في سباق محموم على السيطرة البحرية، لا تتحرك تل ابيب داخل حدود الجغرافيا الضيقة، بل ترسم قوس نفوذٍ يمتد من شرق المتوسط شمالاً، حتى باب المندب والقرن الأفريقي جنوباً، في محاولة لإعادة هندسة موازين القوة الإقليمية، ومحاصرة الخصوم. فالاعتراف الإسرائيلي الأخير بإقليم أرض الصومال لم يكن خطوة رمزية أو سياسية عابرة، بل هو تحوّل استراتيجي بالغ الخطورة عند أحد أخطر الممرات البحرية في العالم. اعتراف يمنح تل أبيب موطئ قدم مباشراً عند مدخل البحر الأحمر، ويؤمّن لها حضوراً متقدماً قرب مضيق باب المندب.
صحيفة معاريف الإسرائيلية كشفت أن هذه الخطوة تعزز قدرات سلاح الجو الإسرائيلي، وتفتح خيارات عملياتية أوسع في مواجهة اليمن وإيران، في إشارة واضحة إلى أن المسألة تتجاوز الدبلوماسية، لتلامس صميم العقيدة العسكرية الإسرائيلية. ومن أرض الصومال، يتسع المشهد إلى القرن الأفريقي وأفريقيا عمومًا. إذ تتحرك تل أبيب بمنطق تأمين عمق استراتيجي بعيد عن حدودها، وتحويل القارة السمراء إلى جزء من منظومة نفوذها غير المباشر.
استراتيجية تتجسد بوضوح في إريتريا، حيث يمتلك الكيان قواعد بحرية واستخباراتية عدة فيها، تطل مباشرة على البحر الأحمر، وتحاصر مصر وتشكّل منصة عمليات متقدمة لتل أبيب، حيث استُخدمت – وفق تقارير – في تنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف في السودان في الماضي.
من الجنوب إلى الشمال، تصل خيوط تل أبيب إلى شرق المتوسط، حيث تحول التعاون الثلاثي بين الكيان الإسرائيلي واليونان وقبرص إلى أداة استراتيجية لمحاصرة تركيا، عبر توقيع خطة العمل العسكري لعام الفين وستة وعشرين، وما رافقه من حديث عن إنشاء قوة استجابة سريعة، يعكس انتقال هذا التحالف إلى بناء توازن ردعي موجه مباشرة ضد أنقرة. المصادر الإسرائيلية لا تخفي أن الهدف هو كبح الطموح التركي في الطاقة والمياه الإقليمية وفي سوريا ايضاً.
استراتيجية تتزامن مع اعلان أنقرة بدء بناء تسعة وثلاثين سفينة حربية في الوقت نفسه، في رسالة استعراضية واضحة للقوة، ربما تعكس قلق تركيا من التحالفات الاسرائيلية الاخيرة على تخوم مياهها الاقليمية. تحالفات لا يمكن النظر إليها على أنها منفصلة أو تكتيكية معزولة، بل استراتيجية لرسم قوس سيطرة بحري متكامل، يبدأ من مشارف المحيط الهندي وخليج عدن وباب المندب والقرن الأفريقي، مروراً بالبحر الأحمر، ووصولًا إلى شرق المتوسط، هدفها الأساس، التحكم بشرايين العالم، ومحاصرة الخصوم.