في قاموس المقاومة.
وفي ظل هذا الموقف، يخرج الشعب اليمني أسبوعيًا في مسيرات حاشدة، يؤكد فيها تضامنه مع فلسطين، ويجدد فيها العهد بأن إرادته لا تُقهر، وأن دعمه لغزة مستمر، باعتباره امتدادًا لتاريخه العريق وإيمانه العميق بعدالة قضيته. يد اليمن اليوم ما زالت على الزناد، تُطوّر قدراتها العسكرية يومًا بعد يوم، وتُصعّد عملياتها تصاعدًا مدروسًا حتى وقف العدوان على غزة وتحرير كامل التراب الفلسطيني.
فكيف يتعامل اليمن مع التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة؟ وما مستقبل الحرب المحتملة بين صنعاء وتل أبيب؟ ومن الذي يمتلك زمام المبادرة والقدرة على الحسم؟
وللمزيد من التعمق في أبعاد تهديدات الكيان الصهيوني تجاه اليمن، واستشراف مآلات التصعيد المحتمل بين صنعاء وتل أبيب، ننقل لكم الحوار الذي أجراه الزميل أسامة الفران مع المحلل العسكري والاستراتيجي اليمني، زكريا الشرعبي، ضمن حلقة جديدة من برنامج "بتوقيت اليمن"، والذي يُعرض على شاشة قناة "العالم" الإخبارية.

وكشف المحلل العسكري والاستراتيجي اليمني، زكريا الشرعبي، أن الكيان الصهيوني يعيش أزمة حقيقية منذ السابع من أكتوبر، حيث انهارت عقيدته العسكرية بالكامل، بدءًا من صورة "القوة التي لا تُقهر"، وصولًا إلى سقوط جدار الحماية والدفاعات الجوية، وهو ما دفعه إلى الهروب من هزيمة إلى أخرى في محاولة لترميم صورته المهزوزة.
وأكد الشرعبي أن الكيان الصهيوني لجأ إلى التصعيد ضد اليمن بعد عجزه عن مواجهة المقاومة في غزة ولبنان، ومع اتساع عجزه العسكري، حاول حرف الأنظار نحو إيران، بزعم استعادة الردع.
وأوضح أن الكيان حين فشل في ردع اليمن، ظهر مسؤولوه علنًا ليعترفوا بعجزهم، محاولين دفع الولايات المتحدة نحو استهداف إيران، في محاولة لتصدير الأزمة وبناء صورة نصر وهمي أمام جمهور المستوطنين.
وبيّن الشرعبي أن العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية لم يحقق أيًّا من أهدافه، بل أسفر عن نتائج عكسية، حيث تزايد الإحساس داخل الكيان بتهديد وجودي، وانهارت الثقة داخل مجتمع المستوطنين بالقيادة الصهيونية.
وأضاف: الكيان الصهيوني اليوم يحاول بكل طريقة استعادة ثقة المستوطنين، الذين فقدوا شعورهم بالأمان، وبدأ بعضهم بالفعل بمغادرة فلسطين المحتلة، حتى عبر طرق التهريب أو البحر، بعد فشل القبة الحديدية وسقوط سمعة الدفاعات الجوية متعددة الطبقات.

وأشار الشرعبي إلى أن الكيان يحاول الإيحاء بأنه ما زال قادرًا على المبادرة، عبر التهديد المستمر لليمن وإيران، لكن هذه التهديدات موجهة بالدرجة الأولى للداخل الإسرائيلي، لتهدئة الرأي العام المتوتر، لا سيّما بعد الهجمات التي شنها حزب الله في لبنان، والضربات الإيرانية الأخيرة، عبر عملية "الوعد الصادق 3".
وتابع المحلل اليمني: "عقيدة الردع لدى الاحتلال قامت على الحسم السريع، والدفاع الجوي الفعّال، والهيمنة النفسية، وكلها سقطت تباعًا. لم يستطع الحسم لا في غزة، ولا في لبنان، ولا في اليمن، ولا حتى في إيران. آخر حسم سريع حققه الكيان كان في حرب عام 1967، أما اليوم فهو يغرق في مستنقع طويل لا يعرف له مخرجًا".
وفي ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على إيران، أكد الشرعبي أن هدفه لم يكن المواقع النووية فقط، بل محاولة زعزعة النظام، وتأجيج الفوضى الداخلية، وهو ما لم يتحقق، بل على العكس، تعرض الكيان لخسائر أكبر وأعمق لم تكن بالحسبان.
وأضاف الشرعبي، أن العدو الصهيوني مفلس سياسيًّا وعسكريًّا، ويحاول صناعة انتصارات إعلامية لا تصمد أمام الواقع الميداني. فحتى عندما قصف ميناء الحديدة، عاد اليمن بعد ساعات فقط ليرد بعملية جديدة، ما أثار تساؤلات داخل المجتمع الصهيوني: إذا كنتم قد استعدتم الردع، فلماذا تتساقط الصواريخ مجددًا؟"
المزيد في الفيديو المرفق..