منشور الرشد الانساني .. بين الأمس واليوم

منشور الرشد الانساني .. بين الأمس واليوم
الأحد ١٧ يونيو ٢٠١٢ - ١٠:٤٦ بتوقيت غرينتش

وقفت على قمم شموخ الاسلام المحمدي الاصيل اتصفح اوراق تاريخه الظافرة والخالدة واستقرء سطور اسباب البعثة النبوية الشريفة وما آلت اليه حتى يومنا هذا لاجد الفرق الشاسع بين أسباب الولادة والاستمرارية والبقاء ليس بدافع الدين الحنيف وانما جراء التحريف والتزوير الذي قام به الحكام الطغاة وفراعنة كل عصر لضمان مصالحهم الوجودية في مسند السلطة الظالمة والكافرة مستعينين بغطاء الدين السميح البريء من كل اعمالهم ونواياهم.

لقد كانت البشرية قبل بعثة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم في السابع والعشرين من شهر رجب عام 13 قبل الهجرة والمصادف يوم 10 أغسطس/آب عام610ميلادي ، تعيش الضلالة والجهل والشرك والالحاد التام خاصة المجتمعات العربية التي كانت غارقة في الانحطاط ، و تحتاج الى من ينقذها وينتشلها مما هي فيه .
فكان الجهل فاشياً، والظلم جاثماً، والفوضى ضاربة بأطنابها في كل مكان، حقوق مسلوبة، وأعراض منتهكة، وحياة بغير نظام ولا قانون، ولا تشريع ولا تنظيم، والعادات والأعراف القبلية كانت تسيطر على الأوضاع ، حياة لا أمان فيها ولا استقرار ولا عدالة ولا مساواة ، واعتداء القوي على الضعيف ،كما هو الحال في عصرنا هذا حيث الاستعباد والاستحمار والظلم والطغيان والتمييز كل ذلك من أجل السلطة والحكم بما تشتهيه النفس الامارة بالسوء.
فجاءت البعثة النبوية المباركة رسالة الانسانية وكرامتها ومنشورها الألهي ودين السماحة والأخوة والعدالة والمساواة وهدى الخالق المتعال المتواصل في كل زمان ومكان ، بشموليته لكل شؤون الحياة الكريمة لتعيد للانسان كرامته وعزته ومكانته العالية التي من أجلها خلقه الله سبحانه وتعالى .
إنها اعلان الرشد الانساني واكتمال عناصر الوظيفة التي خلق من أجلها الانسان للقيام بدور الخلافة على الأرض، حيث اختار الله سبحانه وتعالى أكمل خلقه للقيام بهذا الاعلان عبر ابلاغ البشرية آخر رسالات ربهم اليهم والرسول الأعظم (ص) كان لابد أن يكون أكمل البشر ليقوم بأعباء هذه المسؤولية الكبرى فهو إذ يؤدي الى الناس أكمل رسالات ربه لابد له أن يكون النموذج البشري الكامل من حيث تمثله الكامل لهذه الرسالة والتجسيد التام لها ليكون بعد ذلك نموذجاً وقدوة للناس من جهة وحجة عليهم من جهة أخرى.
واليوم وبعد مضي أكثر من 14 قرناً على البعثة النبوية المباركة نرى أن العنف والحروب تكتسح  مرة اخرى العالم العربي لأتفه الأسباب ، فتزهق النفوس، ويعتقل الاحرار ، وترمل النساء ، وييتم الأطفال والدعوة قائمة للعودة الى عبادة الأصنام والأوثان السلطوية كما كان الحال على عهد الجاهلية حيث كان العرب يعيشون سلطة القبيلة وتسلط الأسياد والأقوياء على الفقراء والعبيد، وكان المجتمع المكي مجتمعاً يتكوّن من عدة طبقات متميزة ، ليعود اليوم أحفاد من أسس لذلك النظام الطبقاتي الظالم والحاقد الكرة اليوم ويسلطوا سيوفهم على رقاب العباد ليرغموهم على التبعية العمياء لسلطتهم العميلة الذين هم ايضاً ليسوا باصحاب القرار فيها حتى بابسط ما يخصهم .
فها هم أحفاد وأتباع أبي جهل وأبي لهب و عقبة بن أبي جهل و عقبة بن أبي معيط كبار قادة العداء للرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم  الذين لم ولن يتريثوا من فعل كل ما بوسعهم لردع الرسالة السماوية وقتل الرسول الاكرم (ص) واتباعه وانصاره ، حكام البحرين والسعودية وقطر والاردن واليمن ومصر و... غيرها من البلاد الاسلامية يعيدون الصورة ذاتها اليوم في مساعيهم لعودة الأمة الى الجاهلية والوثنية وعبودية غير الله سبحانه وتعالى ويعيثون في الارض فساداً كما اشار الباريء المتعال بذلك في محكم كتابه الشريف وفي أول سورة أنزلها على خاتم أنبيائه ورسله للبشرية جمعاء حيث حذرنا سبحانه وتعالى من طغيان الانسان على أوامره ويقف دون تحقيق هدى رب العالمين ، حيث اشار اليها سبحانه جل وعلا بأنه قد استغنى ، فقال : "كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى ، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ، إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ، عَبْدًا إِذَا صَلَّى ..." العلق (6-10) .
ومنذ عهد بزوغ شمس الاسلام المشرقة والوضاءة والحاقدين الناقمين على العدالة السماوية والوحدانية وحتى يومنا هذا يسعون جاهدين في تحريف صرح الدين القويم بوعاظ سلاطينهم وتزوير اعلامهم وتضليل الناس بادعاءاتهم "التمسك بالكتاب والسنة" متجاهلين "حديث الثقلين" ومحاربين وناقمين على كل من يتمسك به وصولاً الى الصراط المستقيم والعدالة السماوية والمساواة الربانية وما أن ينطق الناس بذلك حتى يلاقوا حتفهم في ظلمات السجون وامام محاكمات صورية طائفية كما يجري في البحرين ، أو امام استباحة دمائهم واعراضهم بفتاوى ارهابية تكفيرية كما تجري طيلة السنين ضد الشعب العراقي المظلوم ، أو في مواجهة حصار  سياسي – اقتصادي ظالم ضد الشعب الايراني الأبي ليعيش ما عاشه بني هاشم في شعب أبي طالب ، أو فتن خبيثة ضد هذه الطائفة وتلك في سوريا ولبنان ومصر واليمن وتونس وغيرها من البلاد الاسلامية بسياسة فرق تسد للصهيونية العالمية ينفذها حكام آل سعود وآل ثاني وآل خليفة مالاً وأداة .."وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ"- الشعراء 277.
* جميل ظاهري
jameelzaheri@gmail.com

تصنيف :
كلمات دليلية :