أقتلونا .. القتل لناعادة وكرامتنا من الله الشهادة

أقتلونا .. القتل لناعادة وكرامتنا من الله الشهادة
السبت ١٦ يونيو ٢٠١٢ - ٠١:١٩ بتوقيت غرينتش

استباحة الدم الشيعي وعرضه وماله ليس بجديد على الساحة حتى تثمر عنها سلسلة الانفجارات الارهابية الدموية يوم الاربعاء الدامي الكثير من المدن العراقية باستهداف زوار الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام وهم ذاهبون سيراً على الأقدام لزيارة مرقده الشريف في ذكرى استشهاده الأليمة مما أدى الى استشهاد واصابة المئات منهم الابرياء دون ذنب.

هذه الظاهرة برزت على الساحة منذ واقعة "غدير خم" ورفع الرسول الأعظم (ص) يد الامام علي بن أبي طالب (ع) امام حشود المسلمين التي تجاوزت آنذاك أكثر من 120 ألف حاج برواية غالبية الرواة وعلماء المسلمين ونادى باعلى صوته بعد أن أمره الله سبحانه وتعالى "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ"-المائدة 67 ، ليعتلي مركب الخطابة وينادي في حشود الحجيج "من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه..."
فهناك انعقدت نطفة الارهاب والغدر والخيانة في قلوب الذين يأسوا وحملوا في نفوسهم عداء محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشيعتهم ومحبيهم وانصارهم ومواليهم وعقدوا العزم على تفريق حشود المسلمين وتمزيق صفوفهم الموحدة بمختلف الاساليب والحيل والخدع.
فأخذوا يستهدفون أئمة المسلمين من أبناء الرسول (ص) وشيعتهم وانصارهم هنا وهناك فتارة باستخدام عصا السياسة الماكرة والصراع بما يسمونه على قيادة الأمة ، واخرى باستخدام فتاوى وعاظ السلاطين الذين يبيعون أرواحهم وإيمانهم وعلمهم بأبخس ثمن أبتغاء مرضاة الملك والخليفة والأمير الذي لا أمرة له سوى معصية الله سبحانه وتعالى والعمل على عودة صفوف الأمة الى عهد القبلية والجاهلية والشرك والضلالة.
فها هو الخليفة العباسي "هارون الرشيد"  شأنه شأن جميع الذين تصدوا للخلافة زعامة الأمة الاسلامية وحاكميتها بغصب ودون استحقاق وبعيداً عما أمر به الرسول الاکرم (ص) حين قال "اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا" ،  وهو يخاطب أبنه المأمون بالقول" أن الملك عقيم ولو خاصمتني عليه لأخذت الذي فيه عيناك" فماذا لو تصدى لسلطته أحد أئمة أهل البيت (ع) أو من شيعتهم وأنصارهم ؟.
وقد روى لنا التاريخ كيف صنع خلفاء بنو أمية وبني العباس ببني هاشم وشيعتهم وكيف استباحوا دماءهم وهتكوا أعراضهم وصادروا أموالهم وبنوا الكثير منهم بين الجدران وجعلوا الآخرين في مقابر جماعية أمتدت على طول التاريخ وما المقابر الجماعية التي صنعها المقبور "صدام" في العراق ومن خلفه الارهاب الوهابي السلفي عبر التفجيرات الارهابية وعمليات الاغتيال إلا نموذج من تلك الأفعال الشنيعة التي مرت على شيعة أهل البيت (ع) طوال التاريخ خوفاً من اعتلاء كلمة الاسلام المحمدي الأصيل الذي جاء به الرسول محمد (ص) وتبناه أبنائه من أئمة المسلمين واحداً بعد آخر وقدموا الغالي والنفيس من أجله.
الحديث عن أئمة أهل البيت(ع)،هو الحديث عن قمم الروح والفكر والجهاد والانفتاح على الواقع الاسلامي كلِّه من موقع القيادة والمسؤولية.. والامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) الذي نعيش اليوم ذكرى استشهاده المؤلم على يد الطاغية "هارون العباسي" ، رمز من رموزهم عاش مرحلته في حركة العلم بجميع حاجات الناس آنذاك، وعندما ندرس حركته من خلال الذين تعلّموا منه ورووا عنه، فإنَّنا نجد مدرسته تتميّز بالتنوّع في الذين أخذوا منها ما أخذوه من علم، بحيث لم تكن مدرسته مدرسةً مذهبيّةً تقتصر على الذين يلتزمون بامامته وحسب، بل كان مرجعاً لكلِّ الناس الذين يتنوّعون في اهتماماتهم.
