وكشفت هذه الشهادات عن استمرار ارتكاب انتهاكات جسيمة وغير مسبوقة بحق المعتقلين، شملت أساليب تعذيب وحشية، وتجويع ممنهج، وحرمان طبي متعمّد، في ظروف احتجاز وصفتها الجهات الحقوقية بـ"اللا إنسانية".
وتؤكد الإفادات الموثّقة أن ما يجري داخل المعتقلات يتجاوز الانتهاكات الفردية ليصل إلى مستوى منظم من الجرائم، من بينها الاعتداء الجسدي، النفسي، والجنسي، وقد أفضت في بعض الحالات إلى استشهاد عدد من المعتقلين، في حين لا يزال آخرون في حالة إخفاء قسري.
وتأتي هذه الشهادات ضمن مئات الإفادات التي توثق صورة قاتمة عن واقع الأسرى الغزيين منذ بدء الحرب، وتشكّل إدانة قانونية وأخلاقية لما تمارسه سلطات الاحتلال بحقهم، وسط مطالبات متزايدة بتحقيق دولي ومساءلة عاجلة.
قال المعتقل (م.ي): "اعتُقلت في شباط/ فبراير 2024، وتعرّضت لتحقيق ميداني، ثم نُقلت إلى معسكر سديه تيمان لمدة 25 يومًا، ثم إلى معسكر قرب القدس، ولاحقًا إلى سجن "عوفر"، ثم إلى سجن "النقب". طوال هذه الفترة، تعرّضت لجميع صنوف التعذيب، "سُكب الماء الساخن على جسدي".
قال المعتقل (م.ي): "اعتُقلت في شباط/ فبراير 2024، من الممر الآمن، ثم نُقلت إلى غلاف غزة لمدة 25 يومًا، وبعدها إلى معسكر قرب القدس، ثم إلى معسكر عوفر، حيث بقيت 60 يومًا، ثم إلى سجن "النقب". في غلاف غزة، ضُربت بأداة حادة، واحتاج جرحي إلى غرز معدنية بقيت في رأسي 119 يومًا ما تسبب بالتهاب في فروة الرأس. وفي المعسكر قرب القدس، عُريت بالكامل وأُجبرت على شرب الخمر.
قال المعتقل (ح.ن): "اعتُقلت في كانون الأول/ ديسمبر 2024، عبر حاجز الإدارة المدنية، وتعرّضت للضرب المبرّح، وتم تجريدي من ملابسي. أخبرني المحقق أن جيش الاحتلال قتل جميع أفراد عائلتي، مما سبب لي أزمة نفسية حادة دفعتني لمحاولة الانتحار داخل الزنزانة، لولا تدخل زملائي. خلال زيارتي، أخبرني المحامي أن عائلتي بخير، فانهرت بالبكاء ولم أصدق ما سمعته.
قال المعتقل (ه.ر): "اعتُقلت في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، من رفح، وتعرّضت للتحقيق الميداني، ثم تم تجريدي من ملابسي. هاجمني كلب بوليسي ونهش قدمي. نُقلت لاحقًا إلى غلاف غزة، حيث تعرضت لتحقيق “الديسكو” وتحقيقات أخرى من قبل المخابرات، ثم إلى معسكر عوفر، ثم إلى زنازين "المسكوبية"، حيث تم عزلي انفراديًا لمدة أربعة شهور، وتعرضت لتحقيقات عسكرية في "عسقلان". قبل أسبوع فقط، تعرّضت للضرب الوحشي بالهراوات."
منذ بدء حرب الإبادة، لم تتمكن المؤسسات الحقوقية من الحصول على رقم دقيق لعدد من تم اعتقالهم في غزة نتيجة لجريمة الإخفاء القسري، إلا أن العدد يُقدّر بالآلاف.
وفق ما أعلنت عنه إدارة سجون الاحتلال حتى مطلع تموز/ يوليو 2025، بلغ عدد معتقلي غزة المصنّفين "مقاتلين غير شرعيين" (2454) معتقلًا، وهو أعلى رقم سُجّل منذ بدء الإبادة. ولا يشمل هذا الرقم المعتقلين المحتجزين في معسكرات الجيش، بل فقط من هم تحت إدارة مصلحة السجون.
يشكّل "قانون المقاتل غير الشرعي" أداة رئيسية في شرعنة جريمة الإخفاء القسري، إضافة إلى كونه ينتهك القانون الدولي من حيث الجوهر والبنية، ويعزز استخدام التعذيب على نطاق واسع بحق معتقلي غزة.