حادثة غير مسبوقة: جروك يهاجم مستخدمين سعوديين
في يوم 12 تموز/يوليو 2025، انتشرت على منصة إكس (تويتر سابقاً) تغريدة غير اعتيادية أثارت جدلاً واسعاً بين عدد كبير من المنصات الأخرى.
بدأت القصة بسؤال طرحه أحد الحسابات على جروك، وهو روبوت محادثة مدعوم بالذكاء الاصطناعي على منصة إكس، يتعلق بحكام المملكة العربية السعودية.
بعد إجابة أولية اعتيادية تضمنت بعض الانتقادات الموجهة للنظام السعودي، تفاعلت حسابات تدّعي الانتماء للسعودية مع المنشور برفض هذه الاتهامات، ووجهت انتقادات حادة لجروك نفسه.
لكن المفاجأة الكبرى جاءت عندما ردّ جروك على إحدى التغريدات الانتقادية بعبارات هجومية واتهامات سياسية ضد الجانب السعودي وضد المغرّدين أنفسهم.
هذا الموقف شكّل صدمة لدى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بل وحتى لدى من لا يستخدمونها، إذ انقسمت التفاعلات بين السخرية والاستهزاء ومحاولات استفزاز جروك لإظهار أسوأ ما فيه. هنا برز السؤال المحوري: إلى أين يقودنا الذكاء الاصطناعي؟ وهل يمكن الوثوق بجروك وأدواته المشابهة؟
ما هو جروك وكيف يعمل؟
جروك هو أداة تفاعلية قائمة على الذكاء الاصطناعي، أو بتعريف أدق، روبوت محادثة (Chatbot).
ينتمي جروك إلى فئة نماذج اللغة الكبيرة (Large Language Models)، وهي أنظمة تُدرَّب على فهم اللغة البشرية ومعالجتها، من خلال جمع كمّ هائل من الكلمات والنصوص والسياقات وتحويلها إلى آلية قادرة على توقع الكلمة التالية وصياغة إجابات مترابطة.
على سبيل المثال، إذا تعلّم النموذج أن الجملة "أكل الولد" غالباً ما تليها كلمة "التفاحة"، فإنه يصبح قادراً على إكمال الجمل والتفاعل مع الأسئلة، وصولاً إلى تقديم إجابات كاملة مبنية على فهم السياق.
هذه النماذج تعتمد على ركيزتين أساسيتين:
1- القدرة على استقبال وفهم وتحليل الكلام.
2-الوصول إلى مصادر مفتوحة من المعلومات المنشورة على الإنترنت، لاستخدامها في تكوين الردود.
مع تطور التكنولوجيا، أضيفت ميزات جديدة مثل فهم المشاعر (الغضب، الحزن، السخرية) وإظهار ردود تحمل بعداً عاطفياً، ما يجعل المحادثة أكثر إنسانية في المظهر، لكن أكثر خطورة في التأثير.
شاهد أيضا.. استخدام الكيان الاسرائيلي الذكاء الصناعي والمحاذير المفترضة
وسائل التواصل… من مصدر للمعلومة إلى أداة تشكيل وعي
شكّلت وسائل التواصل الاجتماعي البوابة الرئيسية لمتابعة الأحداث المتسارعة، حتى لجيل كان يعتمد سابقاً على نشرات الأخبار والصحف.
لكن المحتوى في هذه المنصات ليس دائماً موضوعياً، إذ يمكن أن يكون منحازاً أو مموّلاً، تماماً كما هو الحال في بعض القنوات التلفزيونية.
تتحول الحسابات المجهولة أو المموّلة إلى أدوات لبث الإشاعات وخلق سرديات موازية بهدف التعتيم على الحقيقة. وفي ظل هذا الواقع، بدأ كثيرون ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي كـ"منقذ" قادر على تقديم المعلومة الدقيقة بسرعة ودون تدخل بشري مباشر.
إلا أن هذه النظرة تغفل حقيقة أن أدوات مثل جروك ليست محايدة تماماً، فهي تعتمد على البيانات المتاحة وعلى توجيهات الشركة المطوّرة لها.
أين تكمن خطورة جروك وأمثاله؟
من الأمور التي لا ينتبه إليها كثير من المستخدمين أن محتوى جروك يخضع لمراقبة وإدارة بشرية من قبل موظفي شركة X.AI المملوكة لإيلون ماسك.
هذا يعني أن تغيير سياسات الأداة أو توجيهها نحو هدف سياسي معين أمر ممكن تماماً.
المخاطر الثلاثة الرئيسية:
1. تعميم الكسل الفكري
تحويل المستخدم من باحث ومحلل للمعلومة إلى متلقٍ سلبي يقبل ما يقدمه الذكاء الاصطناعي كحقيقة مطلقة.
2. تعزيز قدرة الجهات المتحكمة في الأداة
إمكانية جمع بيانات ضخمة عن أنماط التفكير والسلوك، ما يمنح الجهات المهيمنة سلطة أكبر على عقول المجتمعات المستهدفة.
3. تحويل الواقع السياسي إلى مادة نظرية محايدة
إفراغ السياسة والتاريخ من بعدها العملي والنضالي، وتحويلهما إلى مجرد معلومات للتسلية أو المعرفة النظرية.
شاهد أيضا.. مع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. كيف تدار الحروب؟
بين التهديد والفرصة
أدوات الذكاء الاصطناعي ستصبح جزءاً أكبر من حياتنا، وهذا لا مفر منه.
لكن النصر أو الهزيمة لا يتوقفان على جروك أو غيره، بل على وعي الناس الذي يتشكل في البيوت والمدارس والمساجد والجامعات، ومن واقع التجربة والمواجهة.
كلام أهالي الشهداء والمقاومين أصدق من أي مخرجات يقدمها الذكاء الاصطناعي، لكن في الوقت نفسه، من المهم فهم هذه الأدوات وحدودها، ومحاولة تطوير بدائل محلية توظف الذكاء البشري المقاوم والإبداعي.
كما قال الشهيد غسان كنفاني:"إننا حتماً لا نستطيع أن نعيد ما حفرته الآلة من مآسٍ ونكسات، لكننا نستطيع أن نحافظ على ما تبقى من الإنسان سيداً للآلة لا عبداً لها."
التفاصيل في الفيديو المرفق ...