فكانت عظمة أهل البيت(ع) في دورهم برصد الساحة في حركتها واتجاهاتها، والتصدي للسلبيات التي يمكن أن تدخل في عمق الفكر الاسلاميّ من خلال خطٍّ منحرف هنا، وحركة فوضى في الوعي الثقافي هناك.. وقد واجه الامام الكاظم(ع) كلَّ التيارات الجديدة المنحرفة التي حاولت أن تفرض نفسها على الواقع الاسلامي لتبتعد به عن الخط المستقيم، فواجهها بالفكر الاسلامي المحمدي الأصيل النقي والصافي الذي أخذه عن آبائه (ع) عن جدهم رسول الله (ص) عن جبرائيل عن الله سبحانه وتعالى.. وكان(ع) في كلِّ مواقفه ناصحاً للمسلمين في شؤونهم الخاصة والعامة وشتى مجالات حياتهم..
لقد عاش الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) في عهد هارون الرشيد الذي امتدّت سلطته الى أبعد مدى من مواقع البلاد الاسلامية، وكان معروفاً بسلطته الظالمة التي كان يتجاوز بها حدود الله (عزوجل)، وكان معروفاً بابتذاله ولهوه فيما كان يعيشه من أجواء اللهو والفسوق التي لا تناسب انساناً مسلماً، فكيف يمكن أن تتناسب مع شخص يجلس في مركز خلافة المسلمين؟
وكان "هارون الرشيد" يعرف القيمة التي اختزنتها قلوب المسلمين في محبة الامام الكاظم (ع)، ويعرف مدى امتداداته الشعبيّة .. وأدرك أن الكثيرين من الناس كانوا يؤمنون بأنه الامام الشرعي الذي يجب على الأمة أن تمتثل لأوامره ونواهيه وطاعته.. فكان يشعر بأن الناس إنما تنجذب إليه كحاكم من خلال سلطته وقهره وقوّته، بينما كان يرى أن الأمة تنجذب الى الامام الكاظم(ع) بقلوبها وعقولها وإيمانها، لما كان يمثّله من الخطِّ المستقيم الذي يريد الله سبحانه وتعالى للناس أن يهتدوا إليه وينطلقوا فيه في كلِّ حياتهم.
لم يطق "هارون الرشيد" هذا الأمر فأمر باعتقال الامام موسى بن جعفر (ع) في مطامير السجون المظلمة ليمكث فيها (ع) أكثر من أربعة عشر عاماً على أغلب الروايات وهو مقيد من سجن لآخر حتى حمل (ع) مقيداً بالحديد من البصرة حتى بغداد من سجن الفضل بن الربيع حتى سجن "السندي بن شاهق" و كان اشد السجون عليه وأضيقها واظلمها حتى كان "السندي" اللعين يقيد الامام (ع) بالحديد وهو داخل السجن .
ولم يكتف "هارون" بذلك بل بعث رطباً مسموماً وامر "السندي" ان يقدمه الى الامام (ع)، فقام "السندى" لعنه الله باجبار الامام الكاظم (ع) على الاكل من هذا الرطب، فأكل منه وبعد لحظات أخذ السم يجري في جسم الامام وهو يعاني اشد المعاناة من الم السم فبقي متألماً ثلاثة أيام بعدها انتقل الى رحمة ربه فالسلام والصلاة على سيدنا الامام الكاظم (ع) شهيد السجون.
واليوم ما يجري في العراق من أحداث دموية تستهدف الشعب برمته خاصة الدم الشيعي أمر غير معقول بالمرة ولا يمكن للعقل البشري أن يتصوره أو يفهمه أو يحلله ، فهو خلط رهيب بين العقل والجنون، والواقع والخيال ، وفوق طاقات فهم العقل البشري حيث يمثل هزيمة للعقل والنور والخير وانتصاراً للجنون والظلمات والشر ليعود بنا بالذاكرة على ما دار بأهل البيت (ع) وشيعتهم منذ "رزية الخميس" سعياً منهم لشرخ الصف الموحد والعودة بنا الى الجاهلية ولكن نقول لهم "أقتلونا .. القتل لناعادة وكرامتنا من الله الشهادة" كما خاطب بها الامام السجاد (ع) مخاطباً "ابن زياد" في مجلسه بالكوفة بعد فاجعة كربلاء ، واستباحتكم لدمائنا لن تثنينا عن التمسك والالتفاف بنهج أهل بيت النبوة والامامة عليهم السلام.
* جميل ظاهري
jameelzaheri@gmail.com

تصنيف :
كلمات دليلية